بين عامي 1950 و1976، شهد الموقف الصيني من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تحولًا جذريًا، إذ انتقل من احتمال إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى تبنٍ واضح وداعم لقضية تحرير فلسطين. واستنادًا إلى المبادئ الثورية الماوية، قدّمت الصين دعمًا دبلوماسيًا وماليًا وعسكريًا للفلسطينيين، وعزّزت التضامن الشعبي من خلال الحملات الدعائية والتبادل الثقافي، في إرث لا يزال يُلقي بظلاله على مواقف الصين حتى اليوم.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby
تخوم النضال العالمي ضد الإمبريالية: تصورات الصين عن الكفاح الفلسطيني من 1955 إلى 1976
قد تكون الصين إحدى الدول القليلة التي غيرت موقفها الدبلوماسي من "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" بطريقة شديدة الإثارة منذ خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين. فخلال عشرين عامًا فقط، تغيرت السياسة الخارجية الرسمية لجمهورية الصين الشعبية بشدة. فبعد أن كادت الصين يكون لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1950 أصبحت ترفض أي اعتراف بشرعية دولة إسرائيل في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وكما سأوضح في هذا المقال، وضعت الحقبة الماوية -خاصة من 1955 إلى 1976- الأساس للدعم الصيني الدبلوماسي لحركة تحرير فلسطين، وهذا الإرث لا يزال واحدًا من العوامل الرئيسية التي توجه موقف الصين الرسمي بخصوص فلسطين اليوم.
من 1950 إلى 1976 عمقت الصين بالتدريج فهمها للقضية الفلسطينية خلال الحقبة الماوية، وتوصلت في النهاية إلى أن النضال الفلسطيني حركة تحرر وطني ضد الإمبريالية والاستعمار. دبلوماسيًا، لم تكن جمهورية الصين الشعبية في تلك الحقبة تعبر عن تضامنها مع الكفاح الفلسطيني المسلح من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي والتمويل أو حتى التدريب العسكري فقط، وإنما بإطلاق العديد من برامج التبادل الثقافي والحملات التعريفية أيضًا بهدف تعزيز التضامن مع فلسطين في أذهان الشعب الصيني.
منذ نهاية الحقبة الماوية عمقت الصين بشكل متزايد علاقاتها الثنائية -خاصة الاقتصادية- مع إسرائيل، وجرى تهميش دور الصين في دعم تحرر فلسطين بل وتخفيضه بشكل كبير مقارنةً بمواقفها السابقة. لكن وزن السياسة المنحازة لفلسطين خلال الفترة من الخمسينيات إلى السبعينيات بقي موجهًا للدولة الصينية، وقام الشباب الصيني بإعادة اكتشاف هذا الإرث التاريخي من التضامن الصيني الفلسطيني وإحيائه إبان الإبادة الجماعية الجارية في غزة.
وبالتالي للتوصل لفهم حقيقي للأبعاد والقوى الدقيقة المحددة لحركة تضامن الصين مع فلسطين ولرد فعل الصين على الإبادة الجارية في غزة، أنوي القيام بمراجعة منهجية ليس فقط لتطور تصورات الصين عن الكفاح الفلسطيني وإنما أيضًا لجهود الصين الماوية في تأسيس الشبكات التضامنية مع الحركة الفلسطينية من حيث القنوات الدبلوماسية وكذلك الدعاية المحلية والحملات التعريفية في الصين نفسها.
في وقت مضى كانت جمهورية الصين الشعبية المؤسسة حديثًا والمتأثرة بشكل كبير بالاتحاد السوفيتي تنظر لإسرائيل كدولة ما بعد استعمارية تقودها حكومة برجوازية وطنية تميل لليسار، ومن ثم كانت منفتحة على الاعتراف بإسرائيل (Shichor 1979:22). في 9 كانون الثاني/يناير 1950 أرسل وزير الخارجية الإسرائيلي خطابا إلى رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي اعترف فيه بجمهورية الصين الشعبية فصارت إسرائيل "أول حكومة في الشرق الأوسط تعترف بجمهورية الصين الشعبية" (Shichor 1979:21). نُشر هذا الخبر في صحيفة الشعب اليومية -وهي الجريدة الصينية الرسمية- في 17 كانون الثاني/يناير 1950 باعتباره نجاحًا دبلوماسيًا للصين ("إسرائيل وأفغانستان" 1950). أما جامعة الدول العربية فأجمعت في آب/أغسطس 1950 على عدم الاعتراف بالصين، وهو ما شجع النظرة الإيجابية لإسرائيل في جمهورية الصين الشعبية (Harris 1993:80).
لكن إمكانية الاعتراف المتبادل قصيرة العمر هذه سرعان ما اختفت مع دخول الصين الحرب الكورية في تشرين الأول/أكتوبر 1950. فقد أرجأت الحكومة الإسرائيلية خطتها لإقامة علاقة رسمية مع الصين لتجنب إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية (Shai 2019:94). وانحازت الحكومة الإسرائيلية للغرب في الأمم المتحدة أثناء الحرب الكورية مما دمر التصور الصيني السابق عن إسرائيل بأنها ميالة لليسار، وصار على الجانب الصيني أيضًا أن يعيد النظر في مسألة الاعتراف المتبادل.
بعد ذلك ببضع سنوات -في عام 1955- استضافت باندونج أول مؤتمر آسيوي أفريقي. في هذا المؤتمر، حصلت الصين على فرصة لتعزيز العلاقات مع القادة العرب بينما جرى استبعاد إسرائيل منه بسبب المعارضة الشديدة من الدول العربية وإندونيسيا وهي دولة ذات أغلبية مسلمة ذات صداقة تاريخية مع فلسطين. اقترح تشو إن لاي في البداية إشراك إسرائيل في هذا المؤتمر الذي يضم الدول الخارجة من الاستعمار، لكن بعد نقاش طويل مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وممثل الوفد السوري والرئيس المستقبلي لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري توصل تشو إلى أن دعم كفاح الشعوب العربية ضد الإمبريالية أولوية بالنسبة للصين (Shindler 2014:110). وفقًا لتقرير وكالة الأخبار التلغرافية اليهودية الصادر في 22 نيسان/أبريل 1955، ألقى تشو بيانًا قويًا دعمًا للعرب وقال إنه "لولا التدخل الأجنبي لما وقعت مأساة عرب فلسطين" ("Anti-Israel Resolution" 1955: 61).
قللت جمهورية الصين الشعبية اتصالها الدبلوماسي مع إسرائيل لكنها في خمسينيات القرن العشرين لم تكن ترى إسرائيل كيانًا غير شرعي تمامًا. في آذار/مارس 1956 - أي في الفترة المؤدية إلى أزمة السويس- نشرت صحيفة الشعب اليومية جزءًا من بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي يقول إن "أغلبية الشعب الإسرائيلي" مؤيدة لـ"سياسة خارجية مستقلة وسلمية ومحايدة" بين الغرب والكتلة الشرقية ("الحزب الشيوعي الإسرائيلي يدعو" 1956) . وفي أيلول/سبتمبر نشرت الصحيفة مرة أخرى قول الحزب الشيوعي الإسرائيلي إن "الشعب الإسرائيلي لا يريد ولا يجب أن يخاطر بنفسه من أجل البليونيرات البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين" ("الشعب الإسرائيلي لا يريد" 1956). يعني هذا أن جمهورية الصين الشعبية استمرت في النظر إلى إسرائيل كدولة شرعية يمكن ألا تقع تمامًا في الكتلة الغربية، رغم أنها كانت قد قررت بالفعل أن تضع علاقاتها مع الدول العربية قبل علاقتها بإسرائيل. وتبين العلاقات بين الحزبين الشيوعي الصيني والشيوعي الإسرائيلي في تلك الحقبة أيضًا أن جمهورية الصين الشعبية لم تكن تتبنى موقفا مناهضًا للصهيونية في ذلك الوقت. فتصور جمهورية الصين الشعبية عن إسرائيل كانت تحدده فقط علاقات إسرائيل والدول العربية مع الغرب، ولم يكن قائمًا على فهم وإدراك الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
لكن حرب 1956 أعادت تشكيل تصور الصين عن إسرائيل بشكل جوهري. فمنذ 1956 أصبحت الصين ترى إسرائيل بشكل متزايد كـ"كلب مطيع" للإمبريالية العالمية يهدد تحرر العالم الثالث والحركة الاشتراكية العالمية. ففي 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956 غزت إسرائيل سيناء بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا. وهذه العملية العسكرية المشتركة لإسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لم تجعل جمهورية الصين الشعبية تنظر لإسرائيل كمعتدية على مصر فقط، وإنما الأكثر أهمية أنها شجعت الصين على اعتبار إسرائيل حليفا إقليميا للقوى الإمبريالية الغربية. وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1956 أدانت صحيفة الشعب اليومية بشكل مباشر إسرائيل باعتبارها "بيدق صغير متطوع على رقعة شطرنج المستعمرين الغربيين" ("لا للتحريض. لا للعدوان" 1956). وفي السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت الحكومة الصينية رسميًا بيانًا يطالب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل "بالسحب الفوري لكل أشكال القوة العسكرية التي غزت مصر وإيقاف الحرب العدوانية عليها"، وأعلنت أن الصين سترسل سريعًا مساعدات لمصر (معهد العلاقات الدولية 1958: 278). بعد أزمة السويس في 1956 أصبحت السياسة الخارجية الصينية منحازة للعرب بشكل كامل، وتوقفت الصين عن دعم خطة التقسيم في خطابها الدبلوماسي وانتقدت إسرائيل علانية لغزو الدول العربية، ودعمت بشكل صريح حق الشعب الفلسطيني في الكفاح المسلح.
مع اندلاع النزاع الصيني السوفيتي، أصبحت السياسة الخارجية الصينية أكثر راديكالية من الاتحاد السوفيتي.1 في الاجتماع الدولي للأحزاب الشيوعية والعمالية في موسكو 1957 عارض ماو تسي تونج -زعيم الصين- بشكل صريح فكرة خروتشوف الخاصة بـ"التعايش السلمي" مع الكتلة الرأسمالية، ودعا إلى الكفاح المسلح ضد الدول الرأسمالية ("أصل وتطور الخلافات" 1997: 15). في كانون الثاني/يناير 1958 أدرج ماو رسميًا "الثورة الدائمة" كأحد الأفكار الموجهة للحكومة الصينية ("ستون نقطة عن مناهج العمل" 1995: 45). ودعمت الصين بشكل نشط الحركات الاشتراكية والوطنية المناهضة للإقطاع والإمبريالية والاستعمار في مختلف أنحاء العالم وخاصة في العالم الثالث مدفوعةً بمبدأ "الدبلوماسية الثورية".
