التصنيع الأخضر بصفته فك الارتباط في زمن الاستعمار الأخضر (الجديد) نحو سياسة صناعية خضراء تركز على الناس

استضافت مونتفيديو في 8 و9 أكتوبر 2025 "مبادرة أوروغواي جنوب"، وهي مساحة لإعادة التفكير في السياسة الصناعية الخضراء والتمويل الدولي المخصص لها من منظور الجنوب العالمي. رعى الاجتماع كل من وزارة الصناعة والطاقة والتعدين، والمعهد العابر للقوميات، و"نظم الأمم المتحدة في الأوروغواي". في ما يلي يشاركنا حمزة حموشان بعض أفكاره حول النقاش.

Authors

Blog by

Uruguay South initiative, Montevideo
Hamza Hamouchene

ليس بالنقاش الجديد تمامًا 

ثمة مناقشات معمّقة تدور حول السياسات الصناعية الخضراء، في سياق عالمي وإقليمي تتجدد فيه الجدالات النظرية والسياسية في سياق تطوير استراتيجيات لإطار الانتقال الطاقي وخفض الكربون في النشاط الاقتصادي، وهي النقاشات التي ترى في تجديد التصنيع والتحول الصناعي، والتخطيط الحكومي، أدوات أساسية للسياسات العامة قادرة على تجاوز الاختناقات التاريخية للرأسمالية في دول ومناطق الهامش.

وسط كل هذا الصخب الدائر حول السياسات الصناعية الخضراء، الصادر من دوائر متعددة في الشمال العالمي والجنوب العالمي (ولكن ما يزال معظمه من الشمال)، بدءًا من صانعي السياسات والأكاديميين وصولًا إلى مؤسسات العمل الخيري ومنظمات المجتمع المدني، أصبح من الضروري: 

  1. وضع هذه النقاشات في سياقها لفهم ما تعنيه كل هذه "التحريضات الخطابية"، وأي أهداف ومصالح مادية تخدم.
  2. تذكير مختلف الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة بأن النقاشات والجدالات حول التصنيع ليست جديدة، ولا سيما في سياق تجارب سابقة للتحرر من الاستعمار و"فك الارتباط" في بلدان الجنوب العالمي بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولعل الجديد اليوم هو "التخضير" و"خفض الكربون" في إطار أزمة المناخ.
  3. الحذر من المخاطر والتهديدات الكامنة في إعادة إنتاج الوضع الراهن من حيث أوجه اللامساواة العالمية، واستنزاف القيمة من قبل أقلية عالمية ضئيلة، والسماح بإنشاء "مناطق تضحية" جديدة باسم الاستدامة.

توضيح المفاهيم

في ما كنت أقرأ الوصف الموجز لهذه الحلقة النقاشية التي أتحدث فيها الآن، لفت انتباهي أمرين. الأول هو استخدام مصطلح "التنافسية"، وفكرة أن على الجنوب العالمي أن يسعى إلى تحقيقها. أرى أنه لا ضرر – من حيث التعريف – في تحرّي التنافسية، لكن أعتقد أنه من الأهمية بمكان تحدي التفكير السائد حول التنافسية، حيث النزوع إلى رؤية التاريخ بصفته مضمار سباق وتنافس لا أكثر. في ظل هذه القراءة، يصبح تخلّف الجنوب العالمي وفقره محض نتائج لإخفاقاته، وكأننا نقول "لقد خسرنا في حين فاز غيرنا". لكن تعالوا نقتبس من الكاتب الأمريكي اللاتيني إدواردو غاليانو: "فاز الفائزون بفضل خسارتنا. إن تاريخ التخلّف في أمريكا اللاتينية (ومناطق أخرى) هو جزء لا يتجزأ من تاريخ تطور الرأسمالية على مستوى العالم".

الأمر الثاني الذي لفت انتباهي ودفعني إلى مزيد من التفكير هو جملة "ضمان إعمال التدخل السيادي (أي من الدولة) في سلاسل القيمة الخاصة بالمواد/المعادن الاستراتيجية". تبدو لي جملة متضاربة. كيف سيجري إعمال هذا التدخل؟ كيف يكون سياديا؟ من سيُحدث هذا التدخل؟ ولأي غرض ولصالح من سيجري إنتاج هذه المواد الهامة؟ هنا أيضًا تبدو كلمات غاليانو في كتابه " الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية: خمسة قرون من نهب قارة" عالية الدلالة.

