من الفافيلا وريف البرازيل إلى غزة كيف تُشكل العسكرة والغسيل الأخضر العلاقات والمقاومة والتضامن مع فلسطين في البرازيل

لطالما دعمت حركات التضامن البرازيلية فلسطين، إلا أن الروابط الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل لا تزال تتوطد. وبينما تستعد البرازيل لاستضافة مؤتمر الأطراف الثلاثين، تكشف الحملات الشعبية عن الروابط بين العسكرة الإسرائيلية وعدم المساواة المحلية، والأعمال التجارية الزراعية، وعنف الدولة. تُتيح هذه اللحظة فرصةً مهمةً لتعزيز جهود المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).

Autores

Longread de

Andressa Oliveira Soares
Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

المقدمة

تضامَن المجتمع المدني البرازيلي والحركات الاجتماعية البرازيلية مع فلسطين على مدار عقود ظلت فيها القضية الفلسطينية أساسية ومحورية على الأجندة، لكن في السنوات العشر الأخيرة تصاعدت بقوة المطالباتُ بالمقاطعة وسحبِ الاستثمارات وفرضِ العقوبات، تلبية لدعوة أطلقها المجتمع المدني الفلسطيني في 2005.

بين 2003 و2016 حكم حزب العمال اليساري البرازيل، وبعد قرار إخراج الرئيسة ديلما روسيف من السلطة في 2016، كان ميشيل تيمر هو الرئيس حتى تولى السلطة الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو في 2019، وظل في السلطة حتى 2022 ثم عادت الحكومة اليسارية. وفي ظل حكومة حزب العمال، اعترفت البرازيل رسميًا بالدولة الفلسطينية، في عام 2010، وتكررت إدانتها لأفعال إسرائيل. على ذلك، على مدار العقدين الماضيين، تزايد اضطراب سياسات البرازيل حول هذه القضية، فقد تراوحت بين التأكيد المبدئي على التضامن مع فلسطين على جانب، وتعميق الأواصر السياسية والاقتصادية مع النظام الإسرائيلي على الجانب الآخر. حتى في ظل حُكم حزب العمال – وخصوصًا في عهد حكومة بولسونارو – توسّعت البرازيل في شراء الأسلحة من إسرائيل واستمرت في تصدير النفط إلى دولة الفصل العنصري، وعمّقت من تجارتها في المنتجات الزراعية معها، وهي أشكال من التعاون دعّمت مُجتمعة البنية التحتية للاحتلال الإسرائيلي (ناكامورا، 2024).

على مدار عقود، اصطفّ المركّب العسكري-الصناعي البرازيلي، وقطاع الأغري-بيزنس، والساسة اليمينيون، وتكتلات الضغط الإنجيلية-الصهيونية، من أجل التكريس لتوثيق العلاقات بين البرازيل وإسرائيل. وتعمل هذه الأطراف معًا على تطبيع التجارة مع إسرائيل تحت ستار الشراكات التكنولوجية والزراعة الصديقة للمناخ؛ بما يفضي فعليًا إلى تبييض جرائم النظام الإسرائيلي.

هذا التناقض الظاهر بين التضامن المُعلن مع فلسطين وتعميق العلاقات الاقتصادية مع النظام الإسرائيلي لا يقتصر على البرازيل وحدها. الحق أنّه لم تلتزم سوى قلة من دول العالم بقطع – أو حتى تقليص – علاقاتها التجارية مع إسرائيل. وقد استمر هذا الوضع حتى بعد الاعتراف واسع النطاق بطبيعة نظامها القائم على الفصل العنصري،1 وبعد صدور القرارات الملزمة عن محكمة العدل الدولية في أعوام 2004 و2024 و2025، والتي حظي قرار عام 2024 منها بتأييد غالبية دول العالم (بما في ذلك البرازيل) في قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة صدر في سبتمبر 2024.2

لقد قادت حركات التضامن في البرازيل – وكثير منها متجذر في الفافيلات،3 وفي الحركات الحضرية المطالبة بالسكن، وحركات الفلاحين بلا أرض، وحركات العدالة المناخية، والفئات المتضررة من ممارسات الشركات، إضافةً إلى اتحادات الطلبة والنقابات العمالية – حملات مُهمّة تربط بين العسكرة الإسرائيلية والعنف الذي تمارسه الدولة البرازيلية، والنهب البيئي، والاستخراجية الزراعية. ومنذ بداية الإبادة الجماعية المنقولة على الهواء في غزة، وتوسّع المستوطنات والجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ تزايدت الحاجة الملحّة إلى كشف روابط التواطؤ هذه، وإبراز كيفية تأثير العلاقات الإسرائيلية-البرازيلية على الفئات المهمّشة في البرازيل، وهي قضايا باتت تحظى باهتمام متزايد وتحتلّ مساحة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الرئيسية.

سوف تستضيف البرازيل في نوفمبر 2025 مؤتمر الدول الأطراف الثلاثين (كوب 30) في مدينة بيليم دو بارا، إلى جانب قمة الشعوب.4 ويتيح ذلك نافذة استراتيجية لمواجهة صلات وروابط "الغسيل الأخضر" القائمة بين شركات التكنولوجيا الزراعية والمياه الإسرائيلية والأجندات الاستخراجية في أمريكا اللاتينية. ثمة حاجة إلى اغتنام هذه اللحظة لبناء التضامن الحقيقي والفعّال مع فلسطين، وربط النضالات المتعددة، وتعزيز المقاومة على الأرض.

تُحلل هذه الورقة إذن الصلات الرئيسية بين البرازيل وإسرائيل، وتوضّح كيف ترتبط بالنضالات على الأرض في البرازيل. كما تحلل بعض الانتصارات التي حققتها الحملات المناصرة لفلسطين، والتحديات التي عطّلت تحقيق مزيد من التقدم، بما يشمل جهود تحويل الأقوال إلى أفعال تضامنًا مع فلسطين؛ ويشمل التحليل التحرّكات المنتظرة أثناء انعقاد كوب-30.

وقوام هذه الورقة هو كما يلي: بعد المقدمة، يستكشف القسم التالي العلاقات بين البرازيل وإسرائيل، ويقدّم سياقًا تاريخيًا ويستعرض ما بين البلدين من تعاون عسكري وصفقات أغري-بيزنس وتجارة نفط ومواقف دبلوماسية؛ لا سيما في ما يتعلق بالسنوات العشرين الأخيرة. ويتناول القسم الثاني من بعد المقدمة كيف تطوّرت المقاومة والتضامن مع فلسطين – بالتركيز على حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس - BDS) – في البرازيل على مدار العقد المنقضي. ويتناول القسم ما قبل الأخير التحديات التي تواجه التضامن مع فلسطين حاليًا وكيف يمكن التغلّب عليها، بما يشمل التركيز على أهداف عالية الأولوية ومسارات واعدة للحركة. وأختتم الورقة بخلاصة موجزة. 

وأستعين في هذه الورقة عمومًا بنهج ناقد هو "القانون الدولي من أسفل" (انظر/ي: راجاغوبال، 2008) وبموجبه يعتبر الحشد السياسي ضروري للنهوض بالقانون الدولي وإنفاذه.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

العلاقات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية بين البرازيل وإسرائيل

تجمع علاقة البرازيل بإسرائيل منذ أواسط القرن العشرين بين الاصطفاف الرمزي والتعاون البراغماتي. في عام 1947 لعب الدبلوماسي البرازيلي أوسوالدو أرانها – في منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة حينئذ – دورًا إجرائيًا وسياسيًا محوريًا في الدفع بخطة تقسيم فلسطين (قرار الأمم المتحدة رقم 181). تشير الروايات المعاصرة لتلك اللحظة وأعمال التوثيق اللاحقة إلى أنّ أرانها كان وراء تأجيل التصويت بهدف تأمين أغلبية الثلثين لصالح الخطة، كما قام بنشاط بحشد تأييد الوفود – وهي أفعال حظي بسببها بتكريم علني في إسرائيل خلال العقود التالية، بحسب الوكالة اليهودية (الوكالة اليهودية، 2017). وقد ترك بروزه في الأمم المتحدة بصمة مبكرة للارتباط بين الدبلوماسية البرازيلية وإضفاء الشرعية الدولية على قيام دولة إسرائيل.

وفي مطلع الستينيات من القرن العشرين – في عهد الرئيس البرازيلي اليساري خواو غولارت – كانت العلاقات الثنائية ودّية لكن اتسمت بإعلاء النفعية، ولم تكن يشكلها التوافق الأيديولوجي بقدر ما صاغتها الحسابات المرتبطة بعلاقات عديدة الأطراف، والرغبة في التعاون التكنولوجي. ولقد دشّنت الدكتاتورية العسكرية (1964-1985) اصطفافًا كان من الواضح أنه – وبشكل علني – على أرضية أمنية وتكنولوجية-علمية. فالمواد الأرشيفية التي تقتبس منها التقارير والتحقيقات تشير إلى علاقات طيبة بين إسرائيل والعسكر البرازيليين، واشتملت على صفقات سلاح وتبادل للخبرات العسكرية وتعاون نووي مبكّر. ثمة اتفاق بين البلدين تناقلت التقارير إبرامه في 10 أغسطس 1964، بعد أربعة أشهر لا أكثر من بدء الانقلاب، ثم اتفاقات أخرى في 1966 و1967 و1974 (ماك، 2018). وفي حين لا تُظهر هذه المصادر أي تورّط إسرائيلي في الانقلاب نفسه أو المشاركة في تنسيقه وقيادته، فهي تشير إلى اصطفاف حدث سريعًا فور وقوع الانقلاب، بين البلدين، وكان يعتمد أساسًا على المصالح المشتركة في مجالات الأمن وتطوير القدرات النووية، بما يتسق مع سعي النظام الديكتاتوري للحصول على التكنولوجيات الاستراتيجية. وكانت نتيجة هذا الاصطفاف نمط استفاد النظام البرازيلي بموجبه من الصلات العسكرية والعلمية مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه شهد تعميق الشراكة النووية مع ألمانيا الغربية (1975)، في ظل الاحتفاظ ببرنامج نووي موازٍ وسرّي استمرّ بعد نهاية الديكتاتورية العسكرية في مطلع التسعينيات (جمعية آرمز كونترول، 2006؛ الجمعية النووية العالمية، 2025).

