الهيدروجين الأخضر في تونس آلية جديدة للنهب والاستغلال

استراتيجية تونس للهيدروجين الأخضر، التي تم تطويرها بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، تخطط لتصدير أكثر من 6 ملايين طن إلى أوروبا بحلول عام 2050. ورغم  الإشادة بها، إلا أنها تتغافل عن التكاليف الكبيرة التي ستتحملها القطاعات الحيوية في تونس، مما يعطي الأولوية لاحتياجات الاتحاد الأوروبي على حساب المصالح المحلية.

Authors

Longread by

  • Elyes Ben Ammar
  • Saber Ammar
Illustration by Othman Selmi | www.behance.net/othmanselmi

Illustration by Othman Selmi | www.behance.net/othmanselmi

أصدرت  وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني خلال الأشهر الفارطة وثائق متعلقة بالإستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في تونس1 . و قد تضمنت هذه الوثائق خارطة طريق تهدف  إلى تصدير ما يفوق 6 مليون طن من الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا في غضون سنة 2050. هذه المعطيات، المتوافقة مع ما جاء في تصريحات مسؤولي الانتقال الطاقي في تونس،  أثارت انتباه مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة خصوصا بصدور مقالات الامتنان والإعجاب من قبل البعض واعتبار أن ذلك سيمكن من دفع عجلة التنمية بالبلاد. فهذه الاستراتيجية القائمة على توفير حاجيات الاتحاد الأوروبي والخضوع له ستكون لها كلفة كبيرة على عديد القطاعات في تونس وهو ما تخفيه حملات التهليل والتطبيل .لذلك كان لابد لمجموعة العمل إعداد هذه الورقة للكشف عما هو مخفي من وراء هذا المشروع الكبير. 

الهيدروجين الأخضر … مالهدف منه ومن المستفيد الحقيقي ؟

يسعى الإتحاد الأوروبي إلى الاستثمار بقوة في الطاقات المتجددة و الهيدروجين الأخضر أساسا للتخلص من تبعيته للغاز الروسي و الاستفادة من سوق جديدة تمكنه من الريادة في المجال . كما يسعى من خلال ذلك أيضا إلى التخفيض من انبعاثاته الكربونية بنسبة 55% بحلول سنة 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2050. وقد تم تضمين كل ذلك في الاستراتيجية الأوروبية للهيدروجين2 التي تم تبنيها في جوان 2020  والاستراتيجية الوطنية للهيدروجين التي نشرتها الحكومة الألمانية3 بالإضافة إلى مشروع  REPowerEU Plan4 الذي حدد هدفًا يتمثل في إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين محليا وتوريد 10 ملايين طن أخرى بحلول عام  2030.

Colours of Green hydrogen

الشكل 1: ألوان الهيدروجين - مرصد الشركات الأوروبية والمعهد العابر للقوميات TNI (2022) تقييم خطط الاتحاد الأوروبي لاستيراد الهيدروجين من شمال إفريقيا

إفريقيا القريبة جغرافيا و التي تحتوي على مخزون كبير لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة يمكن استغلاله لإنتاج الهيدروجين الأخضر. و يظهر جليا أن كل هذه الجلبة حول الموضوع  ليست سوى توسع استعماري جديد من دول الاتحاد الأوروبي لدول الجوار جنوب المتوسط مثلما حدث سابقا في القرن التاسع عشر و الهدف دائما استغلال الثروات الطبيعية والحفاظ على علاقات الهيمنة لصالحها.

في هذا الصدد يمكن اعتبار ما صدر عن وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني تتمة للمشروع الأوروبي وخضوعا له. فالحكومة التونسية تطمح إلى إنتاج ما يفوق 8 مليون طن من الهيدروجين الأخضر في غضون سنة 2050 ويتم تصدير الجزء الأكبر منها (أكثر من 6 مليون طن أي ما يعادل أكثر من ثلاث أرباع الإنتاج الجملي) نحو الضفة الشمالية للمتوسط5 .و يتم التسويق لهذه الفكرة باعتبارها  فرصة كبيرة لتونس لتضمن موقعا متميزا في سوق الهيدروجين الواعدة .

