استجابة استثنائية للدعوة الأولى من المعهد العابر للقوميات لتقديم مقترحات بحثية حول السياسات الصناعية الخضراء في الجنوب العالمي
Temas
أثارت الدعوة الافتتاحية لتقديم مقترحات بحثية التي أطلقها المختبر العالمي للسياسات الصناعية الخضراء بالمعهد العابر للقوميات (TNI) اهتمامًا غير مسبوق من باحثين في مختلف أنحاء الجنوب العالمي، حيث قُدّم 48 مقترحًا بحثيًا عالي الجودة بشكلٍ تجاوز التوقعات الأولية كثيرًا. يُظهر تنوع وعمق هذه المقترحات الحاجة الملحّة لوجود تحليلات مناطقية للتحديات والفرص التي تطرحها السياسات الصناعية الخضراء.

Photo by Pixabay from Pexels: https://www.pexels.com/photo/electric-towers-during-golden-hour-221012/
التوزيع المناطقي والموضوعات محل التركيز
اجتذبت الدعوة باحثين من 23 بلدًا من خمس مناطق، مع تمثيل قوي لأمريكا اللاتينية (18 مقترحًا) وإفريقيا جنوب الصحراء (12 مقترحًا). وبرزت إندونيسيا والبرازيل كمحورين أساسيين للتقديمات، حيث قُدّمَت ستة مقترحات للأولى وثمانية للثانية. تناولت المقترحات حول البلدين موضوعات جوهرية مثل الديناميات العمالية وسياسة تعزيز سلاسل القيمة المتكاملة في صناعة النيكل في إندونيسيا وسياسات الوقود الحيوي والآليات التمويلية للبنوك التنموية في البرازيل. يعكس هذا التوزيع الدور المركزي للبلدان الغنية بالموارد في عمليات الانتقال الأخضر العالمية.
تكشف المقترحات عن هيمنة عدة موضوعات متسقة بشكل وثيق مع الأولويات البحثية للمختبر، حيث تبرز قضايا العمل والانتقال العادل بشكل لافت. وتقوم عدة دراسات مقترحة بفحص تأثير التصنيع الأخضر على أنماط التشغيل وحقوق العمال ورفاهة المجتمع، وتتضمن تحليلات مفصّلة لموضوعات مثل أنظمة العمل في محطات الطاقة الشمسية في جنوب إفريقيا، وآثار سياسة تعزيز سلاسل القيمة المتكاملة في إندونيسيا على التشغيل، والمنظورات النسوية لقطاع الطاقة في الإكوادور.
وتبرز أسئلة السيادة ونقل التكنولوجيا عبر المناطق المختلفة، بدءًا من استكشاف التقنيات الخضراء في مصر إلى تقييم البرازيل لآليات التمويل الخاصة ببنوك التنمية. وتفحص مقترحات عديدة بشكل نقدي التوتر بين التطلعات الصناعية الخضراء واستمرار الاعتمادية على الموارد، وهي قضية هامة بشكل خاص لبلدان مثل الأرجنتين وتشيلي في خضم بحثها في نماذج النمو المستند للموارد وتطوير الهيدروجين في مجال الطاقة الخضراء.
منظورات نقدية حول السياسات الصناعية الخضراء
تُظهر المقترحات المقدمة مقاربات تحليلية متعددة الأوجه تتجاوز الأطر الاقتصادية التقليدية، حيث يفحص الباحثون الاقتصاد السياسي لعمليات الانتقال الأخضر، ويسألون مَن المستفيدين مِن السياسات الصناعية الخضراء، ويتناولون الأشكال الجديدة المحتملة من التبعية. وتدرس المقترحات البحثية المقدمة من تونس ومصر والعديد من بلدان أمريكا اللاتينية ما إذا كانت الاستراتيجيات الصناعية الخضراء الحالية تنطوي على مخاطر إعادة إنتاج الأنماط الاستعمارية لاستخراج الموارد، وذلك ضمن سرديات بيئية جديدة.
تُعد الحوكمة والمشاركة الديمقراطية من الأولويات التي يركز عليها الباحثون من الجنوب العالمي، حيث تتناول عدة مقترحات المقاومة المجتمعية للمشروعات الضخمة، ومناهج تصميم السياسات التشاركية، ودور المجتمع المدني في تشكيل التنمية الصناعية. ويتسق هذا مع التزام المختبر بتجاوز المقاربات التكنوقراطية نحو أطر أكثر شمولية للسياسات.
الابتكار في المنهج
يتضح في المقترحات المقدمة تنوعًا منهجيًا يتراوح بين التحليل المقارن للسياسات عبر بلدان متعددة والمقاربات البحثية العملية المشتبكة بشكل مباشر مع المجتمعات المحلية. وتطرح العديد من المقترحات المقدمة أطرًا جديدة لقياس "مساحة المناورة" في تصميم السياسات الصناعية، بينما تستخدم مقترحات أخرى عدسات تحليلية نسوية لدراسة التفاوتات الهيكلية في التنمية الصناعية.