وفي العهد الديمقراطي (بدءًا من 1985)، تبدّل موقف البرازيل بين الدعم الرمزي للحقوق الفلسطينية (الاعتراف بفلسطين والموقف الدبلوماسي على سبيل المثال) والاستمرار في العلاقات البراغماتية مع إسرائيل في مجالات التجارة والأمن والتكنولوجيا. إذن يكشف منظور التاريخ طويل الأمد عن مسارين لا مسار واحد: الدور البرازيلي الأصيل في الشرعنة الدولية للدولة الإسرائيلية في 1947 ثم – بعد عقود – التعاون بعد بدء الانقلاب، الذي أدّى إلى غرس الخبرات الإسرائيلية في تجربة التحديث السلطوي البرازيلية.

وبغضّ النظر عن هذه الصورة الكبيرة، فالعلاقات الدبلوماسية البرازيلية بإسرائيل قد شهدت تحولات لافتة، مع تغيّر الحكومات والرؤساء، وإن كانت الآونة الأخيرة فقط هي التي شهدت تخفيض وتراجع هذه العلاقات بشكل كبير. على سبيل المثال، في العقد الأول من الألفية، شهدت أمريكا اللاتينية في المجمل إعادة ضبط لارتباطاتها ومواقفها مع ومن "القضية" الإسرائيلية-الفلسطينية. ولقد تأثر ذلك التحوّل بصعود اليسار عبر صناديق الاقتراع وصعود حكومات يسار-الوسط عبر أمريكا اللاتينية، في ما عُرِف بمسمى "المدّ الوردي"، وهي المرحلة التي شهدت ردة الفعل على إجماع واشنطن (لوتشينا، 2022)، وشهدت صعود العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دول ومناطق الجنوب، أو علاقات الجنوب-جنوب، في سياق صعود تجمّع دول البريكس و"سياسة البرازيل الخارجية النشطة والإيجابية". هذه التطورات والتحولات مثّلت بيئة حاضنة لمحاولات التأكيد على قدر أكبر من الاستقلالية في مواجهة الولايات المتحدة، وشجّعت على تنويع الشراكات الدولية. وفي هذا السياق أصبح التعامل مع القضية الفلسطينية – بالنسبة لعدد من حكومات أمريكا اللاتينية – أداة استراتيجية من أدوات تخطيط ورسم المواقف الدولية لهذه الدول (بايزا، 2012).

وعلى الرغم من هذا النزوع العام نحو توسيع مجال الدعم للحقوق الفلسطينية، فإن أغلب دول أمريكا اللاتينية – لا سيما الاقتصادات الأكبر مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك – مستمرة في تأطير مواقفها بالاستعانة بفكرة ضرورة وجود "توازن". كثيرًا ما رافق التعبير عن التضامن مع فلسطين تأكيد حق إسرائيل في الأمن؛ وهو الموقف الكاشف لاستراتيجية مزدوجة صاغها نموذج "توازني" يجمع بين الاعتراف الرمزي على جانب، والدبلوماسية البراغماتية على الجانب الآخر (بايزا، 2012). على سبيل المثال، فإن موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين ديسمبر 2010 ومارس 2011 – التي مثّلت توجهًا إقليميًا مفاده الاعتراف الرسمي بالسيادة الفلسطينية – صيغت في الأغلب بالاستعانة بخطاب شدد على "التوازن" و"تعزيز السلام"، بدلًا من تحرّي خطاب ضرورة فرض العقوبات على إسرائيل أو كيل الانتقادات إليها (بايزا، 2012).

وكانت البرازيل في عهد لولا مثالًا صارخًا على هذا النهج "المتوازن": بصفتها قوة صاعدة تطمح إلى ممارسة نفوذ عالمي، سعت البرازيل خلال ولايتيّ لولا الأولى والثانية (2003–2010) إلى إبراز قيادتها الدبلوماسية في ما يتعلّق بالشرق الأوسط، وأبدت حكومته حساسية غير مسبوقة تجاه المنظور الفلسطيني للقضية، تُوّجَت باعتراف البرازيل بدولة فلسطين في ديسمبر 2010. على أنّه، في حين اختارت فنزويلا وبوليفيا المواجهة العلنية من خلال قطع العلاقات مع إسرائيل عام 2009، قادت البرازيل في عهد لولا غالبية دول أمريكا اللاتينية في تبنّي سياسة تجمع بين الاعتراف بفلسطين والحفاظ في الوقت نفسه على العلاقات الثنائية مع إسرائيل (بايزا، 2012).

عُطَلت هذه السياسة أثناء رئاسة جايير بولسونارو، ففي عهده اصطفت البرازيل بشكل صريح وتام مع إسرائيل؛ فقد افتتحت مكتبًا تجاريًا لها في القدس في عام 2019، وفكّرت في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس (وإن لم تفعل هذا في نهاية المطاف) وانضمّت إلى "تجمّع حلفاء إسرائيل".5 ولقد أدّى هذا الموقف المُعلن من تصاعد وتيرة الاصطفاف الأيديولوجي البرازيلي مع التيارات الإنجيلية المُحافظة ونخب قطاع الأعمال (هوبرمان، 2024).

وخلال ولاية لولا الثالثة، التي بدأت عام 2023، عادت البرازيل إلى سياستها السابقة؛ ففي افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك العام، تحدّث لولا عن أهمية حلّ "القضية الفلسطينية" وضرورة "الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة"، غير أنّ البرازيل واصلت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وامتنعت عن الاعتراف بأنها دولة فصل عنصري. لكن بعد بدء الإبادة الجماعية في أكتوبر 2023، صعّدت حكومة لولا من انتقاداتها للعمليات العسكرية الإسرائيلية. وفي فبراير 2024، وأثناء قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، شبّه لولا ممارسات إسرائيل في غزة بالإبادة النازية. وردّت إسرائيل بإعلان لولا شخصًا غير مرغوب فيه، فسارعت البرازيل إلى استدعاء سفيرها من تل أبيب وخفّضت مستوى تعاملها الدبلوماسي برفض اعتماد السفير الإسرائيلي في برازيليا حتى الآن (ميركو برس، 2023). ومنذ بداية الإبادة الجماعية، أكدت البيانات الرسمية على استمرار دعم البرازيل لقيام الدولة الفلسطينية وللقانون الدولي، وعلا صوتها في انتقاد حكومة نتنياهو. وفي الوقت نفسه، سعت هذه التصريحات إلى التمييز بين الحكومة الإسرائيلية الحالية والدولة الإسرائيلية ذاتها، في ما أبقت البرازيل على علاقاتها التجارية والعسكرية مع إسرائيل إلى حدٍّ كبير.

المهم هنا أنّه رغم الإبادة استمرت العلاقات الاقتصادية بين البرازيل وإسرائيل – في ظل حدوث بعض الاستثناءات – في اتّباع النمط القائم منذ عقود. فمنذ مطلع عقد الألفية ومن بعده عمّقت البرازيل وإسرائيل من علاقاتهما الاقتصادية. في 2007، في عهد لولا، قادت البرازيل توقيع "الميركوسور"6 على اتفاق للتجارة الحرة مع إسرائيل. وورد في بيان حيثيات القرار بالموافقة على اتفاق التجارة الحرّة أن التبادل التجاري في 2007 بين البرازيل وإسرائيل بلغ 1 مليار رياس (نحو 200 مليون دولار أمريكي)، بواقع 30% زيادة عن معدّلات 2006 (البرلمان البرازيلي، 2009). في ذلك التوقيت كانت المنتجات الرئيسية التي تُصدّرها البرازيل إلى إسرائيل هي اللحم وفول الصويا ومُضافات الوقود، وكانت الواردات الرئيسية هي "الأسمدة والكيماويات الزراعية" (البرلمان البرازيلي، 2009).

يُعدّ قطاع الأغري-بيزنس وقطاع النفط أكبر المستفيدين من العلاقات التجارية بين البرازيل وإسرائيل. وتُظهر البيانات أنّ هذين القطاعين يؤدّيان دورًا محوريًا في الحفاظ على العلاقات بين الدولتين، بغضّ النظر عمّن يتولّى السلطة. وفي الوقت نفسه، يتحمّل هذان القطاعان مسؤولية العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والحقوق البيئية في المناطق الريفية البرازيلية (AMDH، 2025). كما يُعتبر هذان القطاعان من أبرز الداعمين للساسة اليمينيين المتطرفين في البرازيل.

