صندوق النقد الدولي وإنهاء دعم الطاقة في مصر حكاية حرب طبقية وغسيل أخضر للسمعة

تُعد قروض صندوق النقد الدولي عائقًا أمام الانتقال العادل في شمال أفريقيا. ففي مصر، أدى إلغاء الدعم على الطاقة واستراتيجية الغسيل الأخضر، بالإضافة إلى السياسات المالية التي لم تنجح في تقليل التضخم، إلى شن حرب طبقية ضد الفقراء. تُنظَّم هذه الورقة التحليلية ثلاثة أقسام. فيتناول القسم الأول كيف تم تطبيق تدابير ضبط المالية العامة في مصر بطريقة رفعت من التضخم بأسلوب تنازلي حاد دون تحقيق وفورات ذات شأن في الموازنة. ويتناول القسم التالي سبب عدم تحقيق وفورات في الميزانية على الرغم من التخفيضات الكبيرة في الإنفاق الاجتماعي. ويركز هذا القسم على كيف أدت استراتيجيات السيطرة على التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة استجابة لتدابير مثل إنهاء دعم الطاقة، إلى إجهاد الميزانية، مما أدى إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2٪ في مدفوعات الفائدة. ويطرح القسم الأخير بدائل واقعية يمكن أن تزيد من استقرار الاقتصاد الكلي بدون أن تتحمل الأسر منخفضة الدخل عبء الإصلاح، وفي نفس الوقت تقلب وضعية بعضٍ من الدمار الذي تسببت فيه السياسات التي وضعها الصندوق.

Authors

Longread by

Osama Diab
Illustration

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby

مقدمة

كان صندوق النقد الدولي محوريًا في تشكيل السياسة الاقتصادية في مصر في السنوات الأخيرة، فمصر هي حاليًا ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي، ولا يسبقها سوى الأرجنتين. فمنذ 2016، وقَّعَت مصر أربع اتفاقيات مع الصندوق، في حين لم تكن هناك أي اتفاقيات بين مصر والصندوق في العقدين السابقين.

رغم الادعاءات بأن الصندوق ابتعد عن توجهه التقليدي النيوليبرالي السابق في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 (التي يمكن التفكير فيها أيضًا باعتبارها أزمة للنيوليبرالية)، تشير أدلة كثيرة إلى أن هذا التغير لم يتجسد في الواقع سوى على المستوى الخطابي. فالصندوق ما زال متمسكًا بموقف انكماشي يتعلق بالسياسات المعادية للرفاه الاجتماعية والسياسات النقدية وسياسات المالية العامة (Diab and Hindy 2021, Mossallem 2016, Kentikelenis 2016, Hanieh 2015)، وقد كان هذا الموقف هو السمة المميزة لبرامجه منذ انتشار برامج التكيف الهيكلي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، كاستجابة لأزمات الديون في دول الجنوب في الثمانينيات.1

لقد قامت برامج صندوق النقد الدولي في دول الجنوب منذ ذلك العقد على ركيزتين أساسيتين، إحداهما متعلقة بالمالية العامة، والثانية نقدية. تهدف الركيزة الأولى إلى ضبط عجز الموازنة من خلال ما يسميه الصندوق، تهذبًا، بـ"ضبط أوضاع المالية العامة"، ويسميه منتقدو هذه السياسات "التقشف". هذه الوفورات في الموازنات الوطنية تتحقق عادةً في جانب المصروفات من خلال تخفيضات كبيرة في الإنفاق الاجتماعي وأجور العاملين في القطاع الحكومي. وعلى جانب الإيرادات، يتم تحقيق هذه الوفورات عن طريق زيادة نصيب ضرائب الاستهلاك التنازلية (وأبرزها ضريبة القيمة المضافة) من إجمالي الإيرادات الضريبية. وتهدف الركيزة الثانية لبرامج صندوق النقد الدولي (الركيزة النقدية) إلى التحكم في التضخم. ويتحقق هذا عادةً عن طريق رفع أسعار الفائدة كثيرًا بهدف تخفيض الطلب وتشجيع الادخَّار، وبالتالي "تهدئة" الاقتصاد. فصندوق النقد الدولي كثيرًا ما يدفع الحكومات المقترضة لتقييد التوسع في عرض النقود (أي المتاح من النقود السائلة وشبه السائلة المتداولة في الاقتصاد) بهدف كبح التضخم.

قد يُقال – ولو جدلاً – إن التدابير المتخذة في إطار هاتين الركيزتين كان لها منطقها في ثمانينيات القرن العشرين في أعقاب الأزمة الاقتصادية في السبعينيات، والتي نتجت عن ارتفاع أسعار الطاقة بعد حظر الدول العربية لتصدير النفط. ففي أزمة ديون دول الجنوب التي تلتها، عانت معظم دول الجنوب المستوردة للنفط من ارتفاع عجز الموازنة والتضخم. وقد جاءت هذه التدابير أيضًا بعد توسع ملحوظ في برامج الرفاه والإنفاق على البنية التحتية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

كما ذُكر سابقًا، تطرح الكثير من الدراسات أن صندوق النقد الدولي ما زال يتَّبع عقيدة التقشف النيوليبرالية (التي تتضح في الركيزتين المذكورتين سابقًا والمتمثلتين في ضبط أوضاع المالية العامة والتحكم في التضخم) برغم وجود تغير في الخطاب بعد الأزمة المالية في عام 2008. وعلى العكس مما حدث في ثمانينيات القرن العشرين، تم هذا رغم أنه لم يكن ضروريًا، وجاء بعد أربعة عقود من الهجوم الكثيف على دولة الرفاه. ورغم سلامة هذا النقد في سياقات كثيرة، يأخذ هذا المقال خطوة أبعد. حيث يطرح أن هاتين الركيزتين انهارتا فيما يتعلق ببرامج الصندوق الأخيرة في مصر، رغم أن مصر والصندوق تمسكا بهما على مستوى الخطاب. في مقابل ذلك، يطرح المقال أن سياسات صندوق النقد الدولي في مصر لا تحقق الضبط المستهدف في أوضاع المالية العامة ولا التحكم في التضخم، وإنما تنتهي إلى التسبب في تضخم مرتفع جدًا وكذلك تنازلي (بمعنى أن تجربة الحياة مع التضخم في المتوسط تزداد حدة مع انخفاض الدخل). وكما يطرح المقال، تفشل هذه السياسات أيضًا إلى حد كبير في تحقيق انضباط المالية العامة وتقليل نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى كون هذه السياسات غير فعالة في تخفيض مدفوعات خدمة الدين والفائدة، والتي تعتبر من الأهداف المعتاد إعلانها لبرامج صندوق النقد الدولي، والتدابير الهادفة لضبط أوضاع المالية العامة التي يوجه بها الصندوق. 