أصبح الصراع الإقليمي بين العرب والإسرائيليين في تصورات جمهورية الصين الشعبية مسرحًا تتقارب فيه الكتلة الشرقية والعالم الثالث من أجل الكفاح ضد الإمبريالية الغربية. ورغم أن القيادة الصينية كانت أكثر انشغالًا بشؤون شرق آسيا مثل حرب فيتنام والصراع حول مضيق تايوان، فإنها كانت تنظر لأرض فلسطين كـ"تخوم" بعيدة تصد الإمبريالية الغربية. وكانت تعتقد أن نتيجة الصراع على "التخوم" قد تؤثر على أمن جمهورية الصين الشعبية. على سبيل المثال، أكد رئيس وزراء الصين تشو إن لاي على الدور الفريد للنضالات العربية ضد الإمبريالية في العالم حيث طرح أن الدول العربية تقع في ساحة أساسية ضد الإمبريالية "تشكل درعًا أمام كل من إفريقيا وآسيا" (آن، 2008: 4). في آذار/مارس 1965 قال الزعيم ماو تسي تونج أيضًا ما يلي أمام أول وفد من منظمة التحرير الفلسطينية يزور الصين:
الإمبريالية تخشى الصين والعرب. إسرائيل وفرموزا [تايوان] قاعدتان للإمبريالية في آسيا. أنتم البوابة الأمامية ونحن الخلفية. لقد خلقوا إسرائيل لكم وفرموزا لنا. الغرب لا يحبنا، وعلينا أن نفهم هذه الحقيقة. معركة العرب ضد الغرب هي المعركة ضد إسرائيل. (Shindler 2014: 111).2
علاوة على ذلك، أقنع انتصار إسرائيل في حربي 1956 و1967 الصينيين أن العرب كانوا الضحايا الأضعف في هذا الصراع. وخبرة الفلسطينيين في التعرض للغزو من قبل دولة استعمارية مدعومة من الغرب ذكَّرت الصينيين بالأذى التاريخي الذي تعرضوا له من "غزو وهجوم وإذلال على أيدي الأجانب" ومن ثم تكوَّن شعور بالتضامن (Cooley 1972: 20).
أيدلوجية الصين الماوية الراديكالية وصورة أرض فلسطين كـ"تخوم" للتنافس العالمي والتعاطف مع الفلسطينيين النابع من الأذى التاريخي الذي تعرضت له الصين نفسها جعلوا الصينيين يرون إسرائيل إلى حد كبير كـ"كلب مطيع" للمصالح الدولية الأمريكية في المنطقة. وفي 1966 حين بدأت الثورة الثقافية الصينية، بدأ الجناح الراديكالي في الحكومة الصينية يكتسب المزيد من السيطرة على الدبلوماسية الصينية.3 ومن ثم، تطور موقف الصين من إسرائيل إلى المرحلة الأكثر راديكالية التي شككت فيها الصين في شرعية دولة إسرائيل بشكل جوهري.
في 1965 قام لين بياو -نائب رئيس الحزب الشيوعي الصيني منذ 1958 وخليفة ماو المنتظر- بتحديد السمات الأساسية لنظرية ماو الخاصة بـ"الحرب الشعبية"، ودعا إلى أن تستخدم كل الشعوب المقهورة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تكتيكات "الحرب الشعبية" ضد "الإمبريالية الأمريكية وكل كلابها المطيعة" (Lin 1965: 22). وجَّهت نظرية ماو الخاصة بـ"الحرب الشعبية" دعمَ الصين المتحمس لحروب العصابات حول العالم بما في ذلك فلسطين. أصبحت مجموعات حرب العصابات الفلسطينية نموذجًا مثاليًا "للحرب الشعبية". وقد قبلت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية بسعادة هذا المدح، وصارت مستعدة لخلق صورة عن نفسها كطليعة لحروب العصابات في العالم الثالث وكطلاب لنظريات ماو من أجل كسب المزيد من الدعم من الصين. على سبيل المثال: عند زيارة بكين في 21 آذار/مارس 1970 حمل كافة أعضاء وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى بكين بقيادة الرئيس ياسر عرفات نسخًا من الكتاب الأحمر الصغير لماو في أيديهم عند الخروج من الطائرة مما أحدث ردود أفعال إيجابية من نظرائهم الصينيين (الشعب الفلسطيني سينتصر 1972. فيلم. 20:01).
بعد حديث ماو الشهير في 20 أيار/مايو 1970 الذي شجع "نضالات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى ضد البغاة الإسرائيليين" (Mao 1970)، أصبح خطاب جمهورية الصين الشعبية الرسمي بخصوص إسرائيل سلبيًا تمامًا وأسماها رسميًا "قاعدة الإمبريالية الأمريكية لغزو الشرق الأوسط" (الشعب الفلسطيني سينتصر 1972: 01:56). علاوة على ذلك، أصبحت الشعارات الصينية الداعمة للشعب الفلسطيني قتالية بدرجة كبيرة وركزت على تشجيع الكفاح المسلح وتدمير الدولة الصهيونية: "لا تحلوا هذا الأمر سلميًا. لا تركعوا ولا تستسلموا. لا تفعلوا هذا أبدًا" (الشعب الفلسطيني سينتصر 1972. 23:38). وحتى شو إن لاي -الذي كان على الأرجح أكثر دبلوماسي معتدل في الحكومة الصينية في تلك الفترة- كان يرى إسرائيل كدولة غير طبيعية. فعلى سبيل المثال، في حواره مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر أوضح شو أنه "يجب أن يقال إن تأسيس مثل هذه البلد بهذه الطريقة ظاهرة خاصة وغريبة منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية" (Memorandum” 1973:148").
منذ 1965 حتى نهاية الثورة الثقافية في 1976 تطورت السردية الرسمية لجمهورية الصين الشعبية عن تاريخ فلسطين إلى سردية مناهضة تمامًا للصهيونية. فبعيدًا عن موقفها في خمسينيات القرن العشرين الذي كان يرى الدعم السوفيتي للتقسيم "موقفًا عادلًا" (شو 1950: 67)، صدر كتاب صيني عن القضية الفلسطينية عام 1973 كُتِب ليستخدمه المسؤولون الحكوميون فقط ووصف "الغزاة الإسرائيليين" بـ"بيدق صغير على رقعة شطرنج الغزو الإمبريالي الأمريكي" بل وأدان أيضًا "التحريفية السوفيتية والإمبريالية الاشتراكية" لـ"حماية وتدليل العدوان الإسرائيلي والإذعان له" (المعهد الإسلامي في جامعة الشمال الغربي 1973: 42).
في 1971 عرف تشياو جوانهوا رئيس وفد الصين في الأمم المتحدة "الطبيعة الجوهرية لمسألة الشرق الأوسط" باعتبارها "العدوان على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى الذي اقترفته الصهيونية الإسرائيلية بدعم وتواطؤ القوى العظمى"، واعتبر أن الدعم الأمريكي و"الإذعان" السوفيتي لإسرائيل هما جذور المشكلة (Cooley 1972: 19). وفقا لمحمد خليل ومحمد رفعت (اثنين من ممثلي فلسطين في منظمة التضامن الأفروآسيوي) اللذين زارا بكين في آذار/مارس 1964 فإن المسؤولين الصينيين أكدوا لهم بالتحديد أن "الصين لا تحمل وصمة عار التصويت لخلق إسرائيل مثل روسيا" (Cooley 1972:24)، مما يوضح التصور الصيني عن خلق إسرائيل كمشروع استعماري غير شرعي في العصر الحديث.
يمكن أيضًا رؤية الميل القوي لدى جمهورية الصين الشعبية تجاه العرب في موقفها أثناء حرب 1973. ففي 23 تشرين الأول/أكتوبر ألقى تشياو جوانهوا خطابًا شديد اللهجة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يشر فيه فقط إلى هذه الحرب بأنها "معركة مقدسة للشعوب والجيوش المصرية والسورية والفلسطينية للتصدي للغزاة واستعادة الأرض المحتلة"، بل قال أيضًا إن "شعوب مصر وسوريا وفلسطين يحق لها استخدام أي وسائل تريدها لاستعادة أراضيها المحتلة في حين أن أي استفزاز ولو طفيف تقوم به إسرائيل هو سلوك إجرامي" ("في مجلس الأمن" 1973).
لم يكن دعم فلسطين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين مقتصرًا على المستوى الدبلوماسي في الدولة، بل عمد القادة الصينيون إلى مأسسة الخطابات الداعمة لفلسطين في ثقافة المجتمع. كانت الطريقة الأولى والأكثر مباشرةً هي تشجيع التظاهرات الجماهيرية. وكما يوضح فيلم وثائقي دعائي أنتجته الحكومة الصينية في 1971 بعنوان (الشعب الفلسطيني سينتصر)، كثيرًا ما نظمت الدولة الصينية مظاهرات ضخمة في بكين أمام سفارات فلسطين والجمهورية العربية المتحدة (مصر) وسوريا في بكين للتعبير عن التضامن. أما الطريقة الثانية فكانت توعية الجماهير الصينية وتشجيع الطبقة العاملة على معرفة الشؤون الفلسطينية والكتابة عنها. كان الفيلم التسجيلي القصير المذكور أعلاه على سبيل المثال يُعرَض كثيرًا في دُور السينما في الصين، وكان النص يُنشَر ويوزَع على نطاق واسع في مكتبات المدن الكبرى في الصين. علاوة على ذلك، جرى نشر الكثير من الكتب عن شؤون الشرق الأوسط أثناء تلك الفترة، وعَززت تلك الأعمال كلها نظرة تاريخية قوية مناهضة للصهيونية.4 وأثناء الثورة الثقافية، شجعت الدولة أيضًا عمال المصانع في الصين على تشكيل مجموعات نظرية عمالية لإجراء بحوث عن النظرية الماركسية والسياسة المعاصرة. فتعاونت المجموعة النظرية العمالية لمصنع الأدوات الصناعية الثقيلة في ووهان على سبيل المثال مع أساتذة التاريخ من جامعة وسط الصين العادية لكتابة كتاب أكاديمي بعنوان (نشأة القضية الفلسطينية وتطورها) نشرته لاحقًا دار نشر مرموقة مرتبطة بالدولة في الصين عام 1976.5
كان التضامن مع فلسطين أيضًا محل تركيز الأدب الصيني والانتلجنسيا الصينية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. فكان الكثيرون من مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية يتدربون في الأكاديميات العسكرية الصينية، والكثير من المثقفين والدبلوماسيين الفلسطينيين كانوا يدرسون في الجامعات الصينية ويعملون كمترجمين أو أساتذة للغة العربية في الجامعات الصينية ويُدعَون مرارًا لفاعليات في الصين. تمت ترجمة أعمال غسان كنفاني وتوزيعها على نطاق واسع في الصين، ودُعي كنفاني إلى زيارة الصين في 1965 وجرى استقباله بحفاوة من قبل المشير شين يي الذي اشتهر بحماسه لشعره. قُدمت أشعار أبو سلمى -رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين- في الصين في وقت مبكر يعود إلى عام 1964 وجرى استقبال قصيدته الشهيرة "ابتسامة ماو تسي تونج"6 بحفاوة شديدة والتي كتب فيها "خضنا نفس المعركة. تحملنا نفس المعاناة.. حين تظهر ابتسامة ماو في الأفق تصبح سماوات الأرض أكثر صفاء لأميال وأميال".7 وفي 1975 نشرت دار نشر الآداب الشعبية كتابًا بعنوان (قصائد المعارك في فلسطين) جُمِّعت فيه قصائد مترجمة كتبها فدائيون فلسطينيون مع قصائد لكتاب ومثقفين صينيين تمدح فلسطين8.