إنّ الاصطفاف بين قطاعيّ الأعمال الزراعية (أغري-بيزنس) والنفط، والساسة اليمينيين المتطرفين في البرازيل، وإسرائيل – في اصطفاف ثلاثي – يتكشّف لنا إذا نظرنا إلى بيانات حديثة تُظهر أنه بين 2019 و2022 (فترة حكم بولسونارو) زادت صادرات هذين القطاعين إلى إسرائيل عامًا بعد عام؛ إذ كانت بحجم 371 مليون دولار وأصبحت 1.8 مليار دولار (MDIC، بدون تاريخ). وفي عام 2023 تراجع المبلغ إلى نحو 662 مليون دولار،7 21% منها نفط خام، و19% لحم بقري و18% فول صويا (ناكامورا، 2024). على أنه حتى بعد عودة لولا تبقى صادرات البرازيل النفطية إلى إسرائيل – في عام 2024 – كافية لجعلها أحد أكبر المورّدين النفطيين لإسرائيل (لخاني ونيرانجان، 2024)، فالبرازيل مسؤولة عن 9% من النفط الخام الذي استوردته إسرائيل ذلك العام، ناهيك عن المشتقات النفطية الأخرى.

أما الصادرات الإسرائيلية إلى البرازيل فأغلبها أسمدة ومنتجات تكنولوجيا زراعية؛ فإسرائيل من أكبر الموردين للبرازيل في ما يخص هذه المنتجات (بلايتر، 2023). وفي 2023 استوردت البرازيل ما قيمته نحو 1.4 مليار دولار من هذه المنتجات، 45% منها أسمدة و11% مبيدات زراعية، بالأساس من شركتي "حيفا جروب" و"أداما" الإسرائيليتين (ناكامورا، 2024). إضافة إلى الكيماويات الزراعية، تستورد البرازيل أيضًا تكنولوجيا زراعية إسرائيلية، تشمل طائرات مسيّرة تُستخدم لتشغيل عمليات التسميد وأنظمة الري. وتأتي هذه التكنولوجيا بالأساس من "حيفا جروب" و"أداما" و"نيتافيم". 

من المهم تسليط الضوء هنا على الدور الذي تؤدّيه هذه الشركات وغيرها من شركات التكنولوجيا الزراعية في عملية "الغسيل الأخضر" الإسرائيلية. ويُشير هذا المصطلح إلى استخدام إسرائيل الاستراتيجي للخطاب البيئي لإخفاء ممارساتها في الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والسلب لمقدّرات الفلسطينيين (مركز رصد المتربحين، 2020). في السردية الدعائية التي تروّج لها هذه الشركات، تُقدَّم إسرائيل بوصفها رائدة عالميًا في مجالي الاستدامة والابتكار، فيما يُخفى عمدًا الضرر البيئي الحقيقي والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي ترتكبها هذه الشركات والدولة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وبيئتهم (مركز رصد المتربحين، 2020). وعلى وجه الدقة، يروّج قطاع الأعمال الزراعية الإسرائيلي للأسطورة الصهيونية القائلة إنّ المستوطنين الصهاينة في فلسطين "جعلوا الصحراء تزهر وتخضرّ"، مُسوِّقًا تقنيات الري والزراعة في المناطق القاحلة بوصفها حلولًا عالمية لتغيّر المناخ وانعدام الأمن الغذائي، مع تجاهل التهجير التاريخي للفلاحين الفلسطينيين والدمار البيئي الناجم عن التوسّع الاستيطاني (مركز رصد المتربحين، 2020).

تُعدّ شركتا "أداما" و"نيتافيم" المذكورتان، بما لهما من صادرات كبيرة إلى البرازيل، من أضخم شركات الأغري-بيزنس في إسرائيل، وتؤديان دورًا محوريًا في استراتيجيات "الغسيل الأخضر" التي تتبعها الدولة. وتُعرف "نيتافيم" على نطاق واسع بدورها الريادي في تطوير تقنيات الريّ بالتنقيط، وتسوّق نفسها بوصفها جهةً توفّر حلولًا لمشكلة ندرة المياه العالمية ولتحديات تغيّر المناخ. ويُبرز خطابها التسويقي مفاهيم الكفاءة والاستدامة والأمن الغذائي، بما يمنحها صورة المسؤولية البيئية. غير أنّ عمليات الشركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تكشف عن تناقض صارخ؛ إذ توفّر "نيتافيم" أنظمة الريّ للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية. ومن خلال تقديم تقنياتها على أنها ابتكارات مستدامة بيئيًا، تُخفي الشركة الواقع المادي المتمثل في السلب وتحويل موارد المياه بعيدًا عن المجتمعات الفلسطينية.

من هذا المنظور إذن، تعمل السمعة العالمية التي تتمتّع بها شركة "نيتافيم" كمبتكرة بيئية بمثابة درع يحول دون مساءلتها عن تواطئها في التوسّع الاستعماري الاستيطاني (مركز رصد المتربحين، 2020). أما شركة "أداما"، وهي من كبريات الشركات العالمية المنتجة للمواد الكيماوية الزراعية، فهي متورطة بدورها في ديناميات "الغسيل الأخضر"؛ إذ تروّج لمحفظتها من منتجات حماية المحاصيل والأسمدة وأنظمة مكافحة الآفات بوصفها أدوات للزراعة المستدامة تُحسّن الإنتاج وتحدّ من الأضرار البيئية. غير أن أنشطة "أداما" ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنموذج الأوسع للأغري-بيزنس في إسرائيل، القائم على الاستيلاء على الأراضي، والزراعة الأحادية المكثفة، وتهميش الممارسات الزراعية الفلسطينية (مركز رصد المتربحين، 2020). فضلًا عن ذلك، تستفيد الشركة من استراتيجية الدولة الإسرائيلية في التسويق الدولي، التي تُقدّم الزراعة الإسرائيلية كمثال على "الزراعة الذكية مناخيًا" القابلة للتصدير إلى أنحاء العالم، وهو ما يؤثر بصورة خاصة على المجتمعات في الجنوب العالمي (غريَن، 2022). وتعمل هذه السردية القائمة على الاستدامة فعليًا على إخفاء التكلفة البيئية لاستخدام المواد الكيماوية بكثافة، وتدهور التربة، وإزاحة النظم الزراعية المحلية.

إذن تُعد "نيتافيم" و"أداما" معًا مثالًا دالًا على كيف تستعين شركات الأغري-بيزنس الإسرائيلية بالوسم الأخضر لتطبيع وشرعنة بُنى السلب والتوسع الاستعماري. تساعد سمعتها الدولية كشركات رائدة في الزراعة المستدامة في دمج إسرائيل بأجندات التعاون الدولي واستراتيجيات التكيف المناخي وبرامج الأمن الغذائي، بما يشمل في مساحات مثل مؤتمرات كوب (غريَن، 2022).

وهناك مثال آخر معروف على نهج إسرائيل في الغسيل الأخضر، يتمثل في شركة "ميكوروت" المملوكة للدولة، والتي تتخصص في تصدير خبراتها بمجالي تحلية المياه والريّ، وتشتبك في الوقت نفسه في ما يمكن وصفه بمسمى "الأبارتيد المائي": أي نهب الموارد المائية الفلسطينية عن طريق تحويلها إلى المستوطنات الإسرائيلية، وتقييد وصول الفلسطينيين إلى المياه النظيفة، واستخدام ندرة المياه كأداة للسيطرة السياسية (شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية - بينغون، 2021). ورغم أن "ميكوروت" لم تفلح حتى الآن في دخول السوق البرازيلية – بفضل حملات قائمة ضدها (انظر/ي أدناه) – فللشركة تواجد قوي في مناطق أخرى من أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا (شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية - بينغون، 2024).

ولا تقتصر استراتيجية التسويق والوسم التجاري الإسرائيلية على الغسيل الأخضر، بل تشمل أيضًا – وبشكل أكثر بروزًا – القطاع العسكري-الصناعي. ورغم عدم وجود أدلة على استخدام هذه التكنولوجيا تحديدًا في تطبيقات عسكرية أو قمعية داخل البرازيل، فإنها تخدم قطاع الأغري-بيزنس في البلاد، وهو القطاع الذي يُخضع صغار المنتجين والفلاحين والمجتمعات التقليدية والشعوب الأصلية، من خلال نزع الأراضي، والتلوث بالمبيدات والأسمدة، بل وأحيانًا عبر العنف الجسدي والنفسي أيضًا (AMDH، 2025). علاوةً على ذلك، فإن شراء هذه المنتجات ذات الاستخدام المزدوج – مثل الطائرات المسيّرة – يدمج التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية ضمن الاقتصاد الأخضر العالمي؛ مما يسهم في مزيد من تطبيع صناعة الأسلحة الإسرائيلية. ولهذا السبب، تبرز الأهمية القصوى لفرض حظر شامل على إسرائيل، لا مجرد حظر معداتها العسكرية المحددة.

تتخذ علاقات البرازيل بالمجمّع العسكري-الصناعي الإسرائيلي شكل الواردات من إسرائيل والصادرات إليها، بالإضافة إلى استثمارات شركات السلاح الإسرائيلية في القطاع العسكري البرازيلي. وفي ما يتعلّق بالشقّ الأول، زادت البرازيل وارداتها من الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2010 و2019؛ إذ تسلّمت طائرات نفاثة وطائرات مسيّرة وصواريخ وأنظمة قيادة وتحكّم. ورغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة حول المشتريات العسكرية، تُظهر الأرقام الرسمية أنّ البرازيل أنفقت في عام 2024 ما لا يقل عن 167 مليون دولار أمريكي على الآلات العسكرية والأسلحة والذخائر المستوردة من إسرائيل. ومن المرجّح أن يكون المبلغ الفعلي أعلى من ذلك بكثير، نظرًا لأن هذه الأرقام لا تشمل المشتريات التي تقوم بها الولايات والبلديات داخل البرازيل، ولأن العديد من العقود تُصنَّف سرّية، فضلًا عن تسجيل المعدات ذات الاستخدام المزدوج ضمن فئات أخرى (تريدنغ إيكونوميز، 2025). ومع ذلك، تُظهر هذه الأرقام الرسمية نفسها أن فئة الآلات العسكرية والمفاعلات النووية والغلايات شكّلت ثالث أكبر فئة من الواردات من إسرائيل، بعد المواد الكيماوية الزراعية ومنتجات البلاستيك.

من المهم الإشارة هنا إلى أنّ حجم الواردات العسكرية-الصناعية من إسرائيل إلى البرازيل كان ليكون أعلى في عام 2024 لولا الضغوط الشعبية المناهضة لهذا النوع من التجارة. ففي عام 2024، وأثناء الإبادة الجماعية وبعد اعتراف الرئيس لولا بأنّ ما يجري هو إبادة فعلية، شرع الجيش البرازيلي في مفاوضات لإبرام صفقة تتراوح قيمتها بين 150 و200 مليون دولار لشراء 36 قطعة مدفعية ذاتية الحركة من طراز "أتموس – ATMOS" من شركة "إلبِت سيستمز"، وهي من أهم – إن لم تكن الأهم – الشركات الإسرائيلية المنتجة والمصدّرة للتكنولوجيا العسكرية (أزولاي، 2024). وجاء ذلك رغم تصاعد التوتّرات السياسية في البرازيل حول هذه القضية، ومع ازدياد ضغوط المجتمع المدني وحلفائه للمطالبة بفرض حظر وعقوبات على إسرائيل. وفي نهاية المطاف، نجحت الحملة المناهضة لواردات السلاح الإسرائيلي في جذب تغطية إعلامية واسعة، وسحبت الحكومة عرضها لإبرام عقد "إلبت" قبل توقيعه في أواخر عام 2024.

ولا تمضي تجارة السلاح بين البرازيل وإسرائيل في اتجاه واحد؛ فالبرازيل تصدّر أيضًا بعض المنتجات إلى القطاع العسكري الإسرائيلي، وهي تنتج إمدادات تذهب لصالح كبرى الصناعات الإسرائيلية، في حين ترتبط العديد من الشركات البرازيلية عبر روابط مالية وروابط المِلكية المشتركة مع شركات سلاح إسرائيلية. على سبيل المثال، فإن شركة "أيه إي إل سيستيماس" وهي شركة تصنيع عسكرية مقرها بورتو أليجري في جنوب البرازيل، أصبحت شركة تابعة لشركة "إلبِت" (أيه إي إل سيستيماس، 2025). وتنتج "أيه إي إل" معدات دفاع برازيلية باستخدام تكنولوجيا إسرائيلية، بدعم من الحكومة الفيدرالية وهيئات حكومية أخرى، وتصدّر قطع غيار عسكرية إلى إسرائيل (برازيل دي فاتو، 2023أ). ولقد أصبحت "إلبِت" شريكًا أقوى للمؤسسة العسكرية البرازيلية عبر شركة تابعة أخرى اشترتها، هي "آريس للنظم الجوية والدفاعية" في ولاية ريو دي جانيرو (آريس، 2019)، وهي الشركة التي صنعت منذ 2017 محطات أسلحة بنظام التحكم عن بُعد للجيش الإسرائيلي باستخدام تكنولوجيا تنتجها "إلبِت" (أزولاي، 2024).

ترتبط قطاعات صناعية أخرى في البرازيل كذلك بالقطاع العسكري الإسرائيلي. ففي عام 2025، كشف صحفيون وحركات اجتماعية في البرازيل عن قيام شركات بتصدير حديد صلب برازيلي إلى شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "آي إم آي"، وهي شركة مرتبطة بـ "إلبِت"، لاستخدامه في تصنيع الأسلحة (ذا إنترسبت برازيل، 2025). وقد نشرت مجموعات التضامن وثائق شحن تُظهر أن ما يقارب 56–60 طنًا من قضبان الفولاذ كان من المقرر أن تُغادر ميناء سانتوس متجهة إلى حيفا في مطلع سبتمبر 2025، مُصنَّفةً كمدخلات "ذات استخدام مزدوج" يُحتمل إدماجها لاحقًا في سلاسل الإمداد العسكرية-الصناعية الإسرائيلية (تشاد، 2025). وقد أدت هذه التسريبات إلى اندلاع احتجاجات في سانتوس وريو دي جانيرو، وإلى مطالبات بتدخل إداري لوقف الشحنة (شملت تحركات من وسائل إعلام ومنصات نقابية على ساحل ساو باولو)، فيما أشار صحفيون إلى أنّ الفولاذ كان ضمن قائمة أهم عشر صادرات برازيلية إلى إسرائيل في عام 2024، وهو اتجاه استمر خلال عام 2025 (نقابة عمال النفط، 2025).

يُعدّ النفط من الصادرات الأخرى ذات الصلة بالقطاع العسكري الإسرائيلي. فكما ورد سابقًا، كشف تحقيق نُشر عام 2024 أنّ البرازيل غطّت نحو 9% من إجمالي النفط الخام الذي زوّدَت إسرائيل به بين أكتوبر 2023 ويوليو 2024، بما في ذلك ناقلات غادرت بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في فبراير 2024 (لخاني ونيرانجان، 2024). وخلال إدارة بولسونارو (2019–2022)، ارتفعت صادرات النفط إلى إسرائيل، وبلغت ذروتها في عام 2022 عند 1.07 مليار دولار أمريكي (تريدنغ إيكونوميز، 2025). غير أنّ شحنات النفط الذاهبة إلى إسرائيل استمرّت بدرجة كبيرة حتى في ظلّ رئاسة لولا. ووفقًا للوكالة الوطنية البرازيلية للبترول، زادت صادرات النفط إلى إسرائيل في عام 2024 بنسبة 51% مقارنة بعام 2023. أما الشركات الرئيسية المعنية فهي "شل" و"بتروبراس" (شركة النفط الوطنية البرازيلية) (فورجيريني، 2025).

بالنسبة إلى شبكات التضامن مع فلسطين والحركات الاجتماعية البرازيلية، أصبحت التدفقات النفطية هذه هدفًا مهمًا للحملات. فأكبر اتحادات نقابية تمثل عمال النفط، الاتحاد الفيدرالي لعمال البترول (إف يو بي) والاتحاد الوطني لعمال البترول (إف إن بي) قد أصدرا بيانات في مايو 2025 تنادي بتعليق الصادرات النفطية إلى إسرائيل على ضوء أعمالها العسكرية في غزة. هذا الحشد أطّر النفط بصفته مادة تربط بين الموارد البرازيلية وتعميق واستمرار الحرب الإسرائيلية، مع المحاججة بأن استمرار هذه التجارة يقوّض التزامات البرازيل بمجال حقوق الإنسان ومبادئها الدستورية القاضية بتعزيز السلام وحق تقرير المصير (إف إن بي وإف يو بي، 2025). ولقد ضمّت هذه الحملة حركة "بي دي إس" ونقابات وأطراف أخرى بالمجتمع المدني. على أنه حتى كتابة هذه السطور (في أكتوبر 2025) يبدو أن حجم صادرات النفط الخام والمشتقات إلى إسرائيل قد تراجع كثيرًا. على ذلك، هناك شكوك بوجود صادرات غير مباشرة ومن خلال أطراف ثالثة (عمليات نقل بين السفن التي تغير شحناتها في بلدان وسيطة قبل الوصول لمقصدها النهائي)، لذا تستمر الضغوط من أجل الحظر الرسمي للصادرات وبالتزام الدولة البرازيلية بسياسة تجارة قائمة على المبادئ (أوبرا موندي، 2025).

ويُعدّ تعليق صفقة شراء مدافع "إلبت" ذاتية الحركة (المشار إليها أعلاه) مؤشرًا على تغيّر حديث في موقف الحكومة تجاه واردات السلاح الإسرائيلية. ومن المؤشرات الأخرى إعلان وزير الخارجية في أغسطس 2025 أن البرازيل تدرس إمكانية حظر تصدير المواد العسكرية إلى إسرائيل. ومع ذلك، لم تُقدِم الحكومة البرازيلية حتى الآن على إلغاء أيّ من الاتفاقات الكبرى في المجالين العسكري أو الزراعي مع إسرائيل، كما لم تنسحب من أطر التعاون الأساسية مثل اتفاقية التجارة الحرة بين "ميركوسور" وإسرائيل. ويجدر التنويه في هذا السياق إلى أن من بين أربعة اتفاقات ثنائية وُقّعت مع إسرائيل في عهد بولسونارو عام 2021 (ثلاثة منها تتعلق بالتعاون في مجالات الدفاع والأمن والطيران)، دخل واحد منها حيّز التنفيذ، فيما لا تزال ثلاثة في انتظار موافقة مجلس الشيوخ البرازيلي. وقد دعت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) وشركاؤها إلى إلغاء هذه الاتفاقات بقرار من الرئيس، وهو إجراء يمتلك صلاحية اتخاذه قبل طرحها للتصويت في الكونغرس البرازيلي (بلومر، 2024).

وعلى ضوء إخفاق الحكومة الراهن في اتخاذ القدر الكافي من الخطوات الملموسة، يزيد المجتمع المدني في كل من البرازيل وفلسطين من ضغوطه من أجل وقف العلاقات بين البرازيل وإسرائيل (باديل، 2024). في القسم التالي نرى كيف ترتبط حركة التضامن الفلسطينية في البرازيل بالنضالات الوطنية البرازيلية، وكيف تنامى حجم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وقطع العلاقات (بي دي إس) في البرازيل، ليصل إلى حملة هائلة تتطور حاليًا، وتطالب بالأفعال لا الأقوال. 

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

المقاومة والتضامن: نضالات مشتركة

لطالما كان للاعتراف بالنضال في سبيل القضية الفلسطينية حضور في الحركات الاجتماعية البرازيلية، لكن ظهر التضامن الحقيقي والملموس بسبب تقدير وتثمين أوجه التشابه و التوازي التاريخية بين معاملة إسرائيل للفلسطينيين – كدولة استعمار استيطاني تفرض نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين كأمر واقع وبموجب قوانين وأنظمة رسمية – ومعاملة السود والشعوب الأصلية والفئات المهمشة الأخرى في البرازيل. تقرّ حركات السود في البرازيل بحقيقة أن التكتيكات المستخدمة ضد الفلسطينيين قد جرى تصديرها ليستخدمها الجهاز العسكري في البرازيل ضد السود والشباب المهمش والشعوب الأصلية (ألمابريتا، 2023). على العكس من إسرائيل، ليست البرازيل دولة فصل عنصري بموجب القانون، لكن لديها ميراث ثقيل من العنف الاستعماري. ويؤدي هذا العنف إلى تمكين السلطات وتدعيمها على مسار القضاء على وتحييد الجماعات التي توجد تصورات بكونها تهدد نظم التراكم القائمة وعلاقات الملكية والسيطرة السياسية. على سبيل المثال، فإن شعب اليانومامي – من الشعوب الأصلية - يعاني8 من موت المئات من أفراده على صلة بالتعدين غير القانوني، في حين تعاني المجتمعات السوداء من عنف الدولة الممنهج عبر إدارتها الشُّرطية المُعسكرة لمناطقها وما يُسمى بالحرب على المخدرات، كما يظهر من أعمال القتل في الآونة الأخيرة بمنطقة بايسادا سانتيستا (ألمابريتا، 2023).

تسهم الضرورات الاقتصادية في تغذية هذه الديناميات القمعية في البلدين. ففي البرازيل، أتاح نهج التحرير الاقتصادي في عهد بولسونارو عمليات الاستخراج غير القانوني في أراضي الشعوب الأصلية – ولا سيما داخل محمية يانومامي – ودمج الذهب المستخرج بطريقة غير مشروعة في الأسواق العالمية. أمّا في إسرائيل، فقد أدّت الأزمة الاقتصادية بعد عام 2008 إلى تصاعد الضغوط لمصادرة الأراضي الفلسطينية بوصفها استجابة لأزمة غلاء المعيشة الداخلية. وتُظهر الحالتان كيف تخدم سياسات التوسّع الاستعماري الاستيطاني والإبادة الجماعية أهدافًا اقتصادية إلى جانب غاياتها السياسية (هوبرمان، 2024).

في كلا السياقين، وإنْ باختلاف خصوصيات كل حالة، يؤثر عنف الدولة بشكل غير متناسب على الفئات المهمشة عِرقيًا، إذ تُعتبر مقاومتها تحديًا جوهريًا لنظام الدولة القائم على التراكم وعلاقات الملكية والسيادة السياسية. وتنطوي هذه الديناميات على ممارسة ما يُعرف بـ "قوة الإقصاء"، التي تتجلّى في القتل والطرد والاندماج القسري والعزل. وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى ترسيخ السيادة الاستعمارية على الأراضي المصادَرة وتيسير التراكم الأوّلي. ومن المهم الإشارة إلى أن الاستغلال والإقصاء لا يُشكّلان نقيضين، بل هما صورتان متبادلتان لسلطة الاستعمار الاستيطاني المتموضعة ضمن العلاقات الرأسمالية (هوبرمان، 2024).

يرى العديد من الفاعلين في المجتمع المدني في البرازيل – ولا سيما حركات السود وحركات الفافيلا – أن عسكرة الأراضي في البرازيل وفلسطين يمكن قراءتها بوصفها تجسيدًا لأنظمة حكم عنصرية مترابطة، تقوم على منطقٍ مشترك من الاستثناء والإحاطة والمراقبة، رغم تباين السياقات التاريخية والقانونية التي تتجلّى فيها. في الفافيلا والمناطق المهمّشة في البرازيل، تُشكّل العمليات الشُّرطية-العسكرية، وأنظمة المراقبة الرقمية، والرقابة البيئية بنيةً تحتية للسيطرة تُطبع القتل وتُعلّق إعمال الحقوق. أما في المناطق الفلسطينية المحتلّة، فإن نقاط التفتيش، والمداهمات، والحدود المزوّدة بتقنيات الاستشعار تؤدي وظيفة موازية في هندسة القيود. ويربط بين هذه المواقع تدفّق عابر للحدود للعقائد الأمنية والتكنولوجيات وشبكات التوريد (الطائرات المسيّرة؛ ومنصّات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ وأنظمة التنبؤ الشُّرطي؛ وحُزَم "المدن الذكية")، وهي قنوات يترجم من خلالها المورّدون والأجهزة البيروقراطية الأمنية تقنياتٍ جُرّبت ميدانيًا، إلى ممارسات إدارية روتينية في سياق آخر. والنتيجة هي نموذج مترابط ومتعاضد من "الأمن والتنمية" يتعامل مع الفئات المُعرّضة لسياسات الفصل العرقي بوصفها تهديداتٍ قابلة للإدارة، ومع الفضاءات باعتبارها مختبرات للتجريب الإداري، في الوقت الذي يُخفي فيه أوجه اللامساواة البنيوية الكامنة وراء سرديات الكفاءة والتحديث وإدارة المخاطر (مارتنز وفارياس، 2024).

لقد أسهمت الفعاليات الكبرى التي أُقيمت مؤخرًا في البرازيل، ولا سيما أولمبياد ريو 2016، في ترسيخ مفهوم "عسكرة الحياة اليومية" في البلاد؛ إذ جرى تطبيع أنظمة الأمن الاستثنائية وجعلها اعتيادية، وتسريع عمليات الشراء للمعدات ذات الصلة، وبناء بنية تحتية للمراقبة، ثم إعادة توظيفها في إدارة الفافيلا والمجتمعات الحضرية بصورة روتينية. وقد أعاد هذا النظام الأمني الذي فرضته الألعاب الأولمبية – المكوَّن من الدوريات المدرعة، ومراكز القيادة والسيطرة، وشبكات الكاميرات، وأنظمة الشرطة المعتمدة على البيانات – تعريف النظام العام بوصفه حالة دائمة من الاستثناء؛ مما أضفى شرعية على الإدارة المستمرة للمناطق الخاضعة للإدارة بناء على خطوط عرقية، باعتبارها مناطق "خطر". ويعكس هذا التطبيق المحلي للإجراءات الاستثنائية دوائرا عابرة للحدود من التكنولوجيا والعقيدة الأمنية، مما يجعل حوكمة المدن في البرازيل تتماهى مع نماذج صيغت في سياقات أخرى من الاحتلال والإحاطة، ويعزز في الوقت نفسه التعامل مع الفضاءات الهشّة بوصفها مختبرات للتجريب الإداري (المركز البرازيلي للبحوث السياسية والاجتماعية – PACS، 2017).

لقد يسّر من تكثيف هذه الأشكال البنيوية للقمع صعود إدارات من اليمين المتطرف في كل من البرازيل وإسرائيل. فجايير بولسونارو في البرازيل وبنيامين نتنياهو في إسرائيل يقدمان مثالًا واضحًا على أشكال "الفاشية الطرفية"، التي تشرعن عنف الدولة وتعظّم أثره، بما يتجاوز الأصولية الدينية والأطر العقائدية المُحافظة. هذه "الفاشية الطرفية" تعزز الاستعمار الداخلي والبنى الخاصة بالفصل العنصري وتعمّق التراكم الأوّلي في ظل سياق عام من النيوليبرالية (هوبرمان، 2024).

في هذا السياق إذن تنامت حركة التضامن البرازيلية مع فلسطين، ولقد تنامت بثبات منذ أواسط عقد الألفية. واتخذت هذه الحركة التضامنية استراتيجيات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) مهادًا لها، ومعها استراتيجيات التحالفات التقاطعية وانتقاد العسكرة والغسيل الأخضر. ولقد ظهرت حركة بي دي إس في عام 2005 على صورة دعوة موحدة من قِبل أكثر من 170 منظمة مجتمع مدني فلسطينية تطالب بإنهاء الاحتلال والاستعمار، وبالمساواة الكاملة للفلسطينيين وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي واحترام حق اللاجئين في العودة (حركة بي دي إس، 2005). وفي البرازيل وأمريكا اللاتينية، اكتسبت الحركة الزخم عبر أنشطة النقابات واتحادات الطلاب والنقابات الأكاديمية، وحركات نشطت في الفافيلات وفي الريف، ترجمت منصة بي دي إس العالمية إلى حملات محلية وضغط على المؤسسات الحكومية ومقاطعة ثقافية ومطالبات خاصة بسياسات مشتريات الدولة، مع وضع فلسطين في صميم النضالات الأوسع نطاقًا ضد العنصرية والعسكرة والأغري-بيزنس والاستخراجية (ميسلي، 2016).

