قطاع الطَّاقة في الأردن سياسات أنتجت أزمات
كشف تسليط الضوء على توقف إمدادات الغاز المصري إلى الأردن بين 2011 و2013 عن هشاشة قطاع الطاقة، الذي تأثر بشدة بسياسات الخصخصة التي يدعمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. رداً على ذلك، انتقلت الأردن نحو مجال الطاقة المتجددة وأبرمت اتفاقات مثيرة للجدل. اتسمت هذه الانتقالات بتحقيق أرباح ضخمة للقطاع الخاص، في حين استمرت الحكومة في تكبد خسائر كبيرة، مما زاد من عبء الدين العام والفوارق الاجتماعية.
يناقش هذا المقال تقدم الأردن في مجال الطاقة المتجددة ويطرح تساؤلات حول الصورة الانتصارية للأردن كرائد إقليمي في مجال الطاقة الخضراء. وهو فصل ضمن كتابيْ "تحدي الرأسمالية الخضراء: العدالة المناخية و الانتقال الطاقي في شمال أفريقيا" الذي نُشر بالتعاون مع دار الصفصافة و "تفكيك الاستعمار الأخضر: العدالة الطاقية والمناخية في المنطقة العربية"، الذي نشر بالتعاون مع دار النشر Pluto Press باللغة الانجليزية.
وقعت أولى تفجيرات خطّ الغاز المصريّ الأردنيّ في العريش المصريّة في فبراير 2011. وعُدَّ ذلك الحدث الأكثر مفصليّة في تاريخ قطاع الطَّاقة الأردنيّ، إذ ترتب عليه انحسار إمدادات الغاز المصريّ الواردة للأردن، قبل أنْ تتوقف كُليًّا توريدات الغاز عام 2013، 1 في إثر سلسلة التفجيرات المتوالية للخط.2 الأمر الذي أوقع المملكة الأردنيّة في أزمة حقيقيّة هدَّدت بتوقّف إمداد التيّار الكهربائيّ، والدخول في إعتام شامل مُعطّل لجميع الأنشطة الاقتصاديّة، خاصةً لاعتماد النظام الكهربائي الأردني على الغاز المصريّ بشكل كبير، تجاوز الـ 80% من إجمالي احتياجات توليد الطَّاقة،3 وإغفاله وضع بدائل أخرى حال انقطاع الغاز. هكذا اضطُرت الدولة الأردنية لاستيراد كميّات كبيرة مِن المشتقَّات النفطيّة، في ظلِّ الارتفاعات الكبيرة المُحدَّدة لأسعار النفط عالميّا، ما مَثَّل ضغطًا هائلاً على قطاع إنتاج الطَّاقة الكهربائية محليًّا، كبَّد الدولة خسائر ضخمة ومتلاحقة، إلى جانب جملة السياسات والأخطاء التخطيطية اللاحقة، فبلغت الخسائر المتراكمة 7.7 مليار دولار بحلول عام 2022، ما يُعادل 14.3% من الدين العام الأردني.4
كشفت أزمة انقطاع الغاز المصريّ هشاشة واختلالاً في سياسات الطَّاقة في الأردن، استهلالاً بانتهاج سياسة الخصخصة لأنشطة القطاع في التوليد والتوزيع الكهربائي، التي فرضها صندوق النقد والبنك الدوليين، وإدخال الشركات الاستثماريّة شريكًا تحميه التعاقدات مِن الأخطار المالية وتضمن أرباحها، ما ضاعف أعباء الحكومة الماليّة وخفض مِن أداء العام للقطاع، مع غياب أمن الطَّاقة مِن جميع خطط الدولة. حمَّلت بقوةٍ الروايةُ الرسمية الربيعَ العربيّ وشُحَّ المصادر الأحفوريّة المحلِّيَة وزِرَ ارتفاع تكاليف إنتاج الطَّاقة، متغافلة عن إخفاقات ومشاكل القطاع المتراكبة بفعل سوء التوجيهات والإدارة والتخطيط من قِبل الدولة كسبب رئيسي في تشكيل الأزمة، إذ توالت الأخطاء الاستراتيجية، وبإصرار دون الرجوع إلى مراجعات حقيقيّة للنهج العام في سنوات ما قبل الأزمة. هكذا، حُصر النظام الكهربائي للدولة في مصدر أوحد غير مأمون، بدلاً عن تنويع المصادر والتَّأسيس لخطط وبدائل في حالات الطوارئ.