 

جدول 1 :توزيع كميات الهيدروجين الأخضر المنتجة بين السوق المحلية و الكميات الموجهة للتصدير6(ألف طن)
20502045204020352030 
1900107747913922

السوق المحلية

6374322016331004300

التصدير

8274429721121143322

المجموع

 

ولتحقيق هذا الهدف في الاستجابة لمتطلبات السوق الأوروبية، سيتم استثمار ما يقارب 117.2 مليار يورو7 من أجل التحضير للبنية التحتية اللازمة والتي تشمل :

- تركيز محطات الطاقات المتجددة

- تركيز محطات تحلية المياه و استخراج الهيدروجين منه

- الأنابيب المرتبطة بشبكات المياه و الهيدروجين

- تجهيز الموانئ التونسية بما يلزم لإتمام عملية التصدير

هذه الاستثمارات التي ستمول تقريبا عبر ديون من طرف المؤسسات المالية العالمية8  كالبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية و غيرهما دون أن ننسى البنك العالمي الشريك الأساسي لتونس في تنفيذ هذا النوع من المشاريع التي تعتبر تطبيقا عمليا لتوصياته وللسردية النيوليبرالية بصورة عامة.

تونس ستصبح  - على غرار عديد الدول الأخرى المنخرطة في مشاريع تصدير الهيدروجين الاخضر- حديقة خلفية و خزانا طاقيا لدول الشمال في تكريس واضح للتبعية و استعادة لآليات الاستعمار في استغلال ثروات البلاد لصالحه. بالإضافة لكل هذا، فإن أوروبا ستستفيد بصورة أخرى من هذا النوع من المشاريع لأنه علاوة على ما سيدره تمويلها من تحريك للرساميل، فإن التجهيزات اللازمة لتنفيذها (كالتكنولوجيا مثلا) سيتم تصنيعها من طرفها أي أنه سيتم فتح أسواق جديدة للصناعات الأوروبية والتحكم في سلاسل إنتاج مستحدثة.    

فإنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد (بالنسبة لبلد مثل تونس) على تكنولوجيا مستوردة أساسا (المحللات الكهربائية و الألواح الشمسية) واستثمارات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة.  والاتحاد الأوروبي له الريادة في صناعة المحللات الكهربائية9 بل إن اختيار التوجه نحو الهيدروجين الأخضر كان معتمدا بشكل كبير على قدرة الشركات الاوروبية على هذه الصناعة  التي تعتبر الأساس في عملية الإنتاج حيث عبّر الإعلان المشترك للقمة الأوروبية للتحليل الكهربائي10 عن زيادة القدرة على تصنيع المحللات الكهربائية لتلبية حاجيات السوق العالمية. ومن الجدير بالذكر أن أوروبا تحتكر 30 % من مشاريع الهيدروجين الأخضر المبرمجة في العالم11. هنا تكمن القيمة المضافة المرتفعة بالمقارنة مع عملية تصدير مادة خام دون تحويلها علاوة على توفير مواطن الشغل الصناعية في أوروبا. أما البلاد التونسية فهي مطالبة بتوفير الموارد الطبيعية كالأرض والمياه بأرخص الأثمان و تحمُّل التبعات البيئية والاجتماعية لهذه العملية في تكريس واضح للتقسيم العالمي للعمل حيث دول الشمال تصدر التكنولوجيا ودول الجنوب تمدها بالمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة.

Hydrogen Tunisia | www.behance.net/othmanselmi

Illustration by Othman Selmi | www.behance.net/othmanselmi

الكلفة الفعلية ووهم التنمية

يتم التسويق من طرف السلطة لفكرة أن إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس يمثل فرصة لتوفير عائدات مالية كبيرة  بالإضافة لوضع موطئ قدم في السوق الأوروبية.  ويتم التغافل عن أن المشاريع المرتبطة به ستساهم في تعميق اختلال موازين القوى مع دول الشمال الأوروبية. فتونس تعاني مثل معظم دول الجنوب من أوجه قصور هيكلية لعل أهمها12:

-  التبعية الطاقية باعتبار عدم القدرة على تحويل المواد الطاقية الخام والافتقار للتكنولوجيا اللازمة لهذه العملية.  ففي تونس تتم معالجة النفط الخام عبر مصفاة النفط الوحيدة الموجودة في الشمال ( جرزونة من ولاية بنزرت) والتي تبلغ طاقتها التكريرية 34 ألف برميل يوميا في حين يبلغ  إنتاج النفط الخام 50 ألف برميل . إذن ليست القدرة التكريرية المتاحة لهذه المصفاة كافية لمعالجة حجم النفط الخام المنتج في تونس ولا لتلبية الطلب الوطني. بالتالي تضطر تونس لتصدير المواد الخام وتحمل فارق الكلفة بين النفط الخام ومشتقاته مما يجعل الميزان التجاري عاجزا. أما على مستوى الطاقة الكهربائية، فباعتبار الاعتماد المطلق حاليا على الغاز الطبيعي للإنتاج، يتم استيراد أكثر من نصف الطلب الداخلي عليه من الجزائر13 حتى يتسنى ضمان التزويد الكهربائي اليومي المستمر.