وفي 2006، أصدرت النقابة العامة لمعلمي الجامعات الوطنية قرارًا رسميًا بدعم دعوة المجتمع المدني الفلسطيني إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بيان النقابة العامة لمعلمي الجامعات الوطنية، 2005). وفي فبراير 2006 قامت مركزية نقابات العمال البرازيلية – وهو أكبر اتحاد كونفدرالي للنقابات العمالية في أمريكا اللاتينية – بيانًا يرفض اتفاق ميركوسور-إسرائيل المقترح للتجارة الحرة، بعد إطلاق دعوة للمقاطعة حاججت فيها "المركزية" بأن البرازيل متواطئة في الفصل العنصري الإسرائيلي (باديل، 2007).

وفي 2010 تشكلت مجموعة تابعة لحركة بي دي إس في البرازيل – وبشكل رسمي – للمرة الأولى، وقد ركّزت على مقاومة العسكرة وشنت حملات ضد شركة "إلبِت". وعمّقت المجموعة من تحالفاتها مع التضامن الفلسطيني والحركات التي خرجت من الفافيلات وحركات "كيلومبوس" الحضرية.9 وفي الوقت نفسه نُظمت "فعاليات يوليو الأسود"10 في ريو دي جانيرو وساو باولو، وقد ربطت بين عنف الدولة في مناطق البرازيل المهمشة – على صورة الإدارة الشُّرطية العنصرية والظلم في سياسات السكن – والاحتلال العسكري الإسرائيلي لفلسطين. وفي 2014 حققت حركة بي دي إس في البرازيل نصرًا كبيرًا، إذ أوقفت مقترحًا بالتوسع في أعمال شركة "إلبِت" في بورتو أليجرو (كارتا كابيتال، 2019).

بدأت أنشطة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) التي استهدفت قطاعي الزراعة والبيئة بمحاولاتٍ لمواجهة مساعي شركة "ميكوروت" لدخول السوق البرازيلية (كما أُشير سابقًا). ففي عام 2009، قادت مركزية نقابات العمال حملة ضد اتفاق بين "ميكوروت" وشركة توزيع المياه العامة في ولاية ساو باولو، شارك فيها عمال الشركة الحكومية إلى جانب صغار المنتجين الزراعيين في المنطقة (مركزية نقابات العمال، 2009). وبعد بضع سنوات، في عام 2014، تعاونت حركة المتضررين من السدود (ماب) وحركة المنتجين الصغار (إم بي أيه) لمنع إبرام اتفاق بين "ميكوروت" وولاية باهيا (كارتا كابيتال، 2019). وفي السنوات الأخيرة، ربطت قيادة حركة الفلاحين بلا أرض (إم إس تي) علنًا بين قضية إصلاح الأراضي والمطالب المناهضة للاستخراجية من جهة، والتضامن مع فلسطين من جهة أخرى، معتبرةً القضيتين نضالا ضد الاستحواذ الرأسمالي والعسكرة. وقد أبرزت دراسة نُشرت في "إنترناشونال فيوبوينت" (2024) كيف تضع حركة الفلاحين بلا أرض تضامنها ضمن إطار المقاومة العالمية الأوسع ضد الاستعمار.

وتميل مجموعات "بي دي إس" في البرازيل إلى تبنّي العمل الائتلافي، وغالبًا ما تتعاون مع الأحزاب اليسارية. فعلى سبيل المثال، تعاونت هذه المجموعات مع حزب الاشتراكية والحرية (بي إس أو إل)، الذي أصدر في عام 2018 قرارًا جدّد فيه دعمه لحركة المقاطعة ودعا إلى فرض حظر على الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى البرازيل، رابطًا بشكلٍ صريح بين التكنولوجيا الإسرائيلية وأشكال القمع الداخلي (حزب الاشتراكية والحرية – PSOL، 2018).

وفي 2019، بعد 14 عامًا من إنشاء أولى حركات "بي دي إس"، ركزت التغطية الإعلامية في البرازيل على تأثير الحركة المتراكم و"الانتصارات" الظاهرة لها، وهو ما ساعد على تعميم تكتيكات الحركة – من فك الارتباط بالشركات وتكتيك "المقاطعة الثقافية" والمناقشات السياسية حول التجارة والتعاون العسكري – مع ملاحظة ردات الفعل الانتقامية (قانونية ودبلوماسية ونيل من السمعة) التي سعت إلى تضييق أعمال مناصرة حركة "بي دي إس" (كارتا كابيتال، 2019). هذه الديناميات تشدد على طبيعة "بي دي إس" المزدوجة، بصفتها مشروع طويل الأجل تضرب جذوره في القانون الدولي ومناهضة العنصرية، وخطة استراتيجية تستهدف التواطؤ المؤسسي بدلًا من استهداف الأفراد، وهي بذلك ترمي إلى نقل التكلفة والحوافز عبر الأسواق والجامعات والدوائر الثقافية وأعمال المشتريات الحكومية وتحميل الأطراف المسؤولة عنها (ميسلي، 2016؛ كارتا كابيتال، 2019).

لقد حقّقت احتجاجات يوليو الأسود الشعبية في ساو باولو وريو دي جانيرو، المشار إليها سابقًا، إلى جانب احتجاجات مماثلة أخرى، اختراقًا رمزيًا لكنه بالغ الأهمية، من خلال الربط المباشر بين منظومات الأسلحة الإسرائيلية وسياسات الشرطة المُعسكرة في الفافيلا البرازيلية. ومن خلال إعادة صياغة التضامن مع فلسطين بوصفه جزءًا لا يتجزأ من النضال من أجل العدالة العرقية ونزع العسكرة وحماية البيئة داخل البلاد، وسّعت هذه الحركات قاعدتها الاجتماعية وربطت التضامن العالمي بالمطالب المحلية (مارتنز، 2021).

على الرغم من التقدّم الذي أحرزته حركة "بي دي إس"، فإن العراقيل استمرّت قبل بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة عام 2023. فقد ظلّت اتفاقية التجارة الحرة بين "ميركوسور" وإسرائيل سارية المفعول، مما ضمن لإسرائيل وضعًا تجاريًا تفضيليًا، في حين واصلت صادرات البرازيل من المنتجات الزراعية والنفطية تقويض خطاب المقاطعة. فضلًا عن ذلك، أدّت حالة الجمود الحكومي والضغوط السياسية إلى تعطيل أي تحرّك تشريعي أو تنفيذي أوسع بشأن هذه المسألة، وهو ما يعكس حدود الانتصارات الشعبية حين تواجه مصالح اقتصادية ودبلوماسية راسخة.

ثم جاءت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وبين عامي 2023 و2025، ومع بثّ مشاهد الإبادة مباشرة على مدى أيامها، ازدادت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) حضورًا ووضوحًا في البرازيل. وفي هذا السياق، حقّقت الحركة انتصارات ملموسة بفضل سلسلة من التعبئات والحملات. فكما ذُكر سابقًا، تم في عام 2024 تعليق أكبر عقد عسكري مع شركة "إلبِت سيستمز" طُرح في السنوات الأخيرة – والمتعلق بخطة لشراء مدافع ذاتية الحركة بقيمة تتراوح بين 150 و200 مليون دولار. كذلك أُلغيّ في العام نفسه معرض الابتكار المشترك في الجامعة الاتحادية في سيارا، والذي كان من المقرّر أن يعرض شراكات مع مؤسسات إسرائيلية في مجالات مثل إدارة المياه والأمن الغذائي (غازيتا دو بوفو، 2024). وفي عام 2025، ألغت كل من جامعة ولاية كامبيناس، والجامعة الاتحادية في فلومينينسي، والجامعة الاتحادية في سيارا، والجامعة الاتحادية في ريو غراندي دو سول اتفاقياتها مع الجامعات الإسرائيلية (فوليا دي ساو باولو، 2025ب).

تحققت هذه الإنجازات في ظلّ تحوّل في الرأي العام، تؤكده عدة استطلاعات للرأي. ففي يونيو 2025، وقّع أكثر من 15,000 شخص – من بينهم أسماء بارزة في مجالات الفنون والموسيقى والسياسة مثل شيكو بواركي وني ماتوغروسو وفرانسيسكو ريزيك – عريضة تطالب بفرض عقوبات ملموسة على إسرائيل، تشمل حظرًا عسكريًا شاملًا وإنهاء اتفاقية التجارة الحرة (فوليا دي ساو باولو، 2025أ). وفي أغسطس من العام نفسه، أعلن ماورو فيييرا، وزير الخارجية، ولأول مرة أن البرازيل تدرس اتخاذ تدابير اقتصادية محددة ضد إسرائيل، من بينها إعادة تقييم اتفاقية التجارة الحرة وصادرات الأسلحة. 

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

الهجمة المضادة والتحديات الكبيرة

على الرغم من المنجزات المذكورة باختصار أعلاه، فالمقاومة السياسية والمعوقات الهيكلية مستمرة في تقييد تقدم حركة "بي دي إس" في البرازيل، والتضامن مع فلسطين بشكل عام. يشمل هذا شبكات اللوبي الصهيوني، وإحجام الحكومة عن الاستجابة بشكل أسرع، والتبعات القانونية، والتأطير الأيديولوجي لإسرائيل بصفتها شريكًا جيّدًا بمجال الابتكار.

تتواجد منظمتا لوبي صهيوني أساسيتان في البرازيل، هما "مؤسسة حلفاء إسرائيل (آي أيه إف)" والكونفدرالية الإسرائيلية في البرازيل (كونيب). تحافظ آي أيه إف على تجمّع مناصر برازيلي بالأساس، من البرلمانيين المنحازين إلى الكُتل الإنجيلية والمحافظة، وهم يعملون على مناوئة الحشد لمناصرة فلسطين في البرازيل. هؤلاء المشرّعون يعارضون تحركات "بي دي إس" ويعززون العلاقات الإسرائيلية في المحافل التشريعية (إسرائيلي ناشيونال نيوز، 2023). ومن جانبها، تعمل كونيب كوسيط محوري بين المؤسسات المجتمعية والدولة، فتدافع عن القوة الناعمة الإسرائيلية وتتحدى الخطاب الانتقادي، لا سيما في الإعلام والدوائر الأكاديمية.

إلى جانب لجوئها إلى التهديدات القانونية والحرب القضائية، تسعى الشبكات المؤيدة لإسرائيل مثل مؤسسة حلفاء إسرائيل (آي أيه إف) والكونفدرالية الإسرائيلية في البرازيل (كونيب) إلى تصنيف انتقاد إسرائيل على أنه خطاب كراهية، زاعمةً أن انتقاد السياسات الإسرائيلية غالبًا ما يُخفي نوايا معادية للسامية، وهي استراتيجية تُستخدم لتجريم الناشطين ونزع الشرعية عنهم. وبموجب القانون البرازيلي، تُعدّ معاداة السامية شكلًا من أشكال العنصرية وجريمة يعاقب عليها القانون، غير أنه لا توجد تعريفات رسمية للمصطلح. وتضغط الجماعات الصهيونية من أجل تبنّي تفسير واسع لمعاداة السامية يمكن استخدامه لقمع أنشطة التضامن مع فلسطين. وقد قدّم أحد النواب اليمينيين مؤخرًا مشروع قانون يهدف إلى فرض تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية، وهو تعريف معروف باستخدامه كأداة لقمع انتقاد النظام الإسرائيلي. إلا أن اليهود المناهضين للصهيونية، مثل أعضاء يهود من أجل التحرر (في جيه إل)، تصدّوا لهذه المبادرة، وفي النهاية انسحبت الحكومة الفيدرالية نهائيًا من التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، الذي كانت تشغل فيه صفة عضو مراقب منذ عام 2021 (فوليا دي ساو باولو، 2025ب).

وعلى الرغم من أنّ الرئيس البرازيلي لولا استخدم منذ بداية الإبادة الجماعية لغةً دبلوماسية حازمة – شملت استدعاء السفير البرازيلي من إسرائيل وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي – ورغم إعلان وزارة الخارجية عن دراسة بعض الإجراءات ضد إسرائيل، فإن التحولات السياسية حتى الآن لا تزال محدودة. فقد بقيت اتفاقية التجارة الحرة بين "ميركوسور" وإسرائيل سارية المفعول، ولم تُلغِ الهيئات الحكومية الالتزامات الكبرى في مجالي التسليح أو التجارة. وفي الوقت نفسه، ما زالت الولايات والبلديات تواصل شراء المعدات الإسرائيلية. وعلى الرغم من الانتصار الكبير المتمثل في وقف التسليم المباشر للنفط إلى إسرائيل عام 2025، لم يُفرض حتى الآن حظر رسمي، فيما تستمر عمليات الشحن غير المباشر.

ومن أسباب هذا التقدّم المحدود أن المشرعين الموالين للصهيونية (وبعضهم حلفاء للحكومة) والنخب من قطاع الأعمال، مستمرون في الضغط على الوزارات البرازيلية لصالح الاحتفاظ بالروابط التجارية بين البرازيل وإسرائيل في مجالات الأمن والزراعة والطاقة. من الأمثلة الدالّة، التصويت بالإجماع في مجلس الشيوخ البرازيلي في يونيو 2025 لصالح جعل يوم 12 أبريل يوم الصداقة الإسرائيلية-البرازيلية، احتفالًا بالأواصر التاريخية والاقتصادية بين البلدين – في خضمّ الإبادة في غزة (كامارا دوس ديبوتادوس، 2025). كانت تلك رسالة واضحة إلى الرئاسة، بما يشمل من أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الرئيس – بعد بيانات لولا القوية ضد التصرفات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، دافعت وزارة الدفاع – التي تنفذ إلى الآن أعمالًا تنسيقية مع شركاء على صلة بشركة "إلبِت" وتتاجر مع الأسواق الإسرائيلية – دافعت علنًا عن شراكاتها مع الشركات الإسرائيلية، ووصفت محاولات وقف هذه العلاقات بأنها "تدخلات أيديولوجية" (أو جلوبو، 2024).

ثمّة عامل قد يفسّر توجه النخب البرازيلية الإيجابي نحو إسرائيل، هو استراتيجية الوسم العالمية لإسرائيل، التي تروّج من خلالها لصورتها (أشرنا إليها أعلاه)، والتي تشدد على التفوق التقني في مجال المناخ والابتكار الزراعي والتعاون الأمني. وبناء على هذه الاستراتيجية، تشارك إسرائيل في العديد من معارض وفعاليات الابتكار في البرازيل. هذه الاستراتيجية – في المجمل – تسمح لإسرائيل بتصوير نفسها بصفتها شريك للتنمية في البرازيل، ما يعني عملًا قيامها بالغسل الأخضر لسياساتها الاحتلالية. هذه السرديات تصادف هوى النخب البرازيلية وتُعمي عن مطالبات المحاسبة.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

المراحل التالية: استراتيجيات لضمان أن تلعب البرازيل دورًا قياديًا في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين

تحتلّ البرازيل موقعًا محوريًا في مشهد السياسة الخارجية لأمريكا اللاتينية. فهي أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، وكانت واحدة من أكبر عشر اقتصادات في العالم عام 2025. كما تؤدي دورًا مهمًا في تجمّع البريكس وفي الدفع نحو نظام دولي متعدّد الأقطاب. إنّ الدور التاريخي للبرازيل في الجنوب العالمي وصلاتها الاقتصادية العميقة بإسرائيل يمنحانها قدرة فريدة على ترجيح كفّة المساءلة. غير أن تحقيق ذلك يتطلّب قطيعة متعمّدة مع أشكال التواطؤ البنيوي، بما يشمل التجارة العسكرية، وقطاع الأغري-بيزنس، وصادرات النفط.

في هذا السياق، يعتمد نجاح حركة التضامن مع فلسطين في البرازيل على بناء تحالفات واسعة ومتقاطعة تربط بين النضالات الحضرية والريفية والبيئية والعمالية ومناهضة العنصرية. وقد أظهرت حركات مثل حركة الفلاحين بلا أرض (إم إس تي) وحركة المتضررين من السدود (ماب) وحركة المنتجين الصغار (إم بي أيه) والحركة السوداء الموحّدة (إم إن يو) والمجموعات النشطة في الفافيلا الإمكانات الكامنة في ربط قضايا إصلاح الأراضي والعدالة السكنية والدفاع البيئي بتحرّر فلسطين (تراي-كونتيننتال، 2024). كما تُعدّ النقابات العمالية والمنظمات النسوية والحركات السوداء وحملات العدالة المناخية واتحادات الطلبة حلفاء أساسيين في هذا المسار. ويمكن للحملات المنسّقة التي تجمع بين هذه الأطراف المختلفة أن تضاعف أثر الرسالة القائلة إنّ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ليس ظاهرة معزولة أو بعيدة جغرافيًا، بل يرتبط بنفس المنطق الاستخراجي والعسكري الذي يُلحق الضرر بالمجتمعات المهمّشة في البرازيل.

وعلى وجه التحديد، ثمة حاجة إلى تنظيم حملات تركّز على اتفاقات الدفاع والتجارة مع إسرائيل. يُظهر إيقاف صفقة المدفعية مع شركة "إلبِت سيستمز" في 2024 قوة الضغط الجماهيري والحشد النقابي، ويمكن أن نعتبر هذه سابقة على طريق إلغاء جميع اتفاقات السلاح مع إسرائيل.

ويمكن تطبيق نفس النهج في العلاقات بين "ميركوسور" وإسرائيل في اتفاق التجارة الحرة. على البرازيل أن تقدم القيادة من خلال الإلغاء الأحادي من طرفها لهذا الاتفاق، حتى لو لم يفعل المثل شركاء "ميركوسور". وبالتوازي، فالنقابات مثل التجمعات النقابية العمالية الكبرى في قطاع النفط البرازيلي ومركزية العمال، يجب أن تستمر في استخدام قوتها الاقتصادية من خلال رفض تيسير صادرات النفط إلى إسرائيل ورفض التعاون التقني مع الشركات المرتبطة بإسرائيل.