وفي سبيل تصحيح المسار بعد عام 2011، انتهجت الدولة استراتيجيّة جديدة اعتمدت تنوع مصادر الطَّاقة، واستغلال المحلّي منها بشكل مكثَّف، عبر استجلاب تعاقدات واستثمارات ملياريّة مع شركات متعدِّدة الجنسيّات، لتطوير مشاريع توليديّة جديدة، بدأت بالتعاقد مع شركة نوبل إنيرجي الأمريكية وشركائها في حقل ليفياثان، لشراء الغاز الإسرائيلي. لاقت تلك الاتفاقية احتجاجًا شعبيًّا واسعًا، لكنَّه لم يمنع الدولة من المُضي قُدمًا في تطبيق خُطَّتها، رغم ما يشوبها مِن اختلالات قانونيّة وغموض إزاء جدواها الاقتصاديّة ومأمونيتها على الأردن،5 في تأكيد على إغفال أمن الطَّاقة وتعريض البلاد للتهديدات والارتهانات كما أوضحنا.
جاء التوجه الاستثماري التالي مُمثَّلاً في إنشاء محطّة إحراق مباشر للصخر الزيتي تحت مسمّى "مشروع العطارات"، حسب التعاقد مع الشركة الإستونية (إينيفيت) بتمويل متعدد الجنسيات، وبقدرة إنتاج تغطّي 15% مِن احتياجات الأردن مِن الكهرباء، بتكلفة تبلغ 3 مليارات دولار.6 ولاحقًا؛ تبيّن للدولة ارتفاع تلك الكُلفة، ما رفع خسارتها سنويّا بشكل كبير، واضطرها اللجوء إلى التحكيم الدولي على أمل تخفيض كلفة المشروع الباهظة.7
وأخيرًا؛ تبنَّت الدولةُ الطَّاقة المُتجدِّدة بشكل موسّع وإنشاءَ سوق محلَّية لها، دفع قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة إلى الإسهام بـ 30%8 مِن مجموع قدرات توليد الطَّاقة في الأردن، وهو ما تحتفي به الدولة على المستوى الوطنيّ والإقليميّ، وتروّج له باعتبار الأردن نموذجًا لتفعيل الطَّاقة النظيفة. والواقع إنَّ حصّة كبيرة مِن مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة استأثرت بها شركات القطاع الخاص والأفراد الأعلى دخلاً، وبشكل يفتقر للعدالة، وذلك لقدرتهم على الوصول لأدوات ونوافذ التمويل، وهو ما لم تعبّر عنه النّسب المصمتة والأرقام البرّاقة في ذلك الصدد، ما تراتب عليه انفتاح غير مدروس ضاعف أرباح شركات القطاع الخاصّ على حساب التوازن المالي للقطاع، عِوضًا عن تخفيض تكاليف إنتاج الطَّاقة على مستوى الدولة، وتوجيه تلك المشاريع لقطاعات إنتاجيّة تعاني اقتصاديًّا كالزراعة، ولفئات أكثر استحقاقًا مِن ذوي الدخل المحدود.
وعلى إثر تلك السياسات غير المدروسة؛ تراكمت خسائر فادحة لم تفلح الدولة في تداركها إلا بالاقتراض الخارجيّ، والارتهان لسياسات وتطلعات المقرض الأكبر (صندوق النقد الدولي) ومؤسسة البنك الدولي مِن جديد، وتتمحور خططهما العلاجيّة لقطاع الطَّاقة في وصفة أساسيّة: الدفع بالخصخصة وتحرير سوق الطَّاقة، ورفع الدعم وزيادة أسعار الطَّاقة الكهربائية، دون اعتبار للأثر الاقتصادي والاجتماعي الفادح لارتفاع فاتورة الطَّاقة على الأفراد والقطاعات.
ما قبل الأزمة
الخصخصة وصندوق النقد الدولي
تحققت خصخصة قطاع الطَّاقة الأردنيّ ضمن سياسة عامّة وضعها صندوق النقد والبنك الدوليين للأردنّ، بعد اقتراض مشروط اضطُرت إليه البلاد لتغطية عجز الموازنة العامة، بعد تقلُّص الدَّعم الخليجي في الثمانينيات وارتفاع مستويات الإنفاق العام، وما أفضى إليه مِن تراجع نسب النموّ والمنتهيةً بأزمة اقتصاديّة حادة وانهيار سعر الصرف عام 1989، جعل البرامج الإقراضيّة التصحيحيّة الملجأ الوحيد لتفادي تفاقم الأزمة. ارتكزت سياسات (إجماع واشنطن) التي تبناها صندوق النقد والبنك الدوليين كوصفة علاجيّة للبلدان الفاشلة حسب رؤيتها (والتي كان مِن ضمنها الأردنّ)، على ضبط الإنفاق العام، وتحرير السوق والتجارة الخارجيّة، وخصخصة مرافق الدولة تذرُعًا بضعف الآداء الحكومي وما أنتجه من أعباء اقتصاديّة.9
تمأسست عملية الخصخصة في الأردن عام 1996 بإنشاء "الوحدة التنفيذيّة للتخاصية"10 في رئاسة الوزراء، وبالتعاون مع البنك الدوليّ،11 كخطوة أولى لترشيح المرافق والمؤسسات الحكوميّة المؤهلة للخصخصة، ووضع دراسات التقييم والإجراءات اللازمة. في العام ذاته تمّ التنسيب بتحويل سلطة الكهرباء الوطنية الأردنية المؤسسة عام 1967 12– والتي كانت تمتلك وتدير جميع أنشطة القطاع – إلى شركة مساهمةٍ عامّة مملوكة للحكومة، سُمّيت شركة الكهرباء الوطنيّة المساهمة العامّة، ما أعاد هيكلة الشركة عام 1999 بتقسيمها لثلاث شركات حسب النشاط: شركة الكهرباء الوطنيّة المسؤولة عن شراء الطَّاقة الأوليّة ونشاطات النقل والتحكّم والربط، وشركة توليد الكهرباء المركزية المسؤولة عن محطات توليد الطَّاقة الكهربائية، وشركة توزيع الكهرباء المسؤولة عن توزيع الطَّاقة الكهربائيَّة، عملت جميعها بشكل مستقلٍّ إداريًّا وماليًّا. وتبع ذلك إنشاء هيئة تنظيم قطاع الطَّاقة والمعادن (هيئة تنظيم قطاع الكهرباء سابقًا) عام 2001 ككيانٍ مستقلّ ومنظّم للعلاقة بين أنشطة القطاع.14
كانت إعادة الهيكلة التي أخضع لها قطاع الطَّاقة الأردنيّ تمهيدًا لخصخصة أنشطة التوزيع والتوليد، والتي جعلت الشركات والمستثمرين لاعبين أساسيين في قطاع الطَّاقة بدلاً عن القطاع العام، باعتبار ذلك حلاً لمشاكل القطاع. وفي الوقت الذي أشارت فيه المعطيات إلى كفاءة عالية في أداء سلطة الكهرباء الوطنية، تبنَّت الدولة – بإصرار – الرؤية النيوليبرالية التي رسمها الصندوق، عبر التخطيط للخصخصة وإدخالها حيّز التنفيذ في عام 2007 ببيع 51% مِن أسهم شركة التوليد المركزيّة لشركة دبي كابيتال الإماراتيّة،15 وفي العام ذاته؛ تمَّ بيع 100% مِن أسهم شركة توزيع الكهرباء المساهمة العامّة و51% مِن أسهم كهرباء إربد لصالح شركة كهرباء المملكة لاستثمارات الطَّاقة، المملوكة – أيضًا – لشركة دبي كابيتال الإماراتية مع شركة التخصيص القابضة الكويتية وشركة المستثمرون العرب المتحدون.16 وهكذا؛ أُحيلت المشاريع التوليديّة اللاحقة بطريقة العروض المباشرة أو العطاءات التنافسيّة للقطاع الخاص، ما حصر نشاط التوزيع في ملكية القطاع الخاص، ونشاط التوليد مزيجًا مِن العام والخاص مع رجوح كبير في كفة الأخير، وظلَّ نشاط النقل وشراء الوقود مملوكًا لشركة الكهرباء الوطنيّة ممثل الحكومة في القطاع. ونظمت الهيئة المستقلّة لتنظيم قطاع الطَّاقة والمعادن جميع تلك الأنشطة.