من الأمور المثيرة للاهتمام أن الكفاح الفلسطيني المسلح أصبح موضوعًا لكتب الأطفال في الصين في سبعينيات القرن العشرين. في عام 1971 جمعت دار نشر مرتبطة بالدولة في جوانجدونج كتابًا مصورًا للأطفال ونشرته بعنوان (راية المعركة خفاقة). بطل هذه القصة اسمه طلعت، وهو ابن مقاتل فلسطيني يخطط "لشن عملية ضد الغزاة الإسرائيليين في الأرض المحتلة". صباح يوم عيد ميلاد طلعت الثالث عشر وعده أبوه بجلب جرة من تراب فلسطين كهدية في عيد ميلاده. وبدلًا من الانتظار، شارك طلعت بنفسه في مجموعة المقاتلين التي تقوم بالعملية في ذلك اليوم وحصل على هدية عيد الميلاد التي تمناها طويلا. فقد هَزمت المجموعةُ الإسرائيليينَ تمامًا ورُفع علم فلسطين على الأرض المحررة.9
بعد ذلك بعام واحد -أي في 1972- أصدرت نفس دار النشر كتابًا مصورًا آخرًا للأطفال بعنوان (قسام البطل الصغير). في هذه القصة، قسام الصغير طفل فلسطيني قتل الإسرائيليون أباه في حرب 1967 ومن ثم اضطر للهروب إلى عمان كلاجئ. والتحق بالمجموعة المنخرطة في حرب العصابات في سن الرابعة عشر. تنكر قسام الصغير في هيئة طفل عادي ينقل أغراضه على حمار، وقاد جنودًا إسرائيليين إلى كمين نصبه الثوار، ومن ثم دمر معقلًا قويًا للجيش الإسرائيلي.10 راج هذا الكتاب المصور جدًا حتى أنه في 1973 تمت إعادة إنتاج قصة قسام الصغير في قصيدة طويلة مع رسومات لفنانين من إنتاج دار نشر أخرى مرتبطة بالدولة مقرها في مقاطعة هيلونجچيانج.11
يمكن للمطلعين على التقاليد الأدبية للصين في الحقبة الماوية أن يروا بسهولة أن صور طلعت وقسام كانت متأثرة إلى حد كبير بصور الشخصيات الخيالية الصينية مثل وانج إيرشياو أو الجندي الصغير تشانج جا، وكليهما شخصية خيالية لفتيين من فتيان الكشافة المقاتلين في حرب العصابات كُتبت استنادًا إلى نماذج حقيقية من الأطفال الصينيين الذين شاركوا في حرب العصابات ضد الاحتلال الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية. من خلال إسقاط خبرة الصين التاريخية نفسها لتخيل وخلق صور أدبية وفنية للمقاتلين الفلسطينيين من أجل الحرية، قام "العاملون في الفن والأدب" الصينيون -كما كان يُطلَق عليهم في الحقبة الماوية- بنشر بذور التضامن مع فلسطين بين الجماهير الصينية، وما زال تراثهم في الفترة من 1966 إلى 1976 إلى حد كبير هو أساس المشاعر المنحازة لفلسطين بين الشباب الصيني اليوم.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby
بين الماضي الثوري والحاضر المتمحور حول التجارة: السياسة الخارجية للصين بخصوص فلسطين من ثمانينيات القرن العشرين إلى الحاضر
حين توفي ماو في 1976 كانت الثورة الثقافية قد انتهت بانقلاب قام فيه الحرس القديم -وهو الفصيل المعتدل في الحزب الشيوعي الصيني- بمواجهة قادة القسم اليساري الراديكالي بالقوة الذين أُطلق عليهم لاحقا مسمى تحقيري ألا وهو "عصابة الأربعة". احتاج دينج شياو بينج -زعيم الإصلاحيين- عامين لتعزيز سلطته داخل الحزب. في 1978 نجح دينج في عقد الجلسة العامة الثالثة الشهيرة للجنة المركزية الحادية عشر للحزب الشيوعي الصيني لبدء سياسة "الإصلاح والانفتاح" الخاصة به. وكما أوضح دينج أثناء حديثه مع الزعيم الأثيوبي منجستو هيلي مريام في 1988 فإن المبدأ الموجه للحكومة الصينية "تحول من الصراع الطبقي إلى تنمية الاقتصاد" (دينج 1988).
من حيث الدبلوماسية، كان هذا التحول يعني أن دعم الثورات العالمية لم يعد على أجندة الدبلوماسية الرسمية للصين. بحلول بداية 1980 كان دينج قد أوقف مساعدات جمهورية الصين الشعبية للمجموعات الشيوعية في جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب أوروبا. ومع محاولة الصين جذب استثمارات أجنبية من الغرب من أجل التنمية الاقتصادية فيها، أصبحت النضالات المناهضة للإمبريالية مهمشة بشكل متزايد في السياسة الخارجية للصين. بدأت الصين تعيد التفكير في إمكانيات إقامة علاقات دبلوماسية مع المزيد من أعضاء الكتلة الرأسمالية وكانت إسرائيل من بينهم.
كان للمناخ الدولي المتغير في هذه الحقبة تأثير هام على الصينيين. ففي 1977 ألقى الرئيس المصري أنور السادات خطابًا في الكنيست الإسرائيلي، وحفزت تقويةُ العلاقات المصرية الإسرائيلية الصينيينَ على الاقتناع بأن "الصراع العربي الإسرائيلي" المستعصي على الحل قد يكون اقترب من النهاية. في تموز/يوليو 1980 قام هي يانج نائب وزير خارجية الصين مدفوعًا بهذا التصور بإعلان أن موقف الصين الجديد حول القضية الفلسطينية هو أن "كل الدول في الشرق الأوسط يجب أن تتمتع بحقها في الاستقلال والبقاء". عبرت هذه المقولة عن نهاية سياسة الصين السابقة خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن العشرين الداعمة للكفاح المسلح وتفكيك النظام الصهيوني. بدأت الصين ترى أن وجود الدولة الإسرائيلية ليس مناقضًا بشكل جوهري لوجود دولة فلسطينية. وفي كانون الأول/ديسمبر 1982 طرح هو ياوبانج -الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني- على الملك حسين ملك الأردن أن الدول العربية "يجب أن تحترم وتستعيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت تعترف بحقوق الشعب الإسرائيلي في العيش بسلام". وفي نفس الشهر زار تشاو زيانج رئيس الوزراء الصيني مصر، وأعلن مرة أخرى أن الصين تستعد للاعتراف بـ"حق إسرائيل في البقاء" ما دامت إسرائيل "ستنسحب من الأراضي العربية المحتلة" و"تحقق الحقوق المشروعة للفلسطينيين في بناء دولتهم".
في أيلول/سبتمبر 1988 أعلن وزير خارجية الصين كيان كيتشين "مقترح الصين ذا النقاط الخمس" بخصوص الشرق الأوسط الذي تضمن أمورًا مثل تعزيز الحوار ومطالبة إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة مقابل ضمان الأمن وتعزيز الاعتراف المتبادل بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل (وهو الأمر الأكثر الأهمية في هذه النقاط). ورغم أن الإدارات المختلفة للقيادات الصينية أعلنت مقترحاتها الخاصة بخصوص شؤون الشرق الأوسط تحت مسميات مختلفة، فإن جوهر "المقترح ذي النقاط الخمس" -تعزيز حل قائم على دولتين من خلال الحوار- يبقى جوهر السياسة الخارجية الصينية بخصوص فلسطين.
التجارة واحدة بالطبع من أهم العناصر المؤثرة على هذا التحول في موقف الصين بخصوص إسرائيل. في 1985 أعادت إسرائيل فتح قنصليتها العامة في هونج كونج التي كانت مغلقة لأكثر من عشر سنوات وذلك بهدف الدفع نحو إنشاء علاقة رسمية مع الصين، وبدأت في بيع منتجاتها عالية التقنية خاصة المعدات والتقنيات العسكرية إلى أراض الصين الرئيسية عبر هونج كونج. فبعد انتهاء فترة شهر العسل القصيرة بين الصين والولايات المتحدة بقطيعة حادة في 1989، أصبحت إسرائيل إحدى القنوات القليلة التي يمكن للصين من خلالها شراء تقنيات عسكرية متطورة للتحايل على الحظر الغربي. وبقت هذه العلاقة هامة للصين حتى 2001 حين مزقت إسرائيل بشكل أحادي الجانب اتفاقها التجاري مع الصين تحت الضغوط الأمريكية.
الرغبة في التجارة والاعتقاد بأن "الصراع العربي الإسرائيلي" سينتهي حفزا الصين على أن تصبح منفتحة بشكل متزايد أمام إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. في 1990-1991 أقامت دول عديدة في الكتلة الشرقية -بما في ذلك الاتحاد السوفيتي- علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأصبح هذا هو العامل الحاسم الذي دفع الصين لاتخاذ القرار في النهاية. في يناير 1992 أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وبالتالي، رحبت الصين باتفاقات أوسلو في 1993. وزعمت صحيفة الشعب اليومية، على سبيل المثال، أن السلام بين فلسطين وإسرائيل صار ممكنًا الآن مع اتفاقات أوسلو. وحتى عندما خربت حكومة نتنياهو اليمينية عملية السلام في 1996 كانت وسائل الإعلام الصينية الرسمية لا تزال تعتقد أن "بذور السلام جرى زرعها بالفعل في قلوب الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي عن طريق اتفاقات أوسلو" وأن الرأي العام الإسرائيلي كان مؤيِّدا للسلام وضد الليكود ("الشرق الأوسط يطلب السلام" 1999). في تشرين الأول/أكتوبر 1993 -بعد أوسلو بشهر واحد- أصبح إسحاق رابين أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور الصين، وهذا يوضح أن بكين لم تكن فقط متفائلة بشأن مستقبل اتفاقات أوسلو وإنما أيضًا مقتنعة بأن تعميق العلاقة مع إسرائيل لم يعد مشكلة بالنسبة لعلاقة الصين بمنظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية.
رغم أن الصين أصبحت مع الوقت ملتزمة بما يسمى بحل الدولتين، فإنها لم تتخل أبدًا عن دعمها لفلسطين على الأقل من حيث الخطاب الدبلوماسي. في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 -وبعد إعلان عرفات قيام دولة فلسطينية بخمسة أيام- أعلنت الصين رسميًا اعترافها بدولة فلسطين وطورت من وضع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بكين إلى سفارة فلسطين في كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام. وفي كانون الأول/ديسمبر 1995 أقامت الصين رسميًا سفارتها لدى السلطة الفلسطينية في غزة، ثم نقلتها إلى رام الله في أيار/مايو 2004. وقد دُعي الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات على سبيل المثال إلى زيارة الصين 14 مرة خلال حياته، ومن الأمور المثيرة للدهشة أن معظم هذه الزيارات وقعت بعد 1980 (آخر زياراته للصين كانت في 2001). وحتى نهاية حياته، حافظ عرفات على صداقة شخصية وثيقة مع دينج شياو بينج ثم مع الرئيس الصيني چيانج تسي مين لاحقًا.
وكما ذُكر بالفعل، كان صناع السياسات الصينيون منذ بداية إصلاحات دينج في بداية الثمانينيات حتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مقتنعين بأن "الدبلوماسية يجب أن تخدم المصالح الاقتصادية وليس العكس". وبالتالي ركزت السياسة الخارجية الصينية بخصوص الشرق الأوسط أساسًا على التجارة، بينما ابتعدت عن قصد عن التورط في "قضايا" الشرق الأوسط. كما يعترف هوا ليمينج السفير الصيني السابق في إيران والإمارات العربية المتحدة: "في هذه الحقبة الشرق الأوسط منطقة مهمشة في مجمل الاستراتيجية الدبلوماسية للصين" (هوا: 2014: 8).