إطار عمل ما زال راهنًا 

إذن كيف نضمن ألا يكون ما منحته لنا الطبيعة مآله أن تستحوذ عليه الإمبريالية؟ وكيف نضمن ألا تتعرض أي رغبة أو أمنية لتعزيز شكل من أشكال الاقتصاد الوطني إلى التحييد والتصفية من قِبل أدوات الاستعمار الجديد؟

لقد قال الزعيم الثوري البوركيني توماس سانكارا ذات مرة: "من يطعمك يسيطر عليك". وأضيف إلى عبارته: "إن من يصنع آلاتك وينتج ما تستعمله يوميًا يمكنه أن يستعبدك". ومن هذا المنطلق، أرى أنّ من المهم العودة إلى إرث الإطار النظري لنظرية التبعية ونظرية النظام العالمي، والانخراط في فكر قامات من المفكرين المناضلين مثل سمير أمين ومفهومه حول "فك الارتباط".

فك الارتباط

في سياق الرأسمالية الاحتكارية المعولمة التي صيغت ضد مصلحة الجنوب العالمي، فإن الفكرة القائلة بإمكانية "اللحاق بالركب" هي محض سراب ووهم. بدلًا من اللحاق، يدعو سمير أمين إلى "فك الارتباط"، أي بناء اقتصادات وطنية تستجيب لاحتياجات التنمية الداخلية، لا لمطالب الشركات والأسواق الدولية. وفي هذا الصدد، ينطوي "فك الارتباط" على إلغاء الأشكال المهيمنة من الملكية الخاصة، وجعل الزراعة محورًا للاقتصاد (السيادة الغذائية)، والتصنيع، وإتقان التكنولوجيا، ورفض الاستيلاء على الأراضي والموارد باسم "التنمية" الموجّهة نحو التصدير. وليس ذلك عزلة اقتصادية، بل هو بالأحرى قطيعة مع منطق الهيمنة الإمبريالية.

يجب أن تحظى هذه الأسئلة باهتمام أكبر، ولا سيما في ظل تنامي التوترات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية التي تتسم بالتحوّل العالمي نحو السياسات الصناعية الحمائية، بما في ذلك في الشمال العالمي. وقد وصف بعضهم ذلك بأنه الحرب الباردة الخضراء الجديدة بين الغرب والصين، وهو ما ينطوي على فرص، ولكنه في الوقت ذاته يهدّد البلدان والشعوب في الجنوب العالمي بمخاطر وتحديات. وقد يتيح ترسيخ عالم متعدد الأقطاب بعض الفرص أمام دول الجنوب العالمي للشروع في محاولات لفك الارتباط، غير أن ذلك يستلزم اندماجًا سياسيًا واقتصاديًا إقليميًا، وعلاقات جنوب-جنوب غير خاضعة للهيمنة الإمبريالية.

بعد مرور سبعين سنة على لحظة مؤتمر باندونغ، أصبح التحدي الذي نحن بصدده هو إعادة الارتباط بمثل هذا المشروع التحرري والبحث في كيفية تفعيل "فك الارتباط" الأخضر، كسياسة صالحة ومفيدة للمستبعدين والمحرومين، وهي سياسة يمكن تفعيلها عبر سلطة الدولة في عالم آخذ في الاحترار يومًا بعد يوم. علينا أن نُظهر كيف يمكن لمثل هذه الرؤية أن ترقى لمستوى تحدي بلورة وتقديم مقترحات ملموسة وحقيقية تصبح بمثابة بدائل عادلة تتحدى الممارسات الاستخراجية والديناميات الاستعمارية الجديدة. مثل هذا النهج وحده هو القادر على أن يمكّن شعوب ودول الجنوب العالمي من كسر دائرة التبعية، وتحدي الإخضاع والإدماج في الاقتصاد العالمي، والصعود درجات عبر سلاسل القيمة استعانة بسياسات صناعية خضراء عادلة وديمقراطية تركّز على البشر.