ظهرت وتفاقمت مشاكل القطاع الهيكلية بعد إتمام عملية الخصخصة، فبعد أنْ كانت سلطة حكومية واحدة ينظِّمها القانون تدير قطاع الكهرباء، تحوّل القطاع إلى شركات ضعيفة الترابط متضخمة بتكاليف إدارية لا حاجة لها؛ ما أثخن الأداء العام للقطاع. وتكشف تفاصيل العقود والاتفاقيات مع تلك الشركات الخاصّة أثرًا أكثر خطورة وأهمية، إذ أبرمت الحكومة تعاقدات طويلة الأمد مع شركات التوليد والتوزيع الخاصّة، عملت كغطاء حماية للشركات مِن أيّة أخطار في قطاع الطَّاقة، باعتماد منهجية (علاوة التكاليف) التي تضمن نسبة ربح ثابتة، دون اعتبار لضمان الآداء والكفاءة مقابل ذلك. وفي حالة شركات التوليد، تضمَّنت التعاقدات إلزام الدولة بتكاليف القدرات التوليدية للشركات، حتى لو لم تكن الدولة بحاجة لها.
أكد تقرير لجنة التخاصية17 الصادر في عام 2014، والذي أجرى مراجعة حكومية لتجربة الخصخصة في الأردن، على تبعات وأعباء خصخصة قطاع الطَّاقة الأردني، حين أفاد أنَّ التجربة لم تُحقق جدواها في قطاع الطَّاقة، ومشيرًا إلى تراجع مؤشرات أنشطة القطاع مِن جهة، كارتفاع نسب الفاقد الكهربائي في شركات التوزيع المُخصخصة، وتزايد الأعباء الماليّة من جهة أخرى؛ ما عمّق وعقّد أزمة الطَّاقة. وبحسب التقرير فإنَّ:
"مراجعة تجربة بيع الحكومة جزءًا من ملكيّاتها في إنتاج وتوليد وتوزيع الكهرباء لا تُظهر أنَّ هذه العمليّات حقّقت الأهداف الاقتصادية المرجّوة منها، سواءً كانت بتعظيم الاستثمار الاستراتيجي، أو بحماية الخزينة مِن تبعات زيادة كلفة الوقود، أو بزيادة كفاءة القطاع، أو تنويع مصادر الطَّاقة".
وأضاف التقرير أنَّ تلك الشركات تحقّق أرباحًا غالبها مرتبط بالتّحديد المسبق للأسعار مِن قِبل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، وليس بزيادة الكفاءة أو الإنتاجية، وبعائدٍ سنويّ بلغ في المتوسّط 20%. وقد تبيَّن أنَّ هذه النسبة مرتفعةً لشركات لا تتحمّل أخطار استثمارية كبيرة، كون مبيعاتها وأرباحها مضمونة. وبرّرت الحكومة ذاك التقصير بأنَّ الخصخصة كانت بالشراكة مع مستثمرين ماليين غير مختصّين في قطاع الطَّاقة، تمركزت أهدافهم حول تحقيق الربحيّة عوضًا عن وضع خطط إنمائيّة تعزّز من إنتاجيّة القطاع، وعللت اضطرار الحكومة في بعض الأحيان إلى اللجوء إليهم بعد عزوف المستثمرين الاستراتيجيين عن المشاركة.18
يتمحور الشقُّ الآخر من خطط البنك الدولي وصندوق النقد (بعد إعادة هيكلة القطاع) حول أسعار الكهرباء ورفع الدعم عن المستهلكين. فبعد أزمة انقطاع الغاز المصريّ في عام 2011، وأمام الاقتراض الاضطراري للحكومة لتغطية نفقات الشركة الوطنية، عادت تلك المؤسسات – المانح الأكبر لقروض الشركة – لوضع خطط إصلاحيّة لقطاع الطَّاقة تمركزت حول تنويع خليط الطَّاقة، وتعديل التعرفة الكهربائيّة (أيّ إلغاء دعم المحروقات والكهرباء)، مظنة تقديمها ذلك كحلٍّ جوهريّ لمديونيّة الشركة الوطنيّة. في عام 2012 وافق صندوق النقد على إقراض مشروط للأردن تقارب قيمته 2.06 مليار دولار،19 متبوعًا في السنوات اللاحقة بقروضٍ ومنحٍ أخرى، تمخَّض عنها برنامجٌ كبيرٌ لإصلