السلطوية وتحرير الاقتصاد وجذور انتفاضات 2011
Topics
Regions
قبل عشر سنوات بالضبط انطلقت انتفاضات 2011 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كيف لنا أن نفهم جذورها وأسبابها العميقة؟ في ذلك الحين أجاب عديد المعلقّين وصناّع السياسات على هذا السؤال بالإشارة إلى شعار بسيط هو "الحرية السياسية والاقتصادية". بينما بدا أن العالم ماضٍ في الابتعاد عن بنى الدولة السلطوية على مدار التسعينيات وعقد الألفية ظل الشرق الأوسط في قلب الأوتوقراطية والحكم الملكي: إنها "أقل مناطق العالم حرية" كما ورد في دراسة بارزة حول السياسة في العالم العربي. تكمن المشكلة طبقًا لهذه الأطر في الأثر الخانق للسلطوية على الأسواق الرأسمالية، الأمر الذي حال دون ظهور قطاع خاص مزدهر وعرقل إمكانات المنطقة الاقتصادية. يمكن إذًا فهم الغضب الشعبي الذي عبّرت عنه شوارع المنطقة في عام 2011 ضمن حدود هذا المنطق، بصفته رغبة في "حرية" النظم السياسية و"حرية" الاقتصاد.

سياسة ما بعد الحرب والشرق الأوسط المعاصر.
يجب أن يبدأ أي تحليل للشرق الأوسط المعاصر من مركزية المنطقة في الاقتصاد العالمي. اكتسبت هذه المنطقة الواقعة على تقاطع طرق تجاري استراتيجي منذ زمن طويل أهميةً خاصة إبّان اكتشاف مخزونات كبيرة من المحروقات الهيدروكربونية في بدايات القرن العشرين. كان من المقدر أن يصبح النفط والغاز سلعًا أساسية ينهض عليها الاقتصاد الصناعي الحديث وقطاع النقل بعد الحرب العالمية الثانية، وفي هذا السياق شكَّلَت السيطرة والنفوذ على المنطقة ميزان التنافس العالمي في مرحلة ما بعد الحرب. فشدّدت الولايات المتحدة، التي خرجت قوة مهيمنة في تلك الفترة، بقوة على بناء العلاقات الوثيقة مع دول المنطقة.
شهدت الخمسينيات والستينيات تعمّق أهمية المنطقة في الاقتصاد العالمي، وشهدت في الوقت نفسه وصول حركات قومية عربية إلى السلطة في كل من مصر واليمن والجزائر وسوريا والعراق. خلَعت الحكومات الجديدة أنظمة متحالفة مع القوى الاستعمارية السابقة وحاولت إرساء نماذج اقتصادية اعتمدت على أشكال دولتيّة للتنمية: من تشديد على السيطرة الداخلية على الصناعة ودعم التعليم والعمل لخريجي الجامعات ودعم السلع الاستهلاكية الأساسية مثل الغذاء وسيطرة الدولة على الأراضي والموارد الأخرى. لكن رغم الإشارة المتكررة إلى "الاشتراكية العربية" التي قدّمتها هذه الحكومات الجديدة ظلّت استراتيجيتها الاقتصادية رأسمالية التوجه. أدت هذه السياسات إلى تحسّن في الظروف المعيشية لأغلب سكان المنطقة لكنها اتسمت أيضًا بأشكال قمعية من الحكم استهدفت شلّ حركة أي نشاط سياسي مستقل.