نحو انتقال عادل في القطاع الزراعي بشمال أفريقيا صقر النور . نحو انتقال عادل في القطاع الزراعي بشمال أفريقيا صقر النور.
تهدف هذه الورقة إلى فهم وتحليل محدّدات وصعوبات الانتقال العادل للقطاع الزراعي في مصر وتونس والمغرب والجزائر، ومن ثمّة امكانات بناء هذا الانتقال العادل للزراعة ارتكازا علي المقومات المحلية والتبادل والتعاون بين صغار الفلاحين ومنظماتهم والفاعلين الاجتماعيين بتلك الدول. تبدأ الورقة بتحليل واقع السياسات الزراعية الوطنية في بلدان الدراسة وتحوّلاتها، مع التركيز على علاقات القوى على المستويَيْن المحلي والدولي وموقع هذه الدول في الاقتصاد السياسي العالمي للغذاء. بعدها نتناول مسائل التبادل البيئي غير المتكافئ والديْن البيئي والمناخي المُستَحَقّ لدول المنطقة قبل أن تُعَرِّج الدراسة الى طبيعة الممارسات والمؤسسات والشبكات الداعمة للانتقال العادل للزراعة. وتخلص الورقة ان الانتقال العادل للزراعة بشمال أفريقيا يتطلب ان يكون مبنيا على الاستقلال الذاتي وانهاء التبعية وانهاء تهميش صغار الفلاحين وتخفيف حدة التغيرات المناخية والتكيف مع اثاراها عبر اعادة بناء النظم البيئية الزراعية المحلية ووقف التدهور البيئي.

المقدمة
مع كل تقرير جديد من تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يزيد التشاؤم حول مستقبلنا المناخي الذي يبدو أنّه يسير من سيّء الي أسوأ. تشهد منطقة دول شمال أفريقيا حالة من الهشاشة في مواجهة التغيرات المناخية والأزمات البيئية والتي تمثّل واقع يوميًا لملايين البشر بالمناطق القاحلة وشبه القاحلة والصحراوية. خلال العقود القليلة الماضية واصلت معدّلات الجفاف ودرجات الحرارة في الارتفاع إلى أعلى مستوياتها، ممّا يؤدّي إلى تسارع التصحر. كما تعاني المنطقة أيضًا من ندرة شديدة في المياه وتدهور جودة الأراضي وحجم الثروة الحيوانية. هذا التسارع للأزمة البيئية له آثار مباشرة وغير مباشرة على الزراعة والرعي وصيد الأسماك، ويزيد من انعدام السيادة الغذائية في المنطقة . من الجدير بالذكر أنّ سكان الريف وصغار المزارعين وعمال وعاملات المزارع هم من الفئات الأكثر فقرا والأكثر تضررًا من الأزمات الزراعية-البيئية. علاوة على ذلك، فإنّ سكان الريف يمثّلون حوالي 52٪ من إجمالي سكان شمال أفريقيا.
من ناحية أخرى، تنفث منطقة شمال أفريقيا قدرًا ضئيلًا جدا من غازات الاحتباس الحراري. اذ ساهمت القارة الافريقية مجتمعة عام 2017 بحوالي 4% من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون عالميا وبلغ معدل الانبعاثات لكل افريقي حوالي 0.9 طن سنويا وهو الأقل عالميا.. في دول شمال أفريقيا تساهم مصر بحوالي 0.6% والجزائر 0.5% وتونس 0.1 % والمغرب 0.15% من الانبعاثات العالمية. وتظهر دراسة حديثة أنّ المسئولية التراكمية للشمال العالمي عن اطلاق غازات الاحتباس الحراي تمثل 90% في حين يتحمل الجنوب العالمي المسؤولية عن 10% فقط ومع ذلك تتحمل تلك الدول أعباء كبيرة لهذه الظواهر وهي في امس الحاجة الى انتقال عادل لتخفيف حدة التحولات البيئية والتكيف مع نتائجها.
ولا تتأثر الزراعة سلبا بسبب التغيرات المناخية وتدهور الموارد الطبيعية فقط ولكنها تمثل بدورها مصدرًا للانبعاثات. اذ تسبّبت الزراعة واستخدامات الأراضي وادارة الغابات في اجمالي نحو 23% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بين 2007 و 2016 وذلك نتيجة هيمنة نظم غذاء عالمية رأسمالية في القطاع الزراعي. هذه النظم الغذائية عالية الانبعاثات ومنخفضة القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية تهيمن أيضا على دول شمال أفريقيا كما سنوضح لاحقا. ومن هنا تنبع أهمية مناقشة امكانات ومعوقات الإنتقال العادل للقطاع الزراعي في المنطقة.