علاوةً على ذلك، يتعيّن على الفاعلين القاعديين من مستوى الحركات الشعبية ممارسة الضغط على الحكومة الفيدرالية للانتقال من الإدانة الخطابية إلى الفعل العملي. فعلى المستوى التطبيقي، دعت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) باستمرار إلى فرض عقوبات وتدابير للمساءلة تكون فعّالة وقانونية ومتوازنة، وموجَّهة نحو تفكيك بُنى القمع. ومن المهم التأكيد على أنّ تبنّي مثل هذه التدابير يُعدّ واجبًا قانونيًا لا خيارًا سياسيًا، كما يؤكد شبه إجماع بين خبراء القانون الدولي اليوم. وعلى الصعيد الوطني، يجب على البرازيل أن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ولا سيما تلك الناشئة عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية واتفاقية مناهضة الفصل العنصري، وأحكام محكمة العدل الدولية الصادرة في فبراير ويوليو 2024، وغيرها. ولتحقيق ذلك، تبرز الحاجة إلى اعتماد التدابير التالية للمساءلة: 

  1. إنهاء جميع صادرات الأسلحة القائمة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
  2. إعلان وتشريع وتنفيذ حظر أسلحة كامل وشامل على إسرائيل، ويشمل تصدير واستيراد المعدات العسكرية والمواد مزدوجة الاستخدام، والإنهاء الفوري لجميع اتفاقات التعاون العسكري والأمني مع إسرائيل.
  3. إلغاء اتفاق التجارة الحرة القائم حاليًا مع إسرائيل.
  4. تعليق اتفاقات السفر بدون تأشيرات لمواطني إسرائيل وفرض إجراءات تحقق لضمان أن من يدخلون البلاد لم يتورطوا في جرائم إبادة.
  5. تدعيم التزام البرازيل بملاحقة الأفراد قضائيًا – بغض النظر عن جنسياتهم (بما يشمل مزدوجي الجنسية البرازيلية-الإسرائيلية) – المشتبهين بالتورط (ويشمل التحريض) في جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الفصل العنصري.
  6. الانضمام إلى مجموعة لاهاي والتوقيع على إعلان المجموعة، لإظهار التزام البرازيل بالعمل الجماعي دفاعًا عن القانون الدولي وحمايةً للحقوق الأساسية.

إن تنفيذ هذه التدابير لن يمثّل فقط وفاءً بالتزامات البرازيل بموجب القانون الدولي، بل سيجسّد أيضًا مسؤوليتها الأخلاقية في الإسهام بالجهود العالمية الرامية إلى دعم العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون. وبوجهٍ خاص، فإن مشاركة وزارة الخارجية البرازيلية (إيتاماراتي) – التي تمتلك تاريخًا من الدبلوماسية النشطة – في الإجراءات القانونية الدولية المتعلقة بالجرائم الإسرائيلية ستشكّل سابقة إقليمية قد تدفع حكوماتٍ أخرى في أمريكا اللاتينية إلى اتخاذ خطوات مماثلة. وجدير بالذكر هنا أنّ البرازيل قد انضمّت مؤخرًا إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وهو ما يُعدّ انتصارًا لحركة التضامن مع فلسطين في البرازيل، كما يزيد في الوقت نفسه من الضغوط على البرازيل للتحرك من أجل منع استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية.

تتطلّب الاستراتيجيات الإسرائيلية القائمة على "الغسيل الأخضر" وتسويق نفسها كرائدة بمجال تكنولوجيا الأمن، تتطلب مواجهةً منهجية من خلال حملات تثقيف وتوعية. وفي السياق البرازيلي، ينبغي أن تُعطى الأولوية في هذه المبادرات لإنتاج مواد باللغة البرتغالية تتناول بالنقد عمليات الشركات الإسرائيلية مثل "نيتافيم" و"أداما"، التي تجني أرباحها من نظام يُوصَف بأنه "أبارتايد مائي"، مع إبراز الكيفية التي تُستخدم بها سرديات التكنولوجيا الزراعية لإخفاء عمليات نزع الأراضي الاستعمارية الاستيطانية وإضفاء الشرعية عليها. علاوةً على ذلك، فإن الربط الصريح بين التقنيات العسكرية الإسرائيلية وممارسات البرازيل في مجالات الشرطة والمراقبة، ولا سيما مراقبة الناشطين والمدافعين البيئيين، يمكن أن يولّد صدىً اجتماعيًا أوسع. ومن خلال إدراج هذه الديناميات ضمن نضالاتٍ حضرية وريفية على السواء، تستطيع هذه الحملات تعزيز الوعي العام، وتقوية روابط التضامن، ووضع تحرّر فلسطين في إطار النضالات المستمرة في البرازيل من أجل العدالة العرقية والاجتماعية والبيئية.

وتبقى الأنشطة الجامعية، مثل أسبوع مناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي، ذات أهمية محورية، غير أنّ توسيع نطاق الوصول إلى فضاءات الحركات الاجتماعية يُعدّ أمرًا لا يقلّ أهمية. وتحقيقًا لذلك، ينبغي أن تركّز الحملات البصرية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المراكز الحضرية الكبرى على إبراز سرديات المقاومة المتقاطعة، التي تربط بين النضالات من أجل الحرية والعدالة في سياقات متعددة.

وكما سبق الذكر، فأثناء انعقاد مؤتمر كوب-30 في بيليم، سوف تعقد الحركات القاعدية الشعبية قمة الشعوب، والتي ستجمع أصواتًا من الحركات الاجتماعية من جميع أنحاء العالم، بما يشمل حركات ومنظمات فلسطينية، منها "لجنة بي دي إس الوطنية (بي إن سي)" و"أوقفوا الجدار" و"بينغون" – أصدقاء الأرض فلسطين، حظر الطاقة عالميًا من أجل فلسطين (جييب) والمعهد الفلسطيني للدبلوماسية الشعبية (بي آي بي دي). أثناء القمة، سوف تضع هذه المجموعات فلسطين على الأجندة، ليس كقضية مُجرّدة، بل أيضًا في صورة ملموسة ومباشرة، لتقوية التشبيك مع النقابات والحركات الحقوقية والبيئية، ولبناء تضامن قوي يتصدى للنضالات المتقاطعة. معًا، سوف ترسل هذه الحركات رسالة واضحة مفادها أن تحرير فلسطين جزء لا يتجزأ من تحقيق العدالة المناخية الحقيقية. 

الختام

تواجه البرازيل فرصة تاريخية لدعم فلسطين. مع استضافتها لمؤتمر كوب-30 وقمة الشعوب، فالتركيز الآن منصبّ على الحكومة والمجتمع المدني البرازيليين، والسؤال هو هل سيتخذان تدابير واضحة وصريحة لوقف التواطؤ مع نظام الفصل العنصري والإبادة الإسرائيلي. 

ثمة تقدّم مُحرز يظهر للعيان بالفعل. فالحركات الاجتماعية، من حركة الفلاحين بلا أرض (إم إس تي) إلى الاتحادات الطلابية، قد أحرزت انتصارات هامة: أوَقفوا عقود مع "ميكوروت" و"إلبِت" الإسرائيلية، ودفعوا الجامعات إلى إلغاء معارض إسرائيلية، وفرضوا نقاشات ذات صلة بالقضية الفلسطينية على أجندات صادرات النفط وسؤال حظر الطاقة الكامل. فضلًا عن هذا، ربط تضامن النقابات بين التحرر الفلسطيني وحقوق العمالة والعدالة البيئية، فأظهر كيف تتقاطع بعمق هذه النضالات. هذه التقاطعية تحتاج إلى المزيد من البحث والتوسع في التطبيق.

ومع ذلك، ما زالت الدولة البرازيلية مترددة في مواقفها. فعلى الرغم من الإدانة القوية التي وجّهها لولا لإبادة إسرائيل في غزة واستدعاء السفير البرازيلي من تل أبيب، فإن شبكات التعاون العسكري، وصادرات النفط، والأغري-بيزنس ما زالت قائمة إلى حدٍّ كبير دون مساس. وتُعيق الضغوط الصهيونية ونفوذ النخب الاقتصادية اتخاذ خطوات فعالة. ومن دون ضغط شعبي متواصل من القاعدة، تخاطر البرازيل بالبقاء متواطئة. وفي الوقت نفسه، لم تتمكّن حملات التضامن مع فلسطين دائمًا من استقطاب دعمٍ واسع من منظمات المجتمع المدني، ولا تزال بعض الحركات تنظر إلى التضامن مع فلسطين بوصفه قضية مجرّدة أو محصورة في الخطاب دون ترجمة عملية.

تتطلب المرحلة المقبلة مزيدًا من التنظيم القائم على التقاطعية، واستمرار العمل مع النقابات العمالية والحركات الطلابية والجماعات البيئية وحركات الدفاع عن الأرض، إلى جانب ممارسة ضغطٍ متواصل على الحكومة، وتعزيز التنسيق الإقليمي، ووضع استراتيجية للتثقيف العام تُسهم في تفكيك الدعاية الإسرائيلية.

تتحمّل البرازيل واجبًا أخلاقيًا ولديها قوةً سياسية كافية بما يتيح لها تجاوز حدود التضامن الخطابي. فمن خلال الإنهاء الكامل للتواطؤ – العسكري والدبلوماسي والاقتصادي – يمكنها الإسهام في تنظيم عملية إعادة اصطفاف إقليمي، ودفع الحملة العالمية الرامية إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وإذا ما اغتنمت هذه الفرصة، تستطيع البرازيل أن تصبح صوتًا رائدًا في مواجهة نظام الفصل العنصري والعسكرة الإسرائيليَّين، سواء داخل الجنوب العالمي أو في المحافل الدولية مثل البريكس وميركوسور ومنظمة الدول الأمريكية وحتى الأمم المتحدة. وستُحدّد السنوات المقبلة ما إذا كانت البرازيل ستستمر في دور المُمكِّن للعسكرة، أم ستتقدّم بالكامل نحو دورها التاريخي كمدافع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. إن مستقبل النضال الفلسطيني، والنضال الأوسع ضد أنظمة القمع العالمية، سيتأثر جزئيًا بهذا الخيار.

الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبيها فقط، ولا تعكس بالضرورة آراء أو مواقف الجيش الوطني الإندونيسي.