رؤى مناطقية وخلق مساحة للتحليل المقارن
تؤكد المقترحات المقدمة من إفريقيا جنوب الصحراء على وجود تحديات بخصوص القدرات المؤسسية، وتفحص في نفس الوقت نماذج مبتكرة مثل التصنيع الذي يقوده المجتمع في السودان واستراتيجيات تصنيع الأمصال في مختلف أنحاء القارة. تتضمن الموضوعات الرئيسية تحليلًا مقارنًا لأنظمة العمل في قطاع الطاقة المتجددة بجنوب إفريقيا وتقييمات نقدية لسياسات الانتقال الطاقي العادل خاصة علاقة جنوب إفريقيا المركبة بإسكوم (الشركة التي تمتلكها الدولة) وبرامج توسع الشبكة. وتبحث العديد من المقترحات أيضًا في الاقتصاد السياسي للتحول الهيكلي من خلال تبني الطاقة المتجددة عبر بلدان عديدة في إفريقيا جنوب الصحراء. وتركز المقترحات المقدمة من أمريكا اللاتينية بشكل كبير على ديناميات الانتقال الطاقي، وتفحص موضوعات مثل سياسات الوقود الحيوي بالبرازيل وحوكمة الطاقة المائية في هندوراس. المقترحات المقدمة من آسيا تقدم منظورات جوهرية حول تقاطع الحوكمة البيئية والابتكار في قطاع التصنيع.
يعكس تنوعُ المتقدمين بالمقترحات التزامَ المختبر بمد الجسور بين المجالين الأكاديمي والناشطي. فالمقترحات المقدمة شملت باحثين في بداية مسارهم المهني يقدمون أفكارًا مبتكرة، بالإضافة إلى أساتذة ذوي خبرات قوية من جامعات مرموقة عالميًا. ومن الأمور اللافتة للنظر أن العديد من المقترحات تأتي من نشطاء اجتماعيين وبيئيين يعملون في منظمات مجتمع مدني؛ مما يجلب المنظورات القاعدية التي غالبًا ما تغيب عن النقاشات الأكاديمية. هذا التنوع في الأصوات (من خريجين حديثين يقومون بأول مشاريعهم البحثية إلى أكاديميين ذوي خبرة وممارسين ميدانيين) سينتج منظورات تجمع بين الصرامة النظرية والمعرفة العملية حول الآثار المحتملة للسياسات الصناعية على المجتمعات المحلية.
التبعات بالنسبة لمهمة المختبر
تؤكد هذه الاستجابة صحة الفرضية الأساسية للمختبر بأن بحوث السياسات الصناعية الخضراء يجب أن تكون متجذرة في واقع الجنوب العالمي لا أن تدور هذه البحوث في فلك اعتماد نماذج جاهزة مُعدّلة من دول الشمال. وتبين المقترحات التحديات المشتركة التي تتضمن محدودية الحيز المالي وضعف القدرات المؤسسية والضغوط النابعة من سلاسل القيمة العالمية، وفي نفس الوقت تلقي الضوء على مدى تنوّع الاستراتيجيات الوطنية والتصورات المبتكرة حول السياسات.
ويبين التوزيع الجغرافي أيضًا وجود فجوات بحثية. فرغم أن نطاق الدعوة عالمي، تبقى المقترحات المقدمة من مناطق معينة محدودة بما يوضح الحاجة إلى الانتشار بشكل أكثر استهدافًا وبناء القدرات في الدعوات القادمة.
المراحل التالية
من بين 48 مقترحًا مُقدمًّا، سوف يكمل 46 مقترحًا حتى مرحلة التقييم، وهي المقترحات الموزعة على النحو التالي: أمريكا اللاتينية (18)، وإفريقيا جنوب الصحراء (14)، وآسيا (9)، وشمال إفريقيا (5). وثمة مقترحان قُدما من باحثين أوروبيين لن يتم تناولهما رغم أنهما يقدمان رؤى متبصرة وقيمة، حيث إن الدعوة استهدفت بالتحديد الباحثين في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي. هذا التركيز الجغرافي يتماشى مع هدف المختبر في إبراز الأصوات والمنظورات القادمة من الجنوب العالمي.
سيشارك الباحثون الثمانية عشر الذين سيتم اختيارهم في مدرسة ربيعية في جنوب إفريقيا في مارس 2026
بما يعزز فرص التعلم جنوب-جنوب ووضع أجندة العمل بشكل تعاوني. وتشير جودة وتنوع المقترحات المقدمة إلى أن هذه الدفعة ستنتج رؤي متبصرة وهامة لصناع السياسات والباحثين ومنظمات المجتمع المدني العاملين على التحول الصناعي في مختلف أنحاء الجنوب العالمي.
وترسخ الاستجابة القوية لهذه الدعوة الافتتاحية وضع المختبر العالمي للسياسات الصناعية الخضراء كمنصة حيوية لتطوير بحوث وثيقة الصلة بالسياقات حول واحد من أكثر تحديات التنمية إلحاحًا في عصرنا. والمخرجات البحثية الناتجة عن هذا العمل – والتي سيتم نشرها في 2026 – ستساهم في إيجاد مقاربات أكثر تدقيقًا وتجذرًا في الواقع المحلي للسياسات الصناعية الخضراء، تولي الأولوية للعدالة الاجتماعية جنبًا إلى جنب مع الاستدامة البيئية.
سينشر المعهد العابر للقوميات الأوراق البحثية المختارة في صيغة رقمية وصيغة مطبوعة خلال عام 2026 وسيتم عرض النتائج الأولية في المدرسة الربيعية في جنوب إفريقيا.