ويركز القسم الثاني على سبب عدم تحقق وفورات كبيرة في الموازنة رغم التخفيضات الهائلة في الإنفاق الاجتماعي، ويتناول كيف أدت سياسات التحكم في التضخم (أي الزيادات الكبيرة جدًا في أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية2(، التي تم تبنيها للاستجابة للتدابير التي تسببت في التضخم، كإنهاء دعم الطاقة، إلى فرض ضغوط ضخمة على الموازنة بشكل يؤدي إلى زيادة النفقات بأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في شكل مدفوعات الفائدة

بينما يتناول القسم الأخير بدائل واقعية يمكن أن تزيد من استقرار الاقتصاد الكلي بدون أن تتحمل الأسر منخفضة الدخل عبء الإصلاح، وفي نفس الوقت تقلب وضعية بعضٍ من الدمار الذي تسببت فيه السياسات التي وضعها الصندوق.

ضبط المالية العامة أم تحويل الأموال العامة؟

في عام 2016، اعتبر تسهيل الصندوق الممدد لمصر (الذي هو أعمق وأشمل برنامج من برامج الصندوق الأربعة المطبقة مؤخرًا في مصر) ضبط أوضاع المالية العامة من أهدافه الأساسية. فعلى سبيل المثال، يتضمن تقرير لبرنامج الصندوق لعام 2016 ما يلي:      

يعتمد ضبط أوضاع المالية العامة على تحسن تعبئة الإيرادات عن طريق عدة وسائل منها قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد، وتطوير الإدارة الضريبية، وتحسين الإنفاق من خلال تدابير الإدارة المالية العامة وتخفيض الدعم وإصلاح الخدمة المدنية. من شأن هذا أن يخفف الضغط على القطاع الخارجي، وأن يضع الدين الحكومي العام على مسار انخفاض لكي يصل إلى 85.8% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية البرنامج، وينخفض أكثر ليصل إلى 78.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020-2021. (IMF 2017)

قال صندوق النقد الدولي أيضًا في نفس التقرير إن "فاتورة الفائدة ستنخفض هي الأخرى كلما انخفض الدين العام مع ضبط أوضاع المالية العامة". واعتبر التقرير أن هذا "سيحرر الحيز المالي المتاح لمزيد من الإنفاق في المجالات التي تحددها السلطات كأولويات مثل الصحة والتعليم والبحوث والتطوير والاستثمار والحماية الاجتماعية". وكما سنرى، هذا التقييم وهذا التوقع بعيدان كل البعد عن الحقيقة.

تحققت معظم وفورات المالية العامة في ظل برنامج 2016 عن طريق إنهاء دعم الطاقة في مصر. فحتى عام 2015، كان دعم الطاقة هو شكل المساعدات الاجتماعية الذي استهلك معظم موارد الموازنة ليصل إلى حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2013، أو حوالي خُمس النفقات الحكومية (Diab 2023). وبنهاية عام 2019، انتهت أشكال هذا الدعم بالكامل تقريبًا.

تم تبرير إنهاء دعم الطاقة بكل تداعياته الاجتماعية الهائلة بسببين. السبب الأول هو أن الأغنياء استفادوا من الدعم أكثر من الفقراء لأن الأسر الأكثر ثراءً تستخدم الطاقة أكثر من الأسر الأقل دخلًا، والثاني، أن دعم الطاقة يضر بالبيئة لأن الطاقة الرخيصة توجّه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة وتشجع الاستهلاك المسرف للوقود (Diab 2023). سأقوم باختبار تلك الفرضيات في الفقرات التالية بالتفصيل، وسأقّيمهما وفقًا للأدلّة الإمبريقية المتاحة.

Central Cairo fruitstand

Francisco Anzola/Flickr/CC BY 2.0.

Central Cairo fruitstand

هل الدعم المعمَّم للطاقة يفيد الأغنياء بشكل غير متكافئ حقًا؟

إحدى أهم نقاط الخلاف بخصوص دعم الطاقة هي ما إن كان يفيد الأسر الغنية والصناعات كثيفة استخدام الطاقة أكثر من غيرهم. إجابة هذا السؤال ليست بسيطة لأنها تختلف بناءً على كيفية قياسنا لتأثير دعم الطاقة.

أولًا: إن كنا نفكر من حيث القيم المطلقة، فلا شك أن الأسر الأغنى تستخدم المزيد من الطاقة في المتوسط. ومن ثم، إن كانت الطاقة مدعومة للجميع، فالأسر الأغنى ستستخدم المزيد من الدعم الممول من الدولة. الطريقة الأخرى لقياس تأثير دعم الطاقة هي قياسه بالنسبة لإجمالي نفقات الأسرة. ويتم التعبير عن هذا عادةً كنسبة مئوية (على سبيل المثال: 7% من إجمالي مصروفات الأسرة يتم إنفاقه على الطاقة). هذه المقاربة يمكنها تقييم الأثر الاجتماعي للدعم المعَّمم للطاقة بشكل أفضل.

هنا تبدأ الأمور في التعقد قليلًا، لأن الأسر الأغنى تخصص في المتوسط نصيبًا أكبر من نفقاتها الإجمالية للطاقة، لكن الفجوة تكون أقل ضخامة بكثير من تلك المرصودة بالنسبة للاستهلاك المطلق. على سبيل المثال، تبين دراسة صدرت عن صندوق النقد الدولي عام 2015 أنه من حيث القيم المطلقة فإن "أغنى 20% من الأسر تحصل على […] نصيب من دعم الطاقة أكثر بست مرات من الـ20% الأفقر، وهذا يجعل دعم الطاقة المعمَّم أداةً غير كفؤة في السياسات الهادفة لحماية الأسر الفقيرة من ارتفاع أسعار الوقود". لكن نفس الدراسة توضح أيضًا أنه بالنسبة للاستهلاك فإن "أثر الرفاه الإجمالي المباشر وغير المباشر محايد تقريبًا فيما يتعلق بالتوزيع، حيث يكون الانخفاض النسبي في الرفاه (بسبب إنهاء الدعم) متقاربًا جدًا عبر مختلف مجموعات الدخل" (Coady et al. 2015). بعبارة أخرى: نسبةً إلى المصروفات، تنفق الأسر أنصبة متقاربة على الطاقة. لكن نظرًا لأن مصروفات المجموعات الأكبر دخلًا تكون أعلى عدة مرات مقارنةً بمصروفات المجموعات الأقل دخلًا، فإن إنفاقهم على الطاقة سيكون أعلى عدة مرات بالقيم المطلقة.

تتعقد الأمور بدرجة أكبر حين نفكر في الإنفاق على الطاقة بالنسبة للدخل (وليس إجمالي الإنفاق)، نظرًا لأن المجموعات الأعلى دخلًا تميل للادخَّار من دخولها أكثر من الأسر الأفقر، التي تميل لإنفاق معظم أو كل دخولها. ويعني هذا – كنسبة إلى الدخل – أن الإنفاق على الطاقة سيشكل نصيبًا أكبر من دخول الأسر الفقيرة.

هناك متغير نهائي آخر يجب أخذه في الاعتبار هنا، وهو الإنفاق غير المباشر على الطاقة أو الطاقة المُجسَّدة: أي الطاقة المستهلكة في إنتاج سلعة أو خدمة والتكلفة المتكبَدة كما تنعكس في سعر المنتج. أثر الطاقة المُجسَّدة على مصروفات الأسرة ليس هامشيًا ولا يمكن استبعاده عند دراسة آثار إنهاء دعم الطاقة، لأن الإنفاق على الطاقة المُجسَّدة أكبر من الإنفاق المباشر على الطاقة بحوالي ثلاث إلى أربع مرات (Song 2019). الطاقة المُجسَّدة تمثل أيضًا نصيبًا أكبر من مصروفات الأسر منخفضة الدخل بسبب ميل هذه الأسر لإنفاق معظم دخولها. ومن ثم، فإن النظر للطاقة المُجسَّدة - وليس الإنفاق المباشر على الطاقة فقط - يكشف أن دعم الطاقة له آثار أعلى من حيث الرفاه بالنسبة لتلك الأسر.

باختصار: عندما نفكر في دعم الطاقة بالنسبة للدخل، وعندما نأخذ عامل الإنفاق على الطاقة المُجسَّدة في الاعتبار، يبدو دعم الطاقة أكثر تصاعدية وعدالة مما تشير الكثير من المؤسسات النيوليبرالية مثل صندوق النقد الدولي (الذي غالبا ما روَّج الدعم النقدي الموجه باعتباره خيارًا أكثر تعزيزًا للعدالة والإنصاف). فعلى سبيل المثال، توضح دراسة منشورة حديثا لكاتب هذه السطور أن الزيادة في الإنفاق على الطاقة ساهمت بحوالي 40% من إجمالي الزيادة في تكاليف المعيشة في مصر بين ديسمبر 2015 وأغسطس 2019. وبالنسبة للأسر شديدة الفقر، شكلت الزيادة في الإنفاق على الطاقة، الناتجة عن التوقف عن دعم الطاقة، حوالي 35.7% من دخول هذه الأسر في عام 2015 وشكلت 21.5% فقط بالنسبة للمجموعة الأعلى دخلًا (انظر جدول رقم 1).

جدول رقم 1: الزيادة في إنفاق الأسر على الطاقة كنسبة مئوية من دخل الأسرة بين ديسمبر 2015 وأغسطس 2019

% للزيادة في الإنفاق على الطاقة إلى الدخل

مستوى دخل الأسر

35.71

شديدة الفقر

30.93

الفقيرة

28.94

شبه الفقيرة

26.44

متوسطة الدخل

21.493307

أعلى 10%

المصدر: (Diab 2023)

تظهر هذه التباينات في كيفية اختبار كل مجموعة دخل للتضخم بشكل مختلف عن الأخرى. على سبيل المثال، وصل التضخم العام التراكمي إلى 81% بالنسبة للأسر شديدة الفقر في الفترة من ديسمبر 2015 إلى أغسطس 2018 بينما كانت النسبة للأسر مرتفعة الدخل حوالي 78.5%. السبب الرئيسي لهذا التباين هو أن أسعار المنتجات الغذائية – التي هي سلع كثيفة الاستهلاك للطاقة – ارتفعت أسرع من التضخم العام، وأن المجموعات منخفضة الدخل تنفق جزءً أكبر من دخولها على الغذاء مقارنةً بالمجموعات مرتفعة الدخل.

جادلت في الفقرات السابقة أن الادّعاء بأن دعم الطاقة بشكل عام يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء ليس دقيقًا بشكل كافٍ. ولكن، من المهم أن نتذكر أن الصورة تختلف بشدة بحسب نوع الوقود محل النقاش. في مصر على سبيل المثال، تستخدم الأسر منخفضة الدخل في المتوسط المزيد من إسطوانات غاز البوتان، حيث لا تتاح لهم الاستفادة من وصلات الغاز بنفس القدر. وبالمثل، يُستخدَم الديزل في المقام الأول في مركبات النقل الجماعي المعروفة بالميكروباص، والتي تستخدمها غالبًا الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، بينما يُستخدَم البنزين عادةً للسيارات الخاصة، والتي تقتصر ملكيتها على الأسر الأغنى. ويعني هذا أن دعم أسطوانات غاز البوتان والديزل سيكون له أثر تراكمي يفيد بشكل أساسي الأسر منخفضة الدخل، بينما التخلص من دعم البنزين سيؤثر بشكل أساسي على أصحاب السيارات الخاصة. ربما كانت هذه التدابير خيارات أفضل من إنهاء كل أشكال دعم الطاقة تمامًا، فربما استطاعت توجيه الدعم بشكل سليم إلى المجموعات منخفضة الدخل بدلا من إنهائه تمامًا.

أما بخصوص الادّعاء الوارد في تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2016 بأن إنهاء الدعم سيخلق حيزًا ماليًا يمكن توجيهه إلى الدعم النقدي المباشر وإلى الصحة والتعليم: فبين عامي 2014 و2021 حقق إنهاء دعم الطاقة وفورات بحوالي 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي لكن معاشات الضمان الاجتماعي (بما في ذلك أنظمة التحويل النقدي التي كان يفترض أن تصبح المستفيد الرئيسي من الحيز المالي الذي تم توفيره) ارتفعت بحوالي 0.07% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فأصبحت تمثل حاليًا 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي ((Diab 2023.

يمثل هذا حوالي ثلث المتوسط العالمي وثلث متوسط الفئة منخفضة الدخل من البلدان التي تنتمي لها مصر (كل منهما عند نسبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي)، وأقل كثيرًا من المتوسط، المنخفض بالفعل، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو 0.42%  (World Bank 2022). في الوقت نفسه، زاد الحد الأقصى المتاح من التحويلات النقدية المشروطة للأسر التي لديها طفل أو أكثر تحت سن 18 سنة وفقا لبرنامج تكافل3 بنسبة 15.2% فقط في الشهر في الفترة بين عامي 2015 و2019 من 525 جنيه مصري إلى 605 جنيه مصري (حوالي 35 دولار أمريكي في 2018)، بينما ارتفع معدل التضخم التراكمي بالنسبة للسكان شديدي الفقر بـ81% أثناء الفترة ذاتها. 

بالإضافة إلى القيمة المنخفضة بشدة للتحويلات النقدية (البعد الرأسي)، فإن التغطية (البعد الأفقي) في برنامج تكافل ضعيفة جدًا هي الأخرى. وقد أوضحت دراسة صدرت عام 2018 للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) أن 55% من الخُمس (20%) الأفقر من الأسر لم يحصلوا على تحويلات برنامج تكافل في ذلك العام (Breisinger 2018). وبالمثل، أكدت مراجعة الإنفاق العام في مصر الصادرة عن البنك الدولي عام 2022 أن حوالي نصف الفقراء المستحقين لم يتم إدراجهم في البرنامج بسبب أخطاء الاستبعاد (World Bank Group 2022). وبالتالي، بالنظر لارتفاع أخطاء الاستبعاد وتآكل القيمة الحقيقية للتحويلات النقدية، يعاني الدعم الموجه وفقًا لبرنامج تكافل من عيوب رئيسية في كل من البعدين الأفقي والرأسي للبرنامج.