لكن منذ 2013 أحيت إدارة شي چين بينج الاهتمام السياسي بالشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية، فقد كانت مهتمة بتعزيز مكانة الصين الدولية كقوة عالمية. في 2013 عندما زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصين كل على حدة، اقترح شي تيسير حوار بين الطرفين لكن هذا المقترح تجاهله نتنياهو. وفي تموز/يوليو 2017 أعلن شي "مقترحه ذا الأربع نقاط" بخصوص "الصراع" والذي كان يشترك في نفس جوهر مقترح كيان كيتشين ذي النقاط الخمسة المعلن في 1988. "المقترح ذو النقاط الأربع" يؤكد أن الصين تدعم حل الدولتين وتدعم "دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة بناء على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية". علاوة على ذلك، يعيد المقترح التوكيد على أهمية حل المسألة الفلسطينية من خلال الحوار السياسي ويطالب بأن تتوقف إسرائيل "فوريًا عن كل أنشطة الاستيطان على الأراضي المحتلة وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334" ("ممثل الصين في الأمم المتحدة" 2017).
ولتعزيز مقترح شي ذي النقاط الأربع استضافت بكين "منتدى السلام بين فلسطين وإسرائيل" في كانون الأول/ديسمبر 2017. من الشخصيات البارزة من الجانبين التي شاركت في هذا المنتدى أحمد مجدلاني الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني ويحئيل "حيليك" بار نائب المتحدث باسم الكنيست الإسرائيلي.
في أيار/مايو 2021 أعاد وزير الخارجية الصيني وانج يي الحديث عن اهتمام الصين بدعوة ممثلي فلسطين وإسرائيل للدخول في حوار في بكين. وفي خطابه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
لم يؤكد وانج فقط على أن "المسألة الفلسطينية كانت دومًا محور المشاكل في الشرق الأوسط"، وإنما قال أيضًا لأول مرة إن "العالم لن يتحقق فيه السلام حقًا ما لم يستقر الشرق الأوسط". أصبحت كلمات وانج هي القاعدة في الخطاب الدبلوماسي الصيني حول فلسطين اليوم. هذا المنظور القائم على أن حل المسألة الفلسطينية أساسي للسلام العالمي تجب رؤيته كجزء من الإرث الأكبر لحقبة ماو وتشو حينما كانت القيادة الصينية تعتبر أن فلسطين هي التخوم التي تفصل آسيا وإفريقيا عن الإمبريالية الغربية. لكن على العكس من موقف الصين في الحقبة الماوية، فإن تردد الصين في أن تُرى كمنحازة لطرف من الأطراف قيَّد سياستها الخارجية.
من المهم توضيح أن الصين عبرت عن التزامها السياسي بالنضال الفلسطيني والدولة الفلسطينية (بما في ذلك السعي بلا هوادة لتصبح فلسطين دولة عضو في الأمم المتحدة ولتسهيل محادثات السلام- وإن كان بلا نجاح)، لكن الصين وإسرائيل دخلا بين عامي 2015 و2020 في شهر عسل موجز ازدادت فيه التجارة والاستثمارات. فمع تعرض العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لصعوبات بسبب عدوان إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة وعدائها للاتفاق النووي مع إيران، حاولت إدارة نتنياهو مغازلة الصين. زار نتنياهو الصين في 2017 ومدح أثناء هذه الزيارة العلاقات الثنائية باعتبارها "زواجًا عُقِدَ في السماء" وعبر عن اهتمامه بإمكانية الانضمام لمبادرة الطريق والحزام الصينية. أعلنت الحكومة الصينية أثناء تلك الزيارة عن إقامة "شراكة ابتكارية شاملة" مع إسرائيل. بعد ذلك بسبعة أشهر، استخدم نتنياهو نفس التشبيه بالضبط لوصف علاقة إسرائيل بالهند التي هي المنافس الجيوسياسي للصين. ولم تنضم إسرائيل فعليًا بشكل رسمي لمبادرة الطريق والحزام رغم إصرار الصين من طرف واحد على تسمية بعض البرامج الاستثمارية الصينية في إسرائيل -بما في ذلك ميناء خليج حيفا- كبرامج مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.
ورغم ذلك، عززت المصالح الاقتصادية -خاصة المتعلقة بالتقنيات العالية- اهتمام الصين المتنامي بإسرائيل.
علاوة على ذلك، علاقة الصين السيئة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء فترته الأولى (2017-2021) -والتي توقفت إبانها معظم قنوات الاتصال بين الصين والولايات المتحدة- دفعت الصين لتحاول دعوة إسرائيل لتلعب دور الجسر حتى يستمر التواصل مع الولايات المتحدة.
كان الاستثمار الصيني الأبرز والأكبر في إسرائيل أثناء هذه الحقبة هو ميناء خليج حيفا أو ميناء حيفا الجديد. ففي 2015 وقعت مجموعة شانغهاي الدولية للموانئ (SIPG) وهي شركة صينية مملوكة للدولة اتفاقا مع إسرائيل بموجبه حصلت على حقوق تشغيل ميناء خليج حيفا لمدة 25 سنة تبدأ في 2021. أُعلِن عن هذا الاتفاق على نطاق واسع في 2018، ونُظر إليه وقتها على أنه بداية مبادرة الطريق والحزام في الشرق الأوسط، وما زال قائمًا قانونيًا حتى اليوم. وفي 2023 كانت 80٪ من حاويات الشحن التي في ميناء خليج حيفا إسرائيلية (Lavi 2024). الصورة المزدهرة لمشروع ميناء حيفا الذي تقوم الصين بتشغيله -كما طرحت أعلاه- ستتدمر بسرعة في حرب غزة. فالصين تدفع حاليًا الكلفة الباهظة لسوء تقديرها لإمكانية استدامة شهر العسل بينها وبين إسرائيل.
مراجعة السياسة الخارجية للصين منذ الثمانينيات حتى اليوم تجعل المرء يلاحظ أن الصين كانت تصارع وتتذبذب بين مبادئها المناهضة للإمبريالية الموروثة من الحقبة الماوية ومصالحها الاقتصادية الحالية. فمن ناحية، لا يزال تصور الصين لفلسطين متأثرًا بشكل كبير بإرث ماو ولا تزال ترى فلسطين كساحة مناهضة للاستعمار تعزل آسيا وإفريقيا عن الإمبريالية الغربية. لكن من ناحية أخرى، تتمحور سياسة الصين بخصوص الشرق الأوسط في ما بعد الحقبة الماوية في جوهرها حول الاقتصاد، وبالتالي لا ترغب الصين في التخلي عن تجارتها مع إسرائيل. التضامن السياسي مع فلسطين والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل يخلقان تناقضًا في السياسة الخارجية للصين، واختيار الصين هو ببساطة أن تعلن نفسها صديقة للجانبين وتسعى لتقديم نفسها كوسيط محتمل.
كانت الصين قادرة على إدارة هذا التناقض في سياستها الخارجية وتعزيز علاقتها بفلسطين وإسرائيل كل على حدة في الفترة من 1992 حتى 2023 حيث كان المجتمع الدولي يحتفظ ببعض الأمل في الحوار والحل القائم على الدولتين. فمن منظور الحكومة الصينية، علاقتها الدبلوماسية والتجارية بإسرائيل لم تمثل عائقًا أمام صداقة الصين التقليدية بالسلطة الفلسطينية ولم تُعق الصين عن الحديث بشكل واضح دعمًا لدولة فلسطين في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة.
لكن الحفاظ على صورة الصين كـ"صديق مشترك لكل من فلسطين وإسرائيل" أصبح غير ممكن بدرجة متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب عاملين رئيسيين. العامل الأول هو أن هذا المنهج يقوم إلى حد كبير على افتراض وجود عملية مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي استمرت منذ التسعينيات إلى بداية الألفية. لكن مع استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة تفاقم التوتر وصار حل الدولتين مستحيل التحقيق تقريبًا، وبالتالي يبدو إيمان الصين بهذا الحل منفصلا تمامًا عن الواقع على الأرض. العامل الثاني هو أن هذا المنهج في السياسة الخارجية يقوم على طريقة تكوين علاقات الصين بالشرق الأوسط منذ تسعينيات القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة التي انحصر فيها اشتباك الصين مع المنطقة إلى حد كبير في الجانب الاقتصادي، ولم تكن الصين ترغب في أن تمارس أي تأثير سياسي في المنطقة. لكن منذ 2013 رغبت الصين من ناحية أن تعزز سمعتها الدولية في العالم النامي عن طريق إعادة إحياء تضامنها التاريخي مع فلسطين، لكن من ناحية أخرى الاستثمارات الصينية في إسرائيل نمت بسرعة من عام 2015 إلى عام 2023 من خلال مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، ازداد التناقض بين الأجندة السياسية والأجندة الاقتصادية في سياسة الصين حيال الشرق الأوسط بشكل لا يمكن تجنبه في السنتين الأخيرتين وأصبحت محاولات الصين الاستمرار في موقفها الذي تراه "متوازن" غير ممكنة.
منذ بدايات الألفية إلى عام 2023 كثفت إسرائيل عدوانها وقمعها للشعب الفلسطيني. ومن الأحداث شديدة الأهمية في هذا الصدد الانتفاضة الثانية من 2000 والغزو الإسرائيلي للبنان الذي بدأ في 2006 والحروب الإسرائيلية على غزة في 2008-2009 و2012 و2014 و2021 ومسيرة العودة الكبرى في 2018-2019 والقمع الإسرائيلي للاحتجاجات الفلسطينية في 2021 وحرب الإبادة على غزة في 2023. في كل من هذه الأحداث كانت الصين تطلق عدة بيانات دبلوماسية تنتقد أفعال إسرائيل، لكن كافة الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل لم يكن لها أي تأثير على تجارة الصين معها. بل نمت علاقات الصين الاقتصادية مع إسرائيل بشكل هائل خلال هذين العقدين، وهذه الحقيقة تدفع العالم الخارجي للتشكك المتزايد في صدق الدعم الذي تدعي الحكومة الصينية أنها تقدمه لتحرير فلسطين.
هذا التناقض في السياسة الصينية حيال الشرق الأوسط مصيره أن يدفع البلاد لإعادة النظر في منهجها غير المستدام هذا. فالواقع الذي يزداد صعوبة على الأرض المحتلة بفلسطين سيؤدي في النهاية لا محالة إلى انفجار فقاعة الوهم الخادع الموروث من فترة عملية السلام القصيرة خلال تسعينيات القرن العشرين وأول الألفية، ويجبر الصين على التخلي عن هدفها غير الواقعي المتمثل في التآخي مع كلا الجانبين. فمنذ الإبادة الإسرائيلية في غزة تفاقم هذا التناقض في السياسة الخارجية الصينية حتى وصل لدرجة غير مسبوقة مع تهديد إسرائيل بالإضرار بالاستثمارات الصينية إن استمرت الصين في دعمها الدبلوماسي لفلسطين.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby
الصراع الدبلوماسي والدعاية الإسرائيلية والبناء العضوي للرأي العام الصيني: كيف كان رد فعل الصين على الإبادة الجماعية لغزة؟
هذه العلاقات الثنائية التي بدت واعدة بين الصين وإسرائيل من 2015 إلى 2020 أدت لوجود أصوات داخل المجتمع الصيني وداخل المجتمع الإسرائيلي تدعو لتعاون استراتيجي أكبر بين الدولتين. لكن ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 -وخاصة ما تلاه من قيام إسرائيل بقصف غزة- دمر بشكل لا رجعة فيه إمكانية الاستمرار بالشكل المعتاد.
بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر مباشرة طلبت الحكومة الإسرائيلية من الصين إدانة عملية طوفان الأقصى وإدراج حماس كمنظمة إرهابية، لكن الأمر المثير للدهشة أن الصين رفضت هذا الطلب. لم تقبل الحكومة الصينية السردية الغربية الإسرائيلية التي تصور السابع من تشرين الأول/أكتوبر على أنه بداية التاريخ. بل إن الصين تراه واحدًا من المآسي الكثيرة للصراع "العربي الإسرائيلي" الطويل الموروث من الحكم الاستعماري البريطاني. وتبقى جمهورية الصين الشعبية -كنظام نشأ من استراتيجية "الحرب الشعبية" الماوية وحرب العصابات والكفاح المسلح ضد الاستعمار- متعاطفة بشكل جوهري مع قوى حروب العصابات الأخرى في دول الجنوب. ومثلما كانت الصين في حقبة ماو أول قوة غير عربية في العالم تدعم منظمة التحرير الفلسطينية بشكل كامل، رفضت الصين في حقبة ما بعد ماو أيضًا بشكل لا لبس فيه اعتبار أي من منظمات المقاومة الفلسطينية -بما في ذلك حماس- منظمات إرهابية. فحتى في وقت مبكر مثل عام 2003 -في الفترة التي كانت الصين فيها أكثر ميلا للغرب من الآن وكانت معتمدة بدرجة كبيرة على إسرائيل في شراء التقنيات المتطورة والمعدات العسكرية- امتنعت وكالة أخبار شينهوا الصينية الرسمية عن الإشارة لحماس بأنها "منظمة إرهابية" في تقريرها عن مقابلة صحفية صينية مع الشيخ أحمد ياسين. وفي 2016 -في ظل الإدارة الحالية- هذا الميل أصبح مؤسسيًا فقد أمرت وكالة أخبار شينهوا كل وسائل الإعلام الصينية بـ"ألا تشير إلى حماس بالمنظمة الإرهابية أو المتطرفة" ("الكلمات الممنوع استخدامها" 2016).
أفضل وثيقة تشرح الموقف الرسمي لجمهورية الصين الشعبية بخصوص حق الفلسطينيين في المقاومة -بما في ذلك من خلال الكفاح المسلح- هي بيان ما شينمين (المدير العام لإدارة المعاهدات والقوانين بوزارة الخارجية والسفير الصيني السابق في السودان) في محكمة العدل الدولية في 22 شباط/فبراير 2024. في الجلسة العامة بلاهاي قال ما شينمين ما بشكل لا لبس فيه:
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ينبع من الاحتلال الإسرائيلي الطويل للأراضي الفلسطينية والقهر الإسرائيلي الطويل للشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني يكافح ضد القمع الإسرائيلي، ونضالاته لاستكمال إقامة دولة مستقلة على الأراضي المحتلة هي أفعال عادلة تمامًا من أجل استعادة حقوقه المشروعة (Ma Xinmin 2024).
استشهد ما بمواد عديدة من القانون الدولي، وقال إن "الكفاح الذي تشنه الشعوب من أجل تحررها وحقها في تقرير المصير بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاستعمار والاحتلال والعدوان والهيمنة في مواجهة القوى الأجنبية يجب ألا يُعتبر أعمالًا إرهابية" وإن "الكفاح المسلح في هذا السياق يختلف عن أفعال الإرهاب، ومؤسس في القانون الدولي. هذا الاختلاف تعترف به العديد من الاتفاقيات الدولية". وأعلن أيضًا أن "استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة القهر الأجنبي واستكمال إنشاء دولته المستقلة حق لا تفريط فيه وله أساسه الراسخ في القانون الدولي من أجل حق الشعب في تقرير المصير"(Ma Xinmin 2024) .
بيانُ ما في لاهاي هو أكثر وثيقة معبرة عن الموقف الواضح للحكومة الصينية من الكفاح المسلح للفلسطينيين ومنظمات المقاومة في فلسطين وهو واحد من وثائق كثيرة. ومن خلال هذه البيانات العديدة المؤيدة لفلسطين، تدعو الصين مرارا إسرائيل للوقف الفوري لإطلاق النار منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. كذلك، تصوت الصين باستمرار دعمًا لفلسطين في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أثبتت جمهورية الصين الشعبية للعالم أنها لم تتخل عن تقليدها الدبلوماسي المناهض للاستعمار وتضامنها مع فلسطين الذي تَشكَّل في الستينيات والسبعينيات على أيدي ماو وشو. ورغم أن الصين حاليًا ليس لديها بعدُ العزيمة الكافية لاتخاذ جهود إضافية مثل الالتحاق رسميًا بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ورغم أنها لم تستخدم بعدُ بشكل مباشر كلمة "إبادة جماعية" لتوصيف جرائم إسرائيل في غزة في الوثائق الدبلوماسية الرسمية، فإن الصين أثبتت للعالم أنها على الأقل ليست مستعدة للبقاء صامتة أو لعب دور الشريك لإسرائيل في هذه الإبادة الجماعية المستمرة كما يفعل الغرب (الولايات المتحدة وألمانيا على وجه الخصوص).
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 عبرت بعثة الصين في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية عن نقدها الشديد لقيام إسرائيل بقتل المدنيين في فلسطين ولبنان. ورغم المعارضة العنيفة والضغط الدبلوماسي الذي قامت بهما إسرائيل لم تغير الصين موقفها. علاوة على ذلك، لم تتخل الصين عن إيمانها بتيسير الحوارات. ونظرًا للاستحالة الواضحة لتيسير حوار بين فلسطين وإسرائيل في الموقف الحالي، حاولت وزارة الخارجية الصينية تيسير حوارات بين الفصائل السياسية الفلسطينية المختلفة. في 17 آذار/مارس 2024 قابل السفير وانج كيچيان المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط إسماعيل هنية الذي كان حينها رئيس المكتب السياسي لحماس. لم يُنشَر عن هذا الاجتماع الكثير من التفاصيل في الصحافة لكن يُرجَح أن وانج قدم فيه دعوة رسمية لدبلوماسيين من حماس للقدوم إلى بكين. فبعد أقل من شهر واحد، وصل إلى الصين ممثلون عن حماس وتفاوضوا مع نظرائهم من فتح. لا يعرف العالم تفاصيل هذا الاجتماع المنعقد في نيسان/أبريل والذي كان على الأرجح غير ناجح حيث إن كلا الفصيلين لم ينشر عنه أي بيان.
لكن بعد ذلك بثلاثة شهور، بدأت في 23 تموز/يوليو 2024 جولة أخرى من المفاوضات في بكين قام في نهايتها 14 فصيلا سياسيا من فلسطين -في مقدمتهم ممثلو فتح وحماس- وفي وجود وزير الخارجية الصيني وانج يي بالتوقيع على بيان مشترك عُرف بإعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية. يقول البيان إن الفصائل ستتعاون على "تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة للمصالحة الوطنية تركز على إعادة الإعمار بعد الصراع في غزة" (“Palestinian Factions Sign Beijing Declaration on Ending Division and Strengthening Palestinian National Unity,” 2024).
الواقع أن أهمية إعلان بكين رمزية فقط، ولا يمكنه تحقيق الوحدة الفلسطينية أو إيقاف الحرب الجارية في غزة. لكن من المهم توضيح الفرق الكبير الحاصل، فبعد الحفل الختامي لإعلان بكين بيوم واحد وقعت واحدة من أشد اللحظات خزيًا في عصرنا على الجانب الآخر من المحيط الهادي. فقد قدم نتنياهو خطابًا استمر لـ56 دقيقة في الكونجرس الأمريكي في 24 تموز/يوليو 2024 وحصل أثناءه على قدر هائل من التصفيق والتحيات بشكل جعل باقي العالم مصدومًا من الدعم غير المشروط والمتحمس الذي قدمه الكونجرس الأمريكي لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
وكما هو متوقع، جر الدعم الدبلوماسي الصيني للفلسطينيين الصين إلي نزاع دبلوماسي مع إسرائيل. كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية عبرت مرارًا -منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر- عن إحباطها وغضبها من رفض الصين إدانة عملية طوفان الأقصى، ولوحظت عدة وقائع من الجدل الشديد بين الدبلوماسيين الصينيين والإسرائيليين في القنوات الدبلوماسية الثنائية والبيانات العامة واجتماعات الأمم المتحدة.
استهدفت إسرائيل أيضًا ميناء خليج حيفا الذي تملكه الصين في محاولة منها للضغط عليها. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 قللت الشركة الصينية التي تقوم بتشغيل الميناء بشدة من حجم التجارة الخاصة بها بسبب المخاطر الأمنية الناتجة عن الحرب. وفي كانون الثاني/يناير 2024 -بعد أزمة البحر الأحمر- توقفت الشركة الصينية تمامًا عن العمل. هذه المسألة صوَّرتها (واي نت) -وهي قناة إعلامية تعبر عن التيار السائد في إسرائيل- على أنها "الشركة الأولى والوحيدة التي تقوم بقطع علاقاتها التجارية مع الموانئ في إسرائيل" (Azulay 2024). وفي كانون الثاني/يناير 2024 طالب رئيس ميناء أشدود الذي تديره الحكومة الإسرائيلية بأن تنهي الحكومة تعاملاتها مع الصين بسبب رفضها دعم الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة وزعم أنها متواطئة في فرض حظر بحري فعلي على إسرائيل (Rabinovitch and Saul 2024).
لم تقطع الحكومة الإسرائيلية رسميًا حتى الآن اتفاقها مع الصين بخصوص ميناء خليج حيفا الموقع منذ 25 عامًا. لكن يمكن للمرء أن يرى بوضوح أن مستقبل هذا الاستثمار الصيني مظلم بالنظر للتوترات الدبلوماسية الشديدة بين الصين وإسرائيل على مدار العام الماضي، ولأن ميناء حيفا كان هدفا مرجحًا جدًا لضربات حزب الله في لبنان. ويمكن القول إن هذا المشروع هو أكبر خطأ في استثمارات مبادرة الطريق والحزام في المنطقة حتى الآن.
بالإضافة إلى ممارسة الضغط الدبلوماسي والتهديد بغلق ميناء خليج حيفا، شنت إسرائيل أيضًا حملة ضخمة على منصات الإنترنت الصينية للتأثير في الرأي العام في الصين.
في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 -أي بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى بيوم واحد- نشر الحساب الرسمي للسفارة الإسرائيلية على ويبو (منصة صينية للتواصل الاجتماعي شبيهة بمنصة إكس) وحسابات القنصليات الإسرائيلية في شنجدو وجوانجتشو على ويبو أيضًا منشورات تؤكد أن نوا أرجاماني (إحدى الرهائن المخطوفات في الهجوم) نصف صينية. ولتأجيج المشاعر الوطنية لدى مستخدمي الإنترنت الصينيين، نشرت السفارة الإسرائيلية أيضًا عن عمد معلومات مغلوطة تزعم أن أرجماني ولدت في بكين12 وهو ما جرى دحضه لاحقًا من قبل لي شونهونج والدة أرجماني (واسمها الإسرائيلي ليورا أرجماني). أغرقت منشوراتٌ عديدة داعمة لإسرائيل منصة ويبو ترديدًا لمزاعم السفارة الإسرائيلية، والكثير منها اتسم بشكل واضح بسمات الإغراق الالكتروني المنظَّم، وحاولت هذه المنشورات تعزيز المعلومة المغلوطة بأن أرجماني مواطنة صينية. وخلال الفترة من 9 تشرين الأول/أكتوبر حتى 26 كانون الأول/ديسمبر، أكدت القنصلية الإسرائيلية في شنجدو على الأصل الصيني لأرجماني بل حاولت التزلف بشكل مباشر لمشاعر الجماهير الصينية. فعلي سبيل المثال نشرت القنصلية منشورًا في يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر صور نتنياهو كرجل محترم رقيق انفطر قلبه من خبر معاناة والدة أرجماني من السرطان حتى أنه قرر "الالتماس بشكل مباشر للسفير الصيني في إسرائيل ليقدم طلب المساعدة متجاهلًا البروتوكولات والمعايير الدبلوماسية".13
رغم أن الحملة الدعائية للسفارة الإسرائيلية لم تنجح في كسب تأييد غالبية مستخدمي الإنترنت الصينيين، فإنها سببت ضغطًا عامًا حقيقيًا على الحكومة الصينية. منذ عام 2011 كانت الحكومة الصينية تؤكد على حماية وإجلاء المواطنين الصينيين بالخارج أثناء الأزمات معتبرةً ذلك عنصرًا هامًا في أجندة الدعاية الداخلية للصين. ومن ثم، فإنَّ خطف مواطن صيني رهينة على أيدي كيان ترفض الصين أن تدينه كان سيصبح مدمرًا لصورة الحكومة الصينية داخليًا. علاوة على ذلك، تفضل الحكومة الصينية عادةً التعامل مع مثل هذه الأمور عبر القنوات الدبلوماسية الحصرية بدون الإعلان عنها. لكن حملة الدعاية الإسرائيلية اضطرت الحكومة الصينية لتناول الموضوع بشكل مباشر في القنوات العامة. لكن سخرية القدر تمثلت في أن هذه المحاولة لتأجيج المشاعر الوطنية للصينيين لتحريضهم ضد حكومتهم تحطمت بسرعة بسبب المشاعر الوطنية نفسها التي حاولت إسرائيل التلاعب بها. فعندما سُئِلت لي شونهونج في إحدى المقابلات إن كانت هي أو ابنتها مواطنات صينيات ردت بأسلوب متعجرف جدًا مستفزةً مستخدمي الإنترنت الصينيين: "أجل أنا مواطنة إسرائيلية. لكن كيف يمكن أن ترفضوا أيها الصينيون مساعدتي لمجرد أنني مواطنة إسرائيلية؟ هل تفهمون؟ مساعدتي واجب على الجميع" (مقابلة مع لي شونهونج، 2023). استخدامها لتعبير "أيها الصينيون" في الجملة استفز غضبًا هائلًا لدى مستخدمي الإنترنت الصينيين وتلاشى اهتمام الصين بهذه المسألة تمامًا.
بعد استفزاز المشاعر الوطنية عن طريق نشر معلومات مغلوطة، حاولت السفارة الإسرائيلية أيضًا استخدام أشكال عديدة من الدعاية على الانترنت. وكانت الاستراتيجية الأكثر استخدامًا ببساطة هي انتقاد الموقف الدبلوماسي للصين علانية وترويج السردية الإسرائيلية على منصة ويبو. في 14 تشرين الأول/أكتوبر على سبيل المثال قامت السفارة الإسرائيلية بالتعبير عن "إحباطها العميق" من موقف السياسة الخارجية الصينية بل وانتقدت أيضًا قيام وزارة الخارجية الصينية بذكر الإصابات الكبيرة بين المدنيين في غزة باعتبارها "معلومات مغلوطة لا تتسق مع المآسي والمخاوف التي عانت منها إسرائيل في الأيام الأخيرة".14 ولا تزال تنشر منشورات شبيهة حتى الآن.
بالإضافة إلى نشر معلومات مغلوطة وانتقاد الحكومة الصينية بشكل علني، نشطت السفارة الإسرائيلية في بكين بشدة في ترويج المعلومات المؤيدة لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، استخدمت إسرائيل طرح "النسوية الاستعمارية" الكلاسيكي لتحسين صورتها باستخدام الخطاب النسوي باعتبارها الدولة "المتحضرة" والصديقة الوحيدة للنساء في المنطقة. في يوم المرأة العالمي لعام 2024 على سبيل المثال نظمت القنصلية الإسرائيلية في شنغهاي ويبنار يربط حقوق النساء بهجمات السابع من أكتوبر.15
نشطت السفارة الإسرائيلية أيضًا في التعاون مع أنصارها في الانتلجنسيا الصينية لتجميل صورة جرائم الحرب في غزة. النموذج الأكثر إدهاشًا لهذا النوع من الدعاية هو التصريح المثير للجدل لـ(ين جانج) وهو باحث صيني كبير في السن وذو مكانة كبيرة عمل نائبًا للأمين العام للجمعية الأكاديمية للشرق الأوسط والصين القريبة من الدولة. نصح ين جانج الجماهير الصينية على التلفزيون بأن "تنظر للشرق الأوسط بعين محايدة"، ووجه اللوم للفلسطينيين لأنهم "يبيعون الدموع باحترافية للعالم" وزعم أنه "وفقا لتحقيق متعمق قمت به، لم يمت ولا شخص واحد في قصف المستشفى العربي الأهلي". وسخر في نفس المقابلة أيضًا من شأن الجماهير الصينية قائلا: "لا تبكوا على غزة حين يخبرونكم بعدد قتلى مزيف ويدعون أن ١٠ آلاف مدني قد ماتوا لأن هذا الرقم مبالغ فيه عشر مرات على الأقل" ("دعونا لا نتحدث" 2023). بعد ذلك بثمانية أشهر -وبعد التعرض لانتقاد مستمر من قبل مستخدمي الإنترنت الصينيين لقيامه بغسيل سمعة جرائم الحرب الإسرائيلية- مات ين فجأة بسبب أزمة قلبية. فنشرت السفارة الإسرائيلية على الفور بيانًا يصفه بأنه "صديق قديم يتبنى موقفا عادلا وموضوعيا من شؤون الشرق الأوسط"،16وهو ما يراه الكثير من مستخدمي الإنترنت الصينيين دليلًا على علاقة ين بالحكومة الإسرائيلية.
بعد مراجعة حملة الدعاية واسعة النطاق التي روجتها السفارة الإسرائيلية في الصين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 لا يسع المرء إلا أن يتسائل: هل نجحت هذه الحملة في إقناع غالبية الشباب الصيني؟ الإجابة بالقطع لا. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت الأغلبية الساحقة من المواطنين الصينيين مؤيدة للنضال الفلسطيني بكل السبل بما في ذلك الكفاح المسلح. وقد وصف الكثيرون من مستخدمي الإنترنت الصينيين الشباب بلغة شاعرية جدًا المقاتلين الفلسطينيين الذين نزلوا بالباراشوت في عملية طوفان الأقصى بأنهم "مقاتلي الهندباء" لسببين: أولا الباراشوت الطائر في السماء يبدو مثل بذور الهندباء الطائرة. وثانيا بذور الهندباء تستطيع أن تنمو أينما تحط، ومن ثم تشبه حيوية هذا النبات مقاومة الشعب الفلسطيني.
توجد على بيلي بيلي (أكثر المواقع انتشارًا بين الشباب الصيني لنشر الفيديو على الإنترنت) الكثير من مقاطع الفيديو التي صنعها صينيون للاحتفاء بـ"مقاتلي الهندباء". بعض الفيديوهات الأكثر انتشارًا
حصلت على أكثر من مليون مشاهدة لكل فيديو وعناوينها مكتوبة بلغة شاعرية وجميلة جدًا ولها قدرة هائلة على الشحن العاطفي: "أماه، لقد تحولتُ لهندباء وطرتُ عائدًا إلى الوطن" – "الهندباء لا تموت أبدا. بل تطير إلى مكان بعيد يسمى الوطن" – "كبر الأطفال من بين حطام المدينة وصاروا الآن بذور هندباء طارت نحو الوطن الذي ضاع من أسلافهم لأجيال".17
خلال العام الماضي، أظهر مستخدمو الإنترنت الصينيون اهتمامًا كبيرًا بالتعلم عن فلسطين. يمكن رؤية صور غزة في كل مكان في دوين (التيك توك الصيني)، ويكرس الكثيرون من صناع المحتوى على الانترنت جهدهم لصنع فيديوهات تُعرف الجمهورَ بتاريخ الكفاح الفلسطيني أو تَعرض تطورات الحرب. وهناك أشخاص يتخصصون في تقديم الفيديوهات التي تنشرها قوى المقاومة الفلسطينية على الانترنت الصيني وتحليل هذه الفيديوهات للجمهور.18 بل أن البعض تطوع بعد وفاة يحيى السنوار لترجمة روايته (الشوك والقرنفل) إلى اللغة الصينية احتفاء به.19
اتصل عدد هائل من المواطنين الصينيين بالسفارة الفلسطينية في بكين عبر ويبو يريدون التبرع للناس الذين يعيشون في فلسطين. وعلى العكس، كُتبَت أعداد هائلة من التعليقات الناقدة على موقع السفارة الإسرائيلية وهو ما دمر كل جهود الدعاية التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية. ومن المثير للسخرية أن ما يسمى بـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" لم تستطع تحمل تعبير مستخدمي الإنترنت الصينيين عن آرائهم بشكل ديمقراطي عن فلسطين، فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 أغلقت الحكومة الإسرائيلية التعليقات على ويبو وسمحت فقط بعرض التعليقات المؤيدة لإسرائيل. وبالمقارنة، حساب السفارة الفلسطينية في بكين على ويبو -رغم أنه يشهد أحيانًا تعليقات عدائية أيضًا- لم يغلق أبدًا التعليقات أو يفرض عملية مراجعة واختيار كما تفعل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
من المهم التأكيد على أن وزارة الخارجية الأمريكية تحظر تشبيهَ السياسة الإسرائيلية بسياسة ألمانيا النازية باعتباره شكلا من أشكال "معاداة السامية" (“Defining Antisemitism” 2016)، لكن الشعب الصيني – أكبر ضحايا الفاشية اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية- لم يستطع أن يمتنع عن مقارنة الإبادة الجماعية في غزة بالمذبحة اليابانية للمدنيين الصينيين. وفي الواقع، خبرة الشعب الصيني التاريخية من التعرض للغزو هي بالضبط سبب شعوره بالتقارب الطبيعي مع الفلسطينيين. ولهذا كثيرًا ما يقول مستخدمو الإنترنت الصينيون إن "ماضي الصين هو حاضر فلسطين" أو "فلسطين تبدو مثلنا منذ مائة عام". ولهذا السبب يحب مستخدمو الإنترنت الصينيون الإشارة إلى مقاتلي المقاومة الفلسطينية بـ"لاو شيانج" أو (أخوتنا الفلاحين) والذي كان تاريخيًا التعبير المستخدم لوصف مقاتلي حرب العصابات الصينية أثناء الحرب العالمية الثانية.
نشرت (صوت أمريكا) وهي منصة دعائية تملكها الدولة الأمريكية مقالًا عن "معاداة السامية" المزعومة لدى مستخدمي الإنترنت الصينيين، لكن حتى صوت أمريكا اضطرت للاعتراف على مضض بأن الكثير من الصينيين وجدوا المقاومة الفلسطينية شبيهة بالجيش الموحد ضد اليابان في الشمال الشرقي، وهو قوة حرب عصابات صينية قاومت باستبسال الاحتلال الياباني لأربعة عشر عامًا حتى الانتصار النهائي (Ma Wenhao, 2023). في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أصدرت السفارة الألمانية في بكين بيانًا وقحا بشكل لا يصدق أسمت فيه حرفيًا كل المواطنين الصينيين الذين يقارنون إسرائيل بألمانيا النازية بأنهم "إما حمقى جهلاء أو أوغاد وقحون". لكن السفارات الإسرائيلية والألمانية والأمريكية في الصين عرفت بسرعة وبطريقة مؤلمة أن التعليقات على حساباتهم على ويبو امتلأت بالنقد الغاضب من مستخدمي الإنترنت الصينيين الذين استمروا في مقارنة جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها ألمانيا النازية واليابان الفاشية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
من الأمور المثيرة للاهتمام أن الدولة الصينية برغم عدم تبنيها هذه المقارنة في البيانات الرسمية أو الوثائق الحكومية أبدًا بشكل مباشر فإنها قد أظهرت تعاطفًا ضمنيًا مع هذه المقارنة. أذاعت (تشاينا ديلي) وهي وكالة إعلامية رسمية للدولة مقابلة مع فريز مهداوي سفير فلسطين في الصين قارن فيها الشعب الفلسطيني اليوم بالمدنيين الصينيين في نانچينج الذين عانوا تحت الاحتلال الياباني في الحرب العالمية الثانية ("السفير الفلسطيني في الصين" 2023). بل أن شوي چيان القنصل العام الصيني في أوساكا باليابان نشر رسمة لرسام شاب يسمى تشو شيچي على حسابه الرسمي على تويتر تشبه بوضوح الجنود الإسرائيليين بالفاشيين اليابانيين الذين ذبحوا الأطفال الصينيين في الحرب العالمية الثانية. 20
الصورة التي على اليسار هي منشور القنصل العام شوي چيان على تويتر، وتلك التي على اليمين هي الرسم الأصلي للفنان الصيني الذي ينشر أعماله على الإنترنت تشو شيچي.

Illustration by Fourate Chahal El Rekaby
من القصور الذاتي التاريخي إلى التضامن العضوي: النقاش حول غزة كأمل للتضامن الصيني الفلسطيني في المستقبل
مراجعة الموقف المعاصر للسياسة الخارجية للصين بخصوص فلسطين توضح للمرء بجلاء التناقض بين إرثين مختلفين: الإرث الأول خلقته الروح الثورية والراديكالية للحقبة الماوية، وهذا الإرث الماوي هو بالضبط ما يضمن أن يظل دعم التحرر الفلسطيني مبدأ سياسيًا لدى الحكومة الصينية والمجتمع ككل. الإرث الثاني هو ما يسمى بـ"المنهج المتوازن" في حقبة ما بعد الإصلاح الذي أصبح ممأسسا منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وهذا الإرث يدفع الحكومة الصينية أساسًا إلى ألا ترى علاقتها بإسرائيل كتهديد للعلاقات بين الصين وفلسطين أو كعائق أمام دعم الصين لحل الدولتين.
لا ترغب الإدارة الحالية للصين في الاختيار بين ماضيها الماوي وحاضرها ما بعد الماوي (ولا ترغب في هذا في أي مجال آخر)، وتحاول ببساطة تجاهل التناقض بين المنهجين عن طريق وضع الاختلافات جانبًا والتوكيد على الأرضية المشتركة. ولهذا، تبدو ردود فعل الصين على الإبادة الجارية في غزة مختلطة. فمن ناحية، تحدثت الدولة الصينية بشكل لا لبس فيه ضد إسرائيل في كل المحافل الدولية وأوضحت بجلاء -على خلاف الغرب- أنها تدعم الشعب الفلسطيني في استخدام كل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي حين تعمل كل القوى الغربية الكبرى تقريبًا على قمع الأصوات المؤيدة لفلسطين بشكل فعلي عن طريق وصمها بـ"معاداة السامية"، الدولة الصينية ليست فقط متسامحة مع تعبير مستخدمي الانترنت الصينيين الأصيل عن رغبتهم في تحقق العدالة لفلسطين بل تشجع هذا التعبير وتتفاعل معه إلى حد كبير.
لكن صحيح أيضًا أن دعم الصين لفلسطين يبدو مدفوعًا بقصور ذاتي تاريخي موروث من الحقبة الماوية، وقد فاتت الصينَ إلى حد كبير التطوراتُ الجديدة لحركة التضامن العالمية مع فلسطين. فكما طُرح أعلاه، الصين واحدة من أوائل البلاد في العالم التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين وكانت في وقت ما في طليعة حركة التضامن العالمية من أجل فلسطين. ورغم أن الصداقة التاريخية للصين مع منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال حقيقية حاليًا، فإن الدولة الصينية أصبحت في العقدين الأخيرين بعيدة تمامًا عن الاتجاهات العالمية الجديدة وليست على دراية بها مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. فشلت الانتلجنسيا الصينية أيضًا في بناء شبكات تضامن مثمرة للدبلوماسية الشعبية مع المثقفين الفلسطينيين في فلسطين أو الشتات حول العالم.
بسبب عدم فهم الموقف على الأرض وعدم الاستعداد للمخاطرة بتجارتها مع إسرائيل، لم تكن الحكومة الصينية مستعدة لقبول الحقيقة المؤلمة بأن حل الدولتين يصير أكثر فأكثر غير ممكن، وأن هدف الصين في أن تصبح صديقا مشتركا لكل من فلسطين وإسرائيل، لم يعد مناسبًا لواقع يواجه فيه الفلسطينيون تهديدات وجودية. لقد بذلت الدولة الصينية الجهود لدعم فلسطين في المنابر الدبلوماسية في مواجهة الإبادة المستمرة في غزة، لكنها لم تدرك ضرورة التبني الرسمي لكلمة "الإبادة" لتعريف جرائم إسرائيل في غزة. صحيحٌ أن الصين تدعم رسميًا مقاضاة جنوب إفريقيا للإبادة الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية، لكنها لم تستخدم هذا المفهوم بشكل مباشر في وثائقها الدبلوماسية.
علاوة على ذلك، كانت الحكومة الصينية مهووسة تمامًا بعقد الحوارات في المنتديات الدبلوماسية الخاصة بها في بكين كسبيل لتعزيز سمعتها في العالم، ولم تدرك بشكل كامل أن إتهام إسرائيل من خلال منابر قانونية دولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية كما فعلت جنوب إفريقيا قد يكون بالفعل أفضل سبيل لخلق صورة ذات سمعة جيدة للصين. أخيرا -والأكثر أهمية- من المؤسف حقًا أن الدولة الصينية لا تعرف سوى القليل جدًا عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ولا يوجد أي نقاش تقريبًا داخل الحكومة أو في المجتمع عن إمكانية انضمام الصين أو المؤسسات الأكاديمية الصينية للحركة.
علاوة على ذلك، فترة دونالد ترامب الثانية على الأرجح ستعيق الصين عن القيام بأي تقدم ملموس في دعم فلسطين يتجاوز نشر بيانات دبلوماسية وعقد حوارات. لقد كانت بكين مدركة -كما ذُكر أعلاه- لموقف ترامب المساند لإسرائيل بقوة، وكانت مهتمة سابقًا باستخدام إسرائيل كجسر محتمل للتواصل الصيني الأمريكي في فترة ترامب الأولى. وحيث إن شهر العسل بين بكين وإسرائيل قد انتهى بالفعل مع التوترات الدبلوماسية هذا العام، فإن بكين قد تخلت غالبًا بالفعل عن هذا الوهم المتمثل في دعوتها إسرائيل كوسيط. لكن موقف ترامب المساند لإسرائيل بقوة سيثبط بكين أيضًا عن اتخاذ خطوات قوية ضد إسرائيل في مجال التجارة. وبالنظر لرد الفعل الصيني على اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل في 2017 يمكن لنا أن نتوقع أنْ تتْبَع الصين نفس المنهج: من ناحية ستتخذ الصين دعم ترامب الأعمى لجرائم إسرائيل كفرصة لنشر المزيد من البيانات الدبلوماسية واستضافة المزيد من الحوارات دعمًا لفلسطين كمسألة شكلية لتعزيز صورة دولية أفضل للصين، لكن من ناحية أخرى ستحرص الصين على ألا تتورط في النضالات المسلحة الفلسطينية أو اللبنانية أو أي حملات مقاطعة اقتصادية ضد إسرائيل حتى تتجنب التسبب في أي مشاكل إضافية للعلاقات الصينية الأمريكية السيئة.
رغم ذلك، يمكننا أن نبقى متفائلين بحذر بخصوص مستقبل الدور الصيني في حركة التضامن مع فلسطين. فعلى مستوى الدولة، جعلت هستيريا الحكومة الإسرائيلية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 الحكومةَ الصينية بالفعل غير سعيدة. فالصين رفضت إدانة عملية طوفان الأقصى، والخلافات مع إسرائيل في الأمم المتحدة دمرت بالفعل شهر العسل السابق بين البلدين. ورغم أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل قد تستمر في التعمق في المستقبل، فإن كلا الدولتين بعد الخلافات التي حدثت بشأن ميناء خليج حيفا قد تترددان في التعاون في مشروعات ضخمة شبيهة في المستقبل.
من حيث ثقافة المجتمع، دفعت الحرب في غزة الشباب الصيني المعادي للغرب بشكل متزايد إلى إعادة ربط أنفسهم بالإرث الثوري للحقبة الماوية. يوجد جيل من الشباب الصيني يبحث عن المعارف الخاصة بفلسطين بهمة من المصادر الإلكترونية ويصنع بحماس أشعارًا وأغاني وفيديوهات ورسومات ومنتجات فنية وأدبية أخرى تمدح النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتشكلت انطباعات هذا الجيل عن فلسطين إلى حد كبير بفعل فظائع الإبادة الجارية في غزة. ولهذا سيصبح على الأرجح الجيل الأكثر تشككا في السردية الصهيونية منذ ثمانينيات القرن العشرين. ومع تولي الشباب المزيد من المواقع العامة في الحكومة الصينية والمجتمع على المدى الطويل، يقوى الأمل في أن تعيد الصين -ربما- تبني تقاليدها المناهضة للاستعمار التي تبنتها في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وتلعب دورا أكثر حيوية في حركة التضامن العالمية من أجل فلسطين.
أريد أن أنهي هذا المقال بمقولة لشانج شينجشي -وهو كاتب صيني أيقوني من الهوي المسلمين- ابتكر تعبير "الحرس الأحمر" أثناء مشاركته النشطة في الثورة الثقافية في سنوات دراسته بالمدرسة المتوسطة، ولاحقا كرس حياته المهنية للكتابة عن فلسطين والعالم الإسلامي للجماهير الصينية. في مقاله الشهير (ابنة الجيش الأحمر الياباني) الذي احتفى فيه بذكرى مجموعة من الماويين اليابانيين الذين شاركوا في النضال المسلح في فلسطين بالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الفترة من سبعينيات إلى تسعينيات القرن العشرين، صاغ شانج نبوءته بلغة شعرية:
المخططات المستمرة الهادفة لنزع الشرعية عن الثورات محكوم عليها بالفشل فالهيمنة والقهر واللامساواة وانعدام العدالة مع ميل البشر الأصيل للسعي للحقيقة -كل ذلك- يدفع الناس لإعادة التفكير وإعادة الاحترام وفي النهاية تبني للثورات مجددًا (شانج 2009).