- التبعية الغذائية فقد بلغت نسبة إيرادات  تونس في العام 2020 من القمح اللين14 (الذي يعتبر من أهم مكونات الحمية الغذائية للتونسيين) 94% .ومع ذلك فإن البلاد تصدر الفراولة والطماطم والتمور وزيت الزيتون بالإضافة لعدد من الزراعات الأخرى التي تستجيب لطلبات المستهلك الأوروبي والغربي عموما والتي لها كلفة مائية و بيئية كبيرة. دون أن نغفل عن ذكر استباحة الأراضي الفلاحية لصالح مشاريع الطاقات المتجددة دون المرور بتغيير الصبغة و موافقة وزارة الفلاحة  مثلما ضمن بالمرسوم عدد 68 لسنة152022 والذي يزيد في تعقيد الوضعية الزراعية بالبلاد.

- الاختصاص في الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة  مثل صناعات التركيب و كذلك صناعة النسيج بصفة المناولة للشركات متعددة الجنسيات التي تغريها اليد العاملة الرخيصة بالإضافة للتمتع بالمواد الأولية بأثمان زهيدة كالماء والكهرباء مقارنة مع ما تجده في بلدانها الأصلية. كما لا يجب إغفال عملية إعادة توطين الصناعات الملوثة وذات التبعات الإيكولوجية الباهظة بدول الجنوب  وهو ما تندرج في سياقه مشاريع تصدير الهيدروجين الأخضر وخاصة مسألة الماء.

فمن أجل بلوغ الهدف الذي وضعته الاستراتيجية الوطنية التونسية (6 مليون طن للتصدير)، لا بد من تركيز ما يفوق 90 جيغاوات من الطاقات المتجددة16 (طاقة الرياح و الطاقة الفولتوضوئية) أي ما يعادل 15 ضعف قدرة الطاقة الكهربائية - بجميع أنواعها - المركزة حاليا بالبلاد. من أجل ذلك سيتم استغلال مالا يقل عن 500 ألف هكتار من الأراضي بالجنوب التونسي17 (تقريبًا 3% من إجمالي المساحة الكلية لتونس) لصالح هذه المشاريع وفي معظم الأحوال - ستوفر إما عبر الاستيلاء عليها عنوة كالأراضي الاشتراكية (كما حصل في سقدود من ولاية قفصة18) أو عبر الأراضي المملوكة من طرف الدولة التي ستقدم على طبق من فضة للمستثمرين.  هذه الكمية من الطاقات المتجددة المركزة ستساهم  في استخراج غاز الهيدروجين  H2 من مياه البحر بعد تحليتها. هذا يعني بناء محطة / محطات لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تساوي على الأقل 160 مليون متر مكعب سنويا أي ما يعادل استهلاك 400 ألف مواطن تونسي  (باعتماد معدل 400 متر مكعب سنويا لكل فرد)  في بلد يواجه كابوس الجفاف و صعوبة مستمرة من سنة إلى أخرى في توفير مياه الشرب لمواطنيه دون التغافل عن صيحات الفزع التي تطلقها فعاليات المجتمع المدني الناشطة في المجال حول الوضعية المائية  وما تتطلبه من تدابير عاجلة لعل أهمها الكف عن استنزاف هذه الثروة لصالح مشاريع مراكمة الأرباح دون عوائد فعلية للبلاد و العباد19.

Green hydrogen map

الشكل 2: توزيع الأراضي المنتجة للطاقات المتجددة المخصصة لعملية إنتاج الهيدروجين الأخضر -وزارة الصناعة والطاقة والمناجم وGIZ (2023)- مرجع سابق.

إضافة الى ما سبق، فإن تقييما للفرص الاقتصادية ومختلف التحديات التي تواجه الاستثمار في الهيدروجين الأخضر قد ضُمِّن بدراسة20 نشرتها وكالة التعاون الفني الالماني GIZ  تؤكد  عدم جاهزية النسيج الصناعي التونسي للاستفادة من هذه التقنية  في قطاعات كالنقل وصناعة الحديد والاقتصار على امكانية إنتاج بعض المشتقات التي يتم توريدها حاليا. بالتالي وجب التوجه فقط نحو الإنتاج بهدف التصدير (على المدى القصير و المتوسط )كمادة أولية لدول الاتحاد الأوروبي حتى تستطيع هذه الأخيرة الإيفاء بالتزاماتها في التخفيف من الانبعاثات الكربونية  الناتجة عن صناعاتها.

جدول 3 :  امكانيات استعمال مشتقات الهيدروجين الأخضر في تونس

جدول 2 : امكانيات استعمال مشتقات الهيدروجين الأخضر في تونس- دراسة وكالة الألمانية للتعاون الدولي (2021) GIZ “دراسة حول فرص “Power-to-X” في تونس”.

" الوطن… هو ألا يحدث ذلك كله *" :البدائل

* غسان كنفاني, (1969) "عائد إلى حيفا".

عند تفحص الوثائق المتعلقة بالهيدروجين الأخضر المعدة من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز21 قبل احتداد الصراع الروسي الأوكراني، نلاحظ أن المسوغات التي تم اعتمادها حينها من أجل الدفع نحو هذه التقنية وطنيا هي المرونة و المساهمة في التصرف الأمثل لمواجهة تقطعات الطاقات المتجددة المتسببة في عدم القدرة على التحكم في نسق إنتاجها (وهو العنوان الذي أعطي لهذه الوثيقة).

من أجل ذلك، تم عرض شكل الأحمال الكهربائية بتونس – ضمن هذه الوثيقة – خلال مختلف الفصول كحجة تبين أهمية اعتماد الهيدروجين الأخضر خزانا للطاقة في ظل عدم إمكانية استغلال كل الكهرباء  المنتجة من الطاقات المتجددة خلال فصول تراجع الاستهلاك المحلي للكهرباء .

إذن، الهدف الأساسي لإنتاج الهيدروجين الأخضر كان في البداية تجاوز الإشكاليات التي يطرحها المخطط الشمسي التونسي22. وقد تضمنت الوثيقة المذكورة أعلاه أيضا الخطوات اللازمة (بدون تفصيل) من أجل بلوغ الأهداف المرجوة مثل إعداد مخطط وطني استراتيجي للهيدروجين الأخضر وخارطة طريق لتحديد مجالات التطبيق الممكنة و الأنسب للبلاد.

لكن ومع أزمة التزود بالطاقة التي تعيشها دول أوروبا ( ألمانيا بالخصوص) على مدار السنتين الفارطتين ( جراء الحرب في أوكرانيا)، تم العدول عما ذكر آنفا و قامت الوكالة الألمانية للتعاون الفني بدورها من أجل تحويل أهداف المشروع  عبر إشرافها على إعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في تونس الهادفة لتصدير جل الإنتاج وكل الدراسات الصادرة عن سلطة الإشراف في هذا المجال.

لسائل أن يسأل عن البدائل الممكنة لتجاوز ما تضمنته هذه الاستراتيجية الوطنية و كيف يمكن أن تستفيد البلاد حقا من هذه النوعية من المشاريع بعيدا عن المطامع الاستعمارية للدول الغربية خاصة. لكن و قبل طرح هذه البدائل، لا بد – من وجهة نظرنا – تجاوز الإشكاليات التي ساهمت في هذه التوجهات وغذتها وسمحت للوكالات الأجنبية بالتدخل ولعل على رأسها المخطط الشمسي التونسي بصيغته الحالية.

هذا المخطط الذي تعتبره السلطة الحل الأمثل لتجاوز عجز البلاد الطاقي، أصبح يمثل إشكالا نظرا لكونه لا يعبر عن استجابة حقيقية لمتطلبات الواقع التونسي وإنما صدى للتوصيات والإملاءات الغربية (الأوروبية خصوصا). وقد أصبح تعديل هذا المخطط على مستوى المضامين ضرورة قصوى:

بداية، لا بد من  مراجعة توزيع نوعية الطاقات المتجددة المزمع تركيزها: فالكميات المبرمجة لطاقة الرياح ضمن هذا المخطط لا تستجيب لخصائص الاستهلاك الوطني للكهرباء مما سيحافظ على تبعيتنا تجاه الغاز الطبيعي المستورد خصوصا خلال فترة الذروة الصيفية أي الفترة التي تمثل إشكالا كبيرا للتزود بالكهرباء. ولتعويض ذلك لا بد من الاعتماد على الطاقات الشمسية سواء كانت طاقة حرارية أو فولتوضوئية. هذه الأخيرة التي تسمح – رغم تأثرها بدرجات الحرارة المرتفعة صيفا- بتوفير كميات مستقرة نسبيا من الطاقة الكهربائية على مدار السنة نظرا لما تتمتع به البلاد من معدلات إشعاع شمسي وهو ما سيساهم في التخفيض الكمي لاستهلاك الغاز الطبيعي وتضمن وثوقية أكبر في إمدادات الكهرباء المنتجة مقارنة بطاقة الرياح.

بالإضافة لذلك، لا بد من التسريع في تجهيز البلاد بمحطات تحويل الطاقة عبر ضخ المياه (مثال : مشروع وادي المالح بالشمال الغربي التونسي). هذه المحطات ستمثل خزانا للطاقة خصوصا خلال فترة الذروة الصيفية بقدرة يمكن أن تتجاوز 1000 ميغاوات حسب دراسة  أعدتها وزارة الفلاحة تتمحور حول الاستراتيجية المائية للبلاد23 في غضون 2050 وهي مهمة جدا لمجابهة الطلب دون اللجوء للغاز الطبيعي لأنها ستساهم في تخزين الكهرباء المنتجة عند هبوط الطلب الكهربائي.

ولا يفوتنا التذكير بنبذ أوهام التصدير والتركيز حاليا في المستقبل القريب والبعيد على الاستجابة لحاجيات البلاد أساسا عبر تعبئة كافة الموارد المتاحة وتحفيز الاستثمارات العمومية في المجال ودعمها كذلك بالمبادرات المواطنية القائمة  على الاستغلال الجماعي لمشاريع الطاقات المتجددة لمجابهة الاستهلاك الذاتي و المحلي.

هذه بعض ملامح ما يمكن أن يكون بديلا و قد تناولته مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة بتفاصيل أكثر من خلال وثائقها السابقة24 كما أنها ستضمنه مستقبلا بالتركيز على الآليات العملية لمجابهة العجز الطاقي والدفع بعملية التنمية خصوصا في الجهات التي عانت التهميش لعقود .

أما بخصوص الهيدروجين الأخضر، فالأوْلى هو إعادة النظر في مجمل الاستراتيجية الوطنية و ذلك عبر إخضاعها لمعيار المصلحة الوطنية والاستجابة لمتطلباتها بغض النظر عما تخطط له الوكالات الأجنبية المنتصبة بالبلاد والتي لا تخدم سوى مصالح بلدانها. وإذا كان الاستثمار في الهيدروجين الأخضر ضرورة تفرضها المصلحة والوقائع وما يشهده العالم من تحولات، فلا بد من اعتماد مقاربة وطنية شاملة لكافة القطاعات (لا تقتصر فقط على رؤية وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم) تساهم  حقيقة في دفع التنمية.

فيمكن، مثلا، استغلال الهيدروجين الأخضر من أجل تصنيع الأمونياك الذي نستورده بالكامل25 من الخارج لتلبية احتياجاتنا منه المتعلقة أساسا بإنتاج الأسمدة الضرورية للزراعات. و يكون هذا المشروع في إطار شراكة قطاع عام – قطاع عام بين المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. هذه الشراكة على مستوى التمويل والاستغلال وبمرافقة من وزارة البيئة ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية وتحت إشراف الدولة التونسية ستساهم في خلق ديناميكية جديدة على مستوى المشاريع العمومية. فالشركة التونسية للكهرباء والغاز ستقوم بإنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة وتوفيرها للمجمع الكيميائي التونسي الذي سيستفيد من المياه بعد تحليتها من طرف محطات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وينتج الأمونياك لحاجياته ويمكن حينها تصدير الفوائض إن وجدت.

أما بالنسبة للأراضي التي سيتم استغلالها للطاقات المتجددة، فيمكن القيام بشراكة مع الأهالي سواء عبر المساهمة في الإنتاج بصيغ جديدة ( تعاونيات – شركات اهلية ..) أو عبر تمكينهم من استغلال أجزاء منها فلاحيا والاستفادة من المياه المحلاة لاستصلاحها وتركيز زراعات متناسبة مع طبيعة المناطق التي ستقام عليها هذه المشاريع.

سيساهم هذا المشروع وعبر عدم الاقتصار على استغلال محطات التحلية لأغراض صناعية وإدماج توفير مياه الشرب ضمنه  – خصوصا بالجنوب التونسي  - في عوائد لا اقتصادية فقط وإنما تنموية وانعكاسات ذات بعد وطني سيادي من خلال الاستثمار في  الثروات الطبيعية لصالح المجموعة الوطنية .

هذا نموذج لما يمكن أن يكون من تصورات ومقاربات حول البدائل لمشاريع الهيمنة المفروضة من دوائر رأس المال العالمية في استعادة للماضي الاستعماري بصيغ جديدة وحتى لا يكون وادي الهيدروجين26 المزعوم " واد غير ذي زرع ".

Flowchart Arabic

مخطط مشروع وطني لإنتاج الأمونياك " الأخضر " عبر الشراكات قطاع عام – قطاع عام و الأهالي