وبالمثل، لم يستفد قطاعا الصحة والتعليم من الحيز المالي الناتج مؤخرًا من التوقف عن دعم الطاقة. في الواقع، انخفض الإنفاق من الموازنة على الصحة من 1.62% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015-2016 إلى 1.34% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017-2018. وبالمثل، انخفض الإنفاق على التعليم قبل الثانوي أيضًا من 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017-2018 إلى 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018-2019 ( Centre for Economic and Social Rights 2019). وكان الإنفاق على الصحة والتعليم بالفعل أقل كثيرًا من المتوسط العالمي ومن متوسط الشريحة الدنيا من البلدان منخفضة الدخل (2.59% بالنسبة للإنفاق على الصحة) قبل هذه الانخفاضات الأخيرة (World Health Organization 2023).

هل دعم الطاقة فعلًا سيء للبيئة؟

الحجة الأخرى التي غالبًا ما يتم استخدامها من قبل صندوق النقد الدولي لتبرير إنهاء دعم الطاقة تبريرًا أخلاقيًا هي حجة بيئية. تطرح هذه الحجة أن دعم الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري يزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأنه يوجه الاستثمار نحو القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة ويعزز الاستهلاك المسرف للطاقة. على سبيل المثال، يزعم صندوق النقد الدولي أن "رفع أسعار الوقود إلى المستويات الكفؤة بالكامل يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتوقعة من الوقود الأحفوري على مستوى العالم بنسبة 36% أقل من مستويات خط الأساس في عام 2025 – أو 35% أقل من مستوى انبعاثات 2018".(IMF 2022)      

لكن وجهة النظر تلك تتجاهل حقيقة أن وجود استراتيجية مصممة جيدًا لدعم الطاقة يمكن أن يكون لها نتائج بيئية إيجابية إن كانت تشجع على استخدام وسائل النقل العام والقضاء على ممارسات استهلاك الطاقة الضارة (Mousa and Mousa 2018).

علاوة على ذلك، لا يوجد دليل على أن إنهاء دعم الطاقة في مصر ثبَّط الاستثمار في القطاعات كثيفة استخدام الطاقة. في الواقع، منذ بدأ برنامج صندوق النقد الدولي عام 2016 توسع قطاعا التعدين والإنشاءات (اثنان من أكثر القطاعات كثيفة الطاقة4 بشكل كبير وأصبحا القطاعين الأساسيين في دفع النمو، وجذبا معظم الاستثمار الأجنبي المباشر (Diab and Hindy 2021).

ومن ثم، فإن التبريرات الأخلاقية التي يسوقها صندوق النقد الدولي لإنهاء الدعم المعمَّم للطاقة استنادًا إلى أفكار العدالة الاجتماعية والمخاوف البيئية أقل ما يقال عنها إنها محل شك. وتضعف حجّة العدالة الاجتماعية أكثر فأكثر عندما نفكر فيما استخدمت فيه الوفورات المتحققة من إنهاء دعم الطاقة (تبلغ هذه الوفورات حوالي 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي). فوفقًا لخطاب صندوق النقد الدولي، كان يجب استخدام هذه الوفورات لتقليل عجز الموازنة ووضع الدين على مسار متراجع بحيث يتم خلق المزيد من الوفورات، بالإضافة إلى خلق حيز مالي يُتيح المجال للمزيد من برامج المساعدة الاجتماعية الموجهة للفقراء. على سبيل المثال، يتضمن تقرير برنامج 2016 ما يلي:

حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي من الوفورات المحققة في المالية العامة سيتم توجيهه إلى دعم إضافي للغذاء وتحويلات نقدية للأسر منخفضة الدخل وكبار السن وغيرها من البرامج الاجتماعية الموجهة ومنها المزيد من الوجبات المدرسية المجانية. والهدف أن تحل البرامج التي تدعم الأسر الفقيرة بشكل مباشر محل دعم الطاقة سيء التوجيه (IMF 2017).

في الفقرات التالية يتم فحص هذا الادعاء لنرى إن كان هذا هو الحال فعلًا.

تبين الأدلّة النابعة من بيانات الموازنة العامة أن الكتلة الأكبر من الحيز المالي المتحقق حديثًًا في مصر بسبب إنهاء دعم الطاقة تم استخدامها لخدمة الدين الذي صارت أسعار فوائده الآن أعلى مما مضى، ويعني هذا أن مصر تدفع للمستثمرين المزيد من المال من أجل نفس المقدار من الدين. يبيِّن الشكل رقم 1 أدناه  أن إنهاء دعم الطاقة لم تقابله زيادة في دعم الغذاء ولا التحويلات النقدية كما ذُكر سابقًا، رغم أنه وفقًا لبرنامج الصندوق لعام 2016 كان المستهدف أن تزداد هذه البنود بعد تحقيق الوفورات المالية.

وبالعكس، توسع أحد بنود الموازنة ألا وهو مدفوعات فائدة الدين. فقد ارتفع هذا البند بحوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي من أقل من 8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2013  إلى ذروته حاليًا عند حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي أو حوالي 40% من الإنفاق الحكومي ( Egyptian Ministry of Finance 2023). ولا يبدو أن تقليل أكبر بند في الموازنة (يشكل حوالي عُشر حجم الاقتصاد الوطني) من بين الأولويات الهامة في جهود ضبط أوضاع المالية العامة لصندوق النقد الدولي.

بعبارات أبسط، رغم أنه تم تقليل عجز الموازنة بنجاح وظلت نسب الدين للناتج المحلي الإجمالي مستقرة منذ برنامج 2016، لم ينعكس هذا في تقليل مدفوعات الفائدة كما توقع صندوق النقد الدولي. والسبب في هذا أنه قوبل - وبدرجة أكبر - برفع     أسعار الفائدة وفقا لنصائح الصندوق أيضًا. بعد برنامج الصندوق لعام 2016 ارتفعت أسعار الفائدة من حوالي 9% إلى حوالي 19% في أشهر قليلة. وأثناء جائحة كوفيد 19 انخفضت إلى حوالي 9% قبل أن ترتفع مرة أخرى إلى ما فوق الـ 18% بعد برنامج الصندوق لعام 2022.

خرافة التحكم في التضخم

كما نوقش في القسم السابق، فإن ضبط أوضاع المالية العامة أو بتعبير آخر: التقشف) لم يخلق الحيز المالي الأمثل في مصر بسبب حدوث زيادة حادة في مدفوعات الفائدة رغم أن معظم التخفيضات في بنود الموازنة المطبقة في البلاد كانت ضارة بشكل غير متكافئ بالأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، وأعني بالتحديد إنهاء دعم الطاقة وتقليل الأجور الحقيقية في الموازنة (التي انخفضت من  8.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2014-2015 إلى 5% في  2018-2019   (IMF 2020, IMF 2017)، وبالعكس، مدفوعات الفائدة هي البند الوحيد في الموازنة الذي شهد نموًا معتبرًا، وقد أفاد هذا بالأساس المستثمرين المحليين والدوليين الأثرياء، وبالتحديد تجار الفائدة carry traders وهم مستثمرون يكسبون من التباينات العالمية في أسعار الفائدة من خلال الاقتراض في اقتصادات دول الشمال منخفضة الفائدة وتقديم القروض لاقتصادات دول الجنوب كمصر بأسعار فائدة عالية.

خرافة أخرى في سردية صندوق النقد الدولي التقليدية يتم فحصها في هذا القسم، وهي دور الصندوق كمقاوم لارتفاع التضخم. فكما نوقش في القسم السابق، فقد كان إنهاء دعم الطاقة محفزًا بشدة للتضخم. علاوة على ذلك، كان أحد التدابير/الشروط الرئيسية في برنامج 2016 زيادة ضرائب الاستهلاك، من ضريبة مبيعات 10% إلى ضريبة قيمة مضافة 14%5، والتي يُعتقَد أنها رفعت التضخم أيضًا بنسبة 1.3% على الأقل، وقللت الطلب الكلي (إجمالي الطلب على السلع والخدمات في أي اقتصاد) بمعدل 2-3% في 2017 (Kassab 2016). وبالإضافة إلى إنهاء دعم الطاقة وزيادة ضريبة القيمة المضافة، كان من أبرز أسباب التضخم في السنوات الأخيرة التخفيض السريع والحاد في قيمة الجنيه المصري، الذي تقلصت قيمته بـ50% مرة واحدة في أواخر عام 2016، ثم تقلصت مرة أخرى في أوائل 2022 وفي مارس 2023.  

يتجاهل صندوق النقد الدولي تمامًا المقاربات التي تتناول التضخم من منظور المالية العامة، ويعتبر التحكم في التضخم مجالًا مقصورًا على السياسة النقدية. ينعكس هذا في عدم اهتمام الصندوق بالتضخم الذي تسببت فيه تدابير ضبط المالية العامة، بالإضافة إلى تجاهله الكامل للتدابير المستندة للمالية العامة كوسائل لمواجهة التضخم. وبالتالي، لمواجهة التضخم الذي جلبته التدابير المالية العامة، ضَغَط الصندوق على مصر لكي تتبنى نظامًا مبنيًا على أسعار فائدة مرتفعة وسياسة نقدية انكماشية. أدى هذا النظام إلى زيادة في أسعار الفائدة من حوالي 9% قبل برنامج 2016 إلى حوالي 20% في 2017 – وهو أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم وقتها (Magdy 2021).

الأثر السلبي لارتفاع أسعار الفائدة على التشغيل مثبت تمامًا(Feldmann 2013)، فمنذ الانهيار المالي العالمي عام 2008 كان هناك ضغط شديد للأسفل على معدلات التشغيل في مصر مع انخفاض نسبة التشغيل من 45% من السكان في 2010 إلى 37% في 2020. لكن جزءً كبيرًا من هذا الانخفاض حدث في أعقاب برنامج صندوق النقد الدولي لعام 2016، حيث انخفضت النسبة من 41% في 2016 إلى 38% في 2019 (World Bank Data 2023b).

غالبًا ما يسير منطق الدفاع عن السياسة النقدية الانكماشية كما يلي: قلة الوظائف ثمن مقبول دفعه لمنع خروج التضخم عن السيطرة نظرًا لأن جموح التضخم سيكون له آثار أكثر كارثية على الاقتصاد. ولكن حين يتعلق الأمر بالتحكم في التضخم، فإن فاعلية أسعار الفائدة العالية تكون محل شك.      

قد يكون رفع أسعار الفائدة الحقيقية فعالًا في التحكم في التضخم الذي تتسبب فيه الدولرة6 في اقتصادات دول الجنوب (Bărbuță-Mișu et al. 2020). ولكن عندما يتم توظيف أسعار الفائدة للتحكم في التضخم عن طريق تقليل الطلب على السلع والخدمات تكون المقاربة أقل فاعلية. ويعود هذا إلى أن زيادة أسعار الفائدة تقلل في معظم الأحوال من الطلب على المنتجات غير الأساسية بسبب توفر فرص ادخار مجزية، لكن استهلاك المنتجات الضرورية - مثل الأطعمة الأساسية - لا يتباطأ. ففي أوقات التضخم المرتفع، يزداد الطلب على المنتجات الأساسية عادةً مع قيام المستهلكين باستهلاك بدائل أقل تكلفة،     مما يدفع التضخم للأعلى بالنسبة للمنتجات الأساسية التي تستهلكها غالبًا الأسر منخفضة الدخل. وبالتالي، علاوة على مشاكل التشغيل التي يتسبب فيها انخفاض الطلب على السلع غير الجوهرية، يتناقض التضخم المرتفع الذي يعقبه ارتفاع في أسعار الفائدة مع الأجندة التي يضعها صندوق النقد الدولي للتحكم في التضخم، ويكون له آثار ضارة على الطبقات الأكثر هشاشة اقتصاديًا من خلال الزيادات في أسعار السلع الأساسية، ويؤدي في نفس الوقت إلى توزيع عبء التضخم بشكل غير متساوٍ. 

تدعم بيانات التضخم في مصر هذه الفرضية. فعلى سبيل المثال: بين عامي 2015 و2019 ارتفعت أسعار الغذاء بـنسبة 103%. في فئة الغذاء، وكان ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية مثل الحبوب والخضروات أسرع من أسعار المنتجات غير الأساسية مثل اللحوم. وبخصوص بنود الإسكان والأثاث، ارتفعت الأسعار أثناء هذه الفترة بنسبة 70% بينما ارتفعت أسعار الملابس بنسبة 72%. وفيما يتعلق بالترفيه والثقافة وبالمطاعم والفنادق، كانت الزيادة 95% و83% على الترتيب (انظر جدول رقم 2).7

علاوة على ذلك، بلغ معدل التضخم السنوي في إبريل 2023 حوالي 30.6%، بينما كان تضخم الغذاء 54.7% (Central Bank of Egypt 2023). في الواقع، من بين كل بلدان العالم احتلت مصر المركز الثالث في مؤشر التضخم الحقيقي للغذاء من يناير إلى إبريل 2023، ولا يسبقها سوى لبنان ورواندا (World Bank, 2023). وتضخم الغذاء الحقيقي هو معدل تضخم الغذاء فيما يتجاوز التضخم الإجمالي.

جدول رقم 2 التضخم التراكمي لبنود المنتجات الأساسية بين عامي 2015 و2019

التضخم التراكمي

% 2015 - 2019

بنود المنتجات الرئيسية

103

الغذاء

82

الكحول والتبغ

72

الملابس والأحذية

40

الإسكان

70

الأثاث ومعدات السكن

75

الصحة

95

الترفيه والثقافة

93

النقل والمواصلات

13

الاتصالات

69

التعليم

83

المطاعم والفنادق

108

بنود متنوعة

المصدر: حسابات المؤلف بناء على البيانات المنشورة في النشرة الشهرية لمؤشر أسعار المستهلكين التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

هناك آلية شبيهة تتم ملاحظتها على مستوى العالم، لكنها لا تأخذ دائمًا شكلًا حادًا كالحادث في مصر. في سياق الحرب في أوكرانيا، كانت قدرة أسعار الفائدة العالية محدودة على التحكم في تضخم الغذاء، حيث تجاوز الأخير التضخم العام في 84.3% من 159 بلد تمت دراستها (World Bank 2023).

تقول السردية التقليدية إن صندوق النقد الدولي يتدخل في اقتصادات ذات سياسات نقدية غير مسؤولة تستحث التضخم بسبب تنفيذ سياسات توسعية. لكن، كما أوضحنا هنا، سياسة صندوق النقد الدولي في مصر منذ عام 2016 استحثت التضخم بشكل متطرف بينما أدت تدابيره النقدية للتحكم في التضخم (الذي صنعه بنفسه)، على أحسن تقدير، إلى تأثيرات غير متكافئة على الفقراء، وكانت غير فعالة في حمايتهم من التضخم.

Man on bicycle with bread

Padmanaba01/Flickr/CC BY-SA 2.0.

Egyptian man rides his bicycle with freshly baked loaves of bread.

بدائل وتوصيات

تبين بيانات الموازنة في مصر أن التقشف ورفع أسعار الفائدة كانت لهما آثار أدت لإعادة توزيع الثروة من أسفل لأعلى بدلًا من التحكم في التضخم أو ضبط الموازنة. قد يطرح البعض أن هذه السياسات التي تسبب التضخم كان لا يمكن تجنبها ومثلت تصحيحًا ضروريًا لسياسات سيئة طبقت لفترة طويلة، وأدت إلى المبالغة في تقييم الجنيه المصري. يمكن قول هذا بالنسبة لتخفيض قيمة العملة، لكن ما طرحناه حتى الآن يوضح أن الارتفاع الملحوظ في التضخم الناتج من إنهاء دعم الطاقة كان يمكن منعه على الأقل بالنسبة للشرائح الأفقر من المجتمع وذلك عن طريق تبني مزيج من الاستهداف الموجه. بعبارات أخرى، التحكم في التضخم كان يمكن القيام به بتدابير أقل تعزيزًا للامساواة عن طريق الحفاظ على شكل من أشكال دعم الطاقة يفيد الأسر منخفضة الدخل. كان من شأن هذا أن يمنع الإنفاق الزائد من الموازنة التي يتم دفعها كفائدة بسبب أن التضخم كان سيكون أقل حدة، ومن ثم كانت الحاجة ستقل لرفع أسعار الفائدة.

يتحدى هذا المقال كما سبق الذكر أيضًا استخدام الخطاب البيئي لتجميل السياسات المعادية للفقراء. فالتخوف فيما يتعلق بالأثر البيئي لدعم الطاقة تخوف مشروع بالطبع، لكن التدابير البيئية يجب ألا تأتي على حساب الشرائح الأفقر في المجتمع، خاصة وأن المجموعات مرتفعة الدخل تساهم بنصيب أكبر كثيرًا في انبعاثات غازات الدفيئة، أما المجموعات منخفضة الدخل فمساهمتها في أزمة المناخ أقل كثيرًا.

في ضوء النقاش السابق، نقدم التوصيات التالية فيما يتعلق بالسياسات. ننصح بأن تتبنى مصر الاستهداف الموجه في دعم الطاقة. فعلى العكس من الدعم الموجه للغذاء الذي قد يؤدي إلى استهلاك المجموعات منخفضة الدخل غذاءً ضارًا وغير متوازن، لا توجد أي أبعاد أخلاقية أو صحية لدعم الطاقة الموجه لفئات معينة. بالتالي، سيكون لدعم النقل العام في مصر (بالإضافة إلى مزاياه الصحية والحضرية والبيئية الكثيرة والدعم الذي يقدمه للأسر منخفضة الدخل) ميزة تقليل العجز في الحساب الجاري عن طريق تقليل الطلب على الطاقة الأحفورية، وهو أمر شديد الأهمية في مصر بشكل خاص لأن مصر حاليًا مستورد صافٍ للوقود. تبين الدراسات أيضًا أن الزيادة التصاعدية في عبء فواتير الكهرباء ربما يكون لها أثر بيئي إيجابي حيث إن الأسر الموسرة كثيفة الطاقة ستتشجع على تقليل استهلاكها من الكهرباء (Dehmel 2011).

ومن شأن انخفاض التضخم نتيجةً لهذا الدعم تقليل الحاجة لرفع أسعار الفائدة، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي لوفورات كبيرة في الموازنة يمكن أن تتجاوز الإنفاق المحتمل على إعادة صياغة دعم الطاقة، بالنظر إلى أن مدفوعات الفائدة تبلغ حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي بينما دعم الطاقة يبلغ 0.3% فقط. يعني هذا أن تقليل مدفوعات الفائدة بـ 1% سيمكن من مضاعفة قيمة دعم الطاقة ثلاث مرات بأسلوب منصف وعادل ومسؤول بيئيًا.

ونظرًا لأن التضخم كان أعلى في السنوات الأخيرة بالنسبة للأسر منخفضة الدخل مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، كل أشكال المساعدات النقدية يجب أن يتم ربطها، لا بالتضخم العام فقط، وإنما أيضًا بمعدلات التضخم الخاصة بمجموعات الدخل المختلفة (وخاصة المجموعات الأدنى) بناءً على أنماط الاستهلاك الخاصة بهذه المجموعات التي تختلف بشدة عن سلة السلع والخدمات المكونة لمؤشر أسعار المستهلكين8 التي يتم حساب معدل التضخم العام بناءً عليها. هذا الأمر شديد الأهمية في الأوقات التي يكون تضخم الغذاء فيها أعلى (مثل الوقت الحالي)، وتنبع أهميته أيضًا من أن الأسر منخفضة الدخل تنفق على الغذاء أكثر من الأسر مرتفعة الدخل ومن سلة مؤشر أسعار المستهلكين الوطنية، حيث يمثل الغذاء 39% فقط من هذه السلة بينما قد يصل إلى 60% من إنفاق الأسر الأقل دخلًا (Diab 2023). 

هناك نقطة أساسية سعى المقال للتأكيد عليها وهي أن التضخم يكون دالة للسياسة المالية العامة (مثل الطاقة ودعم الغذاء) أيضًا وليس للسياسة النقدية (مثل أسعار الفائدة) فقط. ومن ثم، من الضروري عند صياغة البدائل أن تكون السياسة المالية العامة مركزية في جهود التحكم في التضخم. وهذا الأمر جوهري بشكل خاص في سياق الحرب المستمرة في أوكرانيا التي سببت تضخمًا كبيرًا في أسعار الطاقة والغذاء لأن روسيا وأوكرانيا موّردان كبيران للطاقة والسلع الغذائية. وقد تبنت الكثير من الحكومات حول العالم سياسات مالية عامة للتحكم في التضخم أو تخفيف آثاره على الأسر (فقد كان هذا بالطبع مقترنًا بزيادات كبيرة في أسعار الفائدة حول العالم).

على سبيل المثال، قللت معظم البلدان الأوروبية بشدة من الضرائب الاستهلاكية على الغذاء ومنتجات الطاقة (Asquith 2023). إسبانيا مثلا ألغت مؤقتًا ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الغذائية، وقللت بلجيكا بشكل دائم ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء والطاقة من 21% إلى 6% (Chini 2022)، بينما قللت أيرلندا ضريبة القيمة المضافة على خدمات/سلع المطاعم وشركات الأطعمة السريعة من 13.5% إلى 9% (Reuters 2022). أما خارج أوروبا، فقد خفضت بوتسوانا ضريبة القيمة المضافة من 14% إلى 12% لمدة ستة أشهر (KPMG 2022) وقامت باربادوس أيضًا بتخفيض ضريبة القيمة المضافة على الطاقة (VitalLaw 2022).

تقوم الكثير من الحكومات بتقليل ضريبة القيمة المضافة على الطاقة والغذاء لأن هذا إجراء سهل التطبيق وله آثار سريعة وقابلة للقياس. لكن في مصر الكثير من السلع الأساسية مُعفاة بالفعل من ضريبة القيمة المضافة. وفي هذا السياق، يجب أن يتم تقليل ضريبة القيمة المضافة على طول سلسلة التوريد (مثال: مدخلات الإنتاج وخاصة الطاقة) للمساهمة في التحكم في التضخم عن طريق تقليل تكلفة الإنتاج. اتخذت الحكومة المصرية بالفعل بعض التدابير الصغيرة لتخفيض معدلات ضريبة القيمة المضافة على مدخلات الإنتاج الغذائي لكن لم يكن لها آثار ملحوظة حتى الآن (Egyptian Tax Authority 2022).

هناك سؤال معتاد بخصوص تخفيضات ضريبة القيمة المضافة، ألا وهو كيفية تمويلها خاصة في سياقات تضعف فيها الموارد الضريبية مثل مصر. فنظرًا لأن مدفوعات الفائدة تبتلع حوالي 40% من الإنفاق الحكومي، فإن أقل تخفيض في أسعار الفائدة يمكن أن يوفر لخزينة الدولة عشرات المليارات من الجنيهات (مليارات الدولارات) التي يمكن استخدامها لعمل تلك التخفيضات في ضريبة القيمة المضافة. ومن شأن هذا أن يوفر ميزة إضافية تتمثل في دعم الطلب من خلال تقليل ضريبة القيمة المضافة ودعم العرض من خلال أشكال الدعم المختلفة، ويمكن أن يغير هذا الوضع الحالي الذي تنتج فيه هذه المدفوعات أرباحًا لطبقة صغيرة من المستثمرين الماليين الكثيرين منهم غير مقيمين في البلاد ويعملون على تحويل أرباحهم لعملات أجنبية قبل الخروج من السوق، ومن ثم يضعون المزيد من الضغوط على الجنيه المصري.

خاتمة

من خلال تحليل بيانات الموازنة، أوضح هذا المقال أن سياسة صندوق النقد الدولي في مصر لا تعكس التزامًا بتقليل العجز في البلاد و/أو التحكم في التضخم كما يدعي الصندوق في معظم الأوقات. في الواقع، طرح المقال أن التدابير التي يدفع بها صندوق النقد الدولي متناقضة في طبيعتها وتضر غالبًا بهدفها المعلن. فهذه التدابير تبدو بالأحرى تحويلًا طبقيًا للإنفاق الحكومي يتحقق باستخدام سياسات ترفع التضخم وتعيد توزيع عبء التضخم على الشرائح الأفقر من السكان.

بيَّن المقال أن سياسات صندوق النقد الدولي في مصر (إنهاء دعم الطاقة وزيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة العملة) كانت محفزة للتضخم بشدة ولها آثار توزيعية تنازلية (أي تفيد الشرائح الأغنى من السكان) بشكل يثير الشك في ادعاءات الصندوق أنه يسعى للتحكم في التضخم. علاوة على ذلك، أوضح المقال أن الأسر منخفضة الدخل تتحمل عبء ارتفاع التضخم بشكل غير متناسب بسبب عدم فاعلية السياسة النقدية الانكماشية التي يفرضها الصندوق في كبح تضخم المنتجات الأساسية والجوهرية التي تأكل نصيبًا أكبر من دخول الأسر منخفضة الدخل. بعبارة أخرى، أسعار الفائدة لا يمكن أن تكافح التضخم للمنتجات غير الأساسية. فالأسر منخفضة الدخل تنفق معظم – إن لم يكن كل – دخولها على المنتجات الأساسية، ولهذا يضرهم ارتفاع معدلات التضخم أكثر من غيرهم.

إن زيادة خدمة الدين الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة (التي تصل حاليًا إلى حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي) تثير الشك في مصداقية واستدامة أهداف الصندوق لتقليل العجز. بعبارة أخرى، جزء كبير من الوفورات التي حققتها المالية العامة بسبب التدابير التقشفية تم إنفاقها على خدمة الدين وهو ما يفيد بالأساس طبقة صغيرة من المستثمرين المحليين والدوليين وتجار الفائدة. وبينما شهد الإنفاق الحكومي بعض الانخفاض، السمة الأساسية لسياسات صندوق النقد الدولي لم تكن التحكم في التضخم ولا ضبط أوضاع المالية العامة، وإنما إعادة ترتيب الإنفاق الحكومي على أساس طبقي.

مراجع

Anderson, N., Wedawatta, G., Rathnayake, I., Domingo, N., Azizi, Z. (2022) ‘Embodied Energy Consumption in the Residential Sector: A Case Study of Affordable Housing’. Sustainability 14(9). https://doi.org/10.3390/su14095051

Asquith, A.R. (2023) ‘Vat cuts as Europe food inflation eases to 14.7% April 2023’, 7 May. https://www.vatcalc.com/eu/vat-cuts-as-europe-inflation-drops-to-9-2-december-2022/

Barbosa, N. (2010) ‘Latin America: Counter-cyclical policy in Brazil: 2008-09’. Journal of Globalization and Development 1(1). https://doi.org/10.2202/1948-1837.1052

Bărbuță-Mișu, N., Güleç, T.C., Duramaz, S., and Virlanuta, F.O. (2020) ‘Determinants of Dollarization of Savings in the Turkish Economy’. Sustainability, 12(15), 6141. http://dx.doi.org/10.3390/su12156141

Breisinger, C. (2018) ‘Impact Evaluation Study for Egypt’s Takaful and Karama Cash Transfer Program’. ifpri.org. https://ebrary.ifpri.org/utils/getfile/collection/p15738coll2/id/132719/filename/132930.pdf

Central Bank of Egypt (2023) ‘Headline and Core Inflation – April 2023’. https://www.cbe.org.eg/-/media/project/cbe/listing/publication/2023/april/in_apr_2023_en.pdf

Centre for Economic and Social Rights (2019) ‘Meeting the Demands for Economic and Social Justice’. cesr.org/sites/default/files/CESR%20and%20EIPR%20Joint%20Egypt%20UPR%20Submission%20online%20.pdf     

Chini, M. (2022) ‘Belgium to make reduced 6% VAT for gas and electricity “permanent”’, 3 October https://www.brusselstimes.com/299896/belgium-to-make-reduced-6-vat-for-gas-and-electricity-permanent

Coady, D., Flamini, V., and Sears, L. (2015) ‘The Unequal Benefits of Fuel Subsidies Revisited: Evidence for Developing Countries’. IMF. https://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2015/wp15250.pdf

Dehmel, C. (2011) ‘Progressive electricity tariffs in Italy and California – prospects and limitations on electricity savings of domestic customers’. European Council for an Energy Efficient Economy. https://www.infosperber.ch/wp-content/uploads/2022/09/STROM-Progr.-Tarife-Dehmel.pdf     

Diab, O. (2023) ‘Egypt, the IMF and three subsidy approaches: the universal, the self-targeted, and the targeted’. Friedrich-Ebert-Stiftung. https://library.fes.de/pdf-files/bueros/tunesien/20432.pdf

Diab, O., and Hindy, S.I. (2021) ‘IMF’s social protection between rhetoric and action: The case of Egypt’. Middle East Critique 30(4): 391–409. doi:10.1080/19436149.2021.1989551

Egyptian Ministry of Finance (2022) Fiscal indicators tables (Jadawil mu’ashirat al-malia al-‘ama) [In Arabic]. https://cutt.ly/LDR8bhl

Egyptian Ministry of Finance (2023) Annual Financial Statement 2023-24.

Egyptian Tax Authority (2022) Tax exemptions… in implementation of presidential directives to reduce burdens on citizens and industry (I‘fa'at daribiya.., tanfeedhan l-il-tawjihat al-riyasiya bi-takhfif al-a‘ba’ ‘an al-muatinin w-al-sina‘a). [In Arabic]. https://cutt.ly/PDR94Lb

Hanieh, A. (2015) ‘Shifting Priorities or Business as Usual? Continuity and Change in the Post-2011 IMF and World Bank Engagement with Tunisia, Morocco and Egypt’. British Journal of Middle Eastern Studies 42(1). https://doi.org/10.1080/13530194.2015.973199

IMF (n.d.) ‘Egypt: History of Lending Commitments’. https://www.imf.org/external/np/fin/tad/extarr2.aspx?memberKey1=275&date1key=2021-02-28

IMF (2017) Arab Republic of Egypt: Request for Extended Arrangement Under the Extended Fund Facility, IMF Staff Country Reports’. https://www.elibrary.imf.org/view/journals/002/2017/017/article-A001-en.xml

IMF (2020) Arab Republic of Egypt: Request for a 12-Month Stand-By Arrangement-Press Release; Staff Report; and Statement by the Executive Director for the Arab Republic of Egypt’. https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2020/08/10/Arab-Republic-of-Egypt-Request-for-a-12-Month-Stand-By-Arrangement-Press-Release-Staff-49683

IMF (2022) ‘Fossil fuel subsidies’. https://www.imf.org/en/Topics/climate-change/energy-subsidies

Kassab, B. (2016) ‘Al-rukoud ’ala al-’abwab’ ('Economic stagnation is around the corner’) [In Arabic], 11 October. https://www.madamasr.com/ar/2016/10/11/feature/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%83%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8/

Kentikelenis, A.E., Stubbs, T.H., and King, L.P. (2016) ‘IMF Conditionality and Development Policy Space, 1985–2014’, Review of International Political Economy 23(4). doi: 10.1080/09692290.2016.1174953

KPMG (2022) ‘Botswana: Temporary reductions in VAT rates’. https://home.kpmg/us/en/home/insights/2022/08/tnf-botswana-temporary-reductions-in-vat-rates.html

Magdy, M. (2021) ‘Egypt Keeps the World’s Highest Real Interest Rate’.  https://www.bloomberg.com/news/articles/2021-04-28/egypt-keeps-the-world-s-highest-real-interest-rate?leadSource=uverify%20wall

Mossallem, M. (2015) ‘The IMF in the Arab World: Lessons Unlearnt’. SSRN Electronic Journal. https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2705927.

Mousa, S. and Mousa, D. (2018) ‘Universal Energy Access is a Major Challenge for Arab Countries’. World Economic Forum. https://www.weforum.org/agenda/2018/12/even-in-the-arab-world-access-to-energy-is-a-challenge

Nienaber, M. (2020) ‘VAT cut pushes German inflation into negative territory’, 31 August. https://www.reuters.com/article/uk-germany-economy-inflation-idUKKBN25R1MR

Reuters (2022) ‘Ireland extends vat cut for hospitality sector’, 10 May. https://www.reuters.com/article/ireland-economy-idUKKCN2MW0X3

Song, K., Qu, S., Taiebat, M., Liang, S., and Xu, M.     l. (2019) ‘Scale, Distribution and Variations of Global Greenhouse Gas Emissions Driven by U.S. Households’, Environment International 133: 105–137. https://doi.org/10.1016/j.envint.2019.105137

VitalLaw (2022) ‘Barbados extends value-added tax reliefs for fuels’. https://www.vitallaw.com/news/barbados-extends-value-added-tax-reliefs-for-fuels/gdn01151274

World Bank (2022) ‘Egypt Public Expenditure Review for Human Development Sectors’. https://www.worldbank.org/en/country/egypt/publication/egypt-public-expenditure-review-for-human-development-sectors

World Bank (2023) ‘Food Security Update’. https://thedocs.worldbank.org/en/doc/40ebbf38f5a6b68bfc11e5273e1405d4-0090012022/related/Food-Security-Update-LXXXIV-May-4-2023.pdf

World Bank Data (2023a) ‘CO2 emissions (metric tons per capita) - Egypt, Arab rep’. https://data.worldbank.org/indicator/EN.ATM.CO2E.PC?locations=EG

World Bank Data (2023b) ‘Employment to Population Ratio, 15+, Total (%) (Modeled ILO Estimate) – Egypt, Arab Rep.’ https://data. worldbank.org/indicator/SL.EMP.TOTL.SP.ZS?locations=EG.

World Health Organization (2023) ‘Domestic general government health expenditure (GGHE-D) as percentage of gross domestic product (GDP) (%)’. Global Health Observatory data repository. https://apps.who.int/gho/data/view.main.GHEDGGHEDGDPSHA2011WBv

Ideas into movement

Boost TNI's work

50 years. Hundreds of social struggles. Countless ideas turned into movement. 

Support us as we celebrate our 50th anniversary in 2024.

Make a donation