مع طيران بذور الهندباء الفلسطينية عبر العالم وهبوطها في قلوب الشباب الصيني، هذه البذور النامية بسرعة ستخترق لا محالة حدود هيمنة السرديات الغربية والقومية محدودة الأفق. ومع الوقت، الشباب الصيني سيدفعهم الإلهام لإعادة التفكير في دور الصين المعاصرة وإعادة احتضان إخوانهم وأخواتهم العرب.
الآراء الواردة في هذا المقال مسؤولية المؤلفين فقط، ولا تعكس بالضرورة آراء أو مواقف المعهد العابر للقوميات (TNI).
مراجع بالإنجليزية
“Anti-Israel Resolution Adopted at Bandung; Red China Supports Arabs,” Jewish Telegraphic Agency, 22 April 1955.
Azulay, Yuval. “China Halts Shipments to Israel, Hurting its Own Port,” Ynet News. January 16th 2024. https://www.ynetnews.com/business/article/r1wxe0gkp
Cooley, John K. “China and the Palestinians”, Journal of Palestine Studies (1972), 20, doi:10.2307/2535952, accessed 27 Nov. 2020.
“Defining Antisemitism,” U.S. Department of State, 2016.
https://www.state.gov/defining-antisemitism/
Harris, Lillian Craig. China Considers the Middle East (London; New York: Tauris, 1993).
Lin, Biao林彪. “Long Live the Victory of People’s War”, Peking Review, xxxvi (1965), 22.
Mao, Zedong毛泽东. “People of the World, Unite and Defeat the U.S. Aggressors and All Their Running Dogs”. It can be accessed on Marxists Internet Archives, https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_86.htm
“Memorandum of Conversation: Beijing, February 18, 1973, 2:43–7:15 p.m.,” 18 February 1973, Foreign Relations of the United States (FRUS) XVII, Vol. XIII, China 1973–1976.
Shai, Aron. China and Israel: Chinese, Jews; Beijing, Jerusalem (1890–2018). Boston: Academic Studies Press, 2019.
Shichor, Yitzhak. The Middle East in China’s Foreign Policy, 1949–1977. Cambridge, UK: Cambridge University Press, 1979).
Shindler, Colin. Israel and the World Powers (London: I. B. Tauris & Company, 2014).
“Palestinian Factions Sign Beijing Declaration on Ending Division and Strengthening Palestinian National Unity,” 23 July 2024. Accessed on the official website of the Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China. https://www.mfa.gov.cn/eng/wjbzhd/202407/t20240723_11458790.html
Rabinovitch, Ari, and Jonathan Saul. “Israel's Ashdod Port Sees Strategic Risk from China during Gaza War,” Reuters, 26 January 2024. https://www.reuters.com/world/israels-ashdod-port-sees-strategic-risk-china-during-gaza-war-2024-01-26/
Ma, Xinmin 马新民. Statement at the “Legal Consequences arising from the Policies and Practices of Israel in the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem – Public hearings,” 22 February, 2024. Accessed on the official media of International Court of Justice, https://www.icj-cij.org/multimedia/203577
Ma, Wenhao. “Chinese Vloggers Glorify Hamas with Cosplay and Posts,” Voice of America, 19 December, 2023. https://www.voanews.com/a/chinese-vloggers-glorify-hamas-with-cosplay-and-posts/7405159.html
سلسلة تحرير فلسطين
-
تأطير فلسطين إسرائيل ودول الخليج وقوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بقلم آدم هنية
Fecha de publicación: -
Actitudes y solidaridad de África con Palestina De la década de 1940 al genocidio de Israel en Gaza
Fecha de publicación: -
أن نخذل فلسطين بخذلاننا الثورة السودانية دروس مستقاة من تقاطعات السودان وفلسطين في السياسة والإعلام والتنظيم
Fecha de publicación: -
أوهام استدامة/ وقائع إبادة جماعية فلسطين في مواجهة عالم الفصل العنصري البيئي
Fecha de publicación: -
شعلة الكفاح ضد الاستعمار من فيتنام إلى الجزائر إلى فلسطين
Fecha de publicación: -
من مناهضة الإمبريالية العالمية إلى مقاتلي الهندباء تضامن الصين مع فلسطين من 1950 إلى 2024
Fecha de publicación:
مراجع بالصينية
أبو سلمى، 祖国颂 (قصائد للوطن)، ترجمة يانج شياوباي. بكين: دار نشر الكاتب، 1964.
安惠侯 (آن٬ هيوهو). 埃及与新中国建交始末 (الطريق للعلاقات الدبلوماسية المصرية الصينية)، دراسات العالم العربي 5 (2008)، 4.
巴勒斯坦人民必胜 (الشعب الفلسطيني سينتصر). إنتاج الأستوديو المركزي للأفلام الوثائقية والأخبار. مايو 1971. فيلم.
巴勒斯坦战斗诗集 (قصائد المعارك في فلسطين). بكين: دار نشر الآداب الشعبية 人民文学出版社 ٬ 1975.
巴勒斯坦驻华大使:“你不懂这种痛苦,因为你出生在自由独立的国家 (السفير الفلسطيني في الصين: إنك لا تفهم هذا النوع من المعاناة لأنك ولدت في بلد حر ومستقل)، صحيفة الصين اليومية، 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023 https://b23.tv/pLVOv4F .
不许放火,不许侵略 (لا للتحريض. لا للعدوان)٬ صحيفة الشعب اليومية، 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1956.
邓小平 (دينج شياو بينج). 形势迫使我们进一步改革开放 (الوضع يدفعنا للضغط من أجل المزيد من الإصلاح والانفتاح)، مقتطفات حوار دينج شياو بينج مع الرئيس الإثيوبي منجستو في 22 حزيران/يونيو 1988 في المجلد الثالث من 邓小平文选 (الأعمال الكاملة لدينج شياو بينج). متاح على الإنترنت على الموقع الرسمي للحزب الشيوعي الصيني http://www.qstheory.cn/books/2019-07/31/c_1119485398_88.htm
工作方法六十条 (ستون نقطة عن مناهج العمل)٬ 建国以来重要历史文献选编 (وثائق تاريخية مختارة منذ تأسيس جمهورية الشعبية)، تحرير مكتب البحوث الأدبية المركزي للحزب الشيوعي الصيني٬ مجلد 11، 1995.
国际关系研究院 (معهد العلاقات الدولية)، 中东問題文件彙編 (مجموعة مواد مرجعية عن شؤون الشرق الأوسط) (بكين: 世界知识出版社 (دار نشر المعارف العالمية، 1958)، 278.
华黎明 (هوا ليمينج). 伊朗核问题与中国中东外交 (المسألة النووية الإيرانية ودبلوماسية الصين في الشرق الأوسط). دراسات العالم العربي، رقم 6، نوفمبر 2014: 4-16.
坚决支持埃及和叙利亚 抗击以色列的军事侵略 (ندعم مصر وسوريا بقوة في مواجهة العدوان العسكري الإسرائيلي)، صحيفة الصين اليومية، 8 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
苏共领导同我们分歧的由来与发展 (أصل وتطور الخلافات بين قيادات الحزب الشيوعي السوفيتي وبيننا)، 建国以来重要历史文献选编 (وثائق تاريخية مختارة منذ تأسيس جمهورية الشعبية)، تحرير مكتب البحوث الأدبية المركزي للحزب الشيوعي الصيني، مجلد 17، 1997.
مقابلة مع لي شونهونج على أي فونج للأخبار في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
https://www.bilibili.com/video/BV16w411r7gf?vd_source=09e817274905aa2d416b451efc22f697&spm_id_from=333.788.videopod.episodes
"دعونا لا نتحدث عن الدموع في الشرق الأوسط: مقابلة مع ين جانج الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية"، أي فونج للأخبار، 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
徐敏 (شو مين)، 巴勒斯坦问题真相 (حقيقة القضية الفلسطينية) (منشوريا: مكتبة شينهوا بالشمال الشرقي، 1950).
西北大学伊斯兰教研究所 (المعهد الإسلامي في جامعة الشمال الغربي)٬ 巴勒斯坦问题历史概况 (الموقف الأساسي حول القضية الفلسطينية). (شانشي: شانشي للأخبار، 1973).
( 武汉重型机床厂五一车间工人理论组المجموعة النظرية العمالية لمصنع الأدوات الصناعية الثقيلة في ووهان) و(华中师范大学历史系 قسم التاريخ بجامعة وسط الصين العادية)، 巴勒斯坦问题的由来和发展 (نشأة القضية الفلسطينية وتطورها) (بكين: دار النشر الشعبية٬ 1976).
小英雄卡塞姆 (قسام البطل الصغير)، رسومات ليو ريني. جوانجتشو: دار نشر الشعب بجواندونج، 1972.
小英雄卡塞姆 (قسام البطل الصغير)، قصيدة لهونج تي، رسومات شو فانج. هاربين: دار نشر الشعب بهيلونجچيانج، 1973.
新华社新闻信息报道中的禁用词和慎用词 (الكلمات الممنوع استخدامها والكلمات التي لا يجب استخدامها إلا بحرص في التقارير الإخبارية لوكالة أخبار شينهوا) مراجعة يوليو 2016. الموقع الرسمي لجامعة الصين للبترول - بكين. 16 سبتمبر. https://www.cup.edu.cn/yww/gfbz/9311271.htm
以共主张采取独立、和平和中立政策 (الحزب الشيوعي الإسرائيلي يدعو لسياسة مستقلة وسلمية ومحايدة)، صحيفة الشعب اليومية، 19 آذار/مارس 1956.
以色列、阿富汗、芬兰决与我国建外交关系 周外长分别复电表示欢迎 (إسرائيل وأفغانستان وفنلندا قررت إقامة علاقات مع بلدنا. رد وزير الخارجية تشو على كل منهم وعبر عن ترحابه)، صحيفة الشعب اليومية، 17 يناير 1950.
以色列人民不愿为英美法火中取栗以共谴责帝国主义煽动对埃及的军事冒险阴谋 (الشعب الإسرائيلي لا يريد المخاطرة بنفسه من أجل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا - الحزب الشيوعي الإسرائيلي يدين التحريض الإمبريالي على المغامرة بمؤامرة عسكرية ضد مصر)، صحيفة الشعب اليومية، 16 سبتمبر 1956.
在安理会讨论所谓在中东监督停火问题的会议上 乔冠华团长揭露苏美推行强权政治玩弄骗局 (في مجلس الأمن أثناء نقاش ما يسمى بالإشراف على وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، تشياو جوانهوا رئيس وفد الصين كشف خداع وألاعيب الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة)٬ صحيفة الشعب اليومية، 25 أكتوبر 1973.
战旗飘飘 (راية المعركة خفاقة)، جوانجتشو: دار نشر الشعب بجوانجدونج٬ 1971.
شانج شينجشي. 赤军的女儿 (ابنة الجيش الأحمر الياباني)، في: 敬重与惜别:致日本 (احترام ووداع: إلى اليابان). (بكين: دار نشر الصداقة الصينية٬ 2009). متاح أيضًا على الإنترنت عبر الرابط التالي: https://www.mzfxw.com/m/show2.php?classid=13&id=166796
中东呼唤和平 (الشرق الأوسط يطلب السلام)، صحيفة الشعب اليومية، 21 أيار/مايو 1999.
中国代表宣介习近平关于解决巴勒斯坦问题“四点主张 (ممثل الصين في الأمم المتحدة يقدم مقترحات شي چين بينج ذات الأربع نقاط لحل القضية الفلسطينية، صحيفة الشعب اليومية٬ 27 تموز/يوليو 2017.
ttp://world.people.com.cn/n1/2017/0727/c1002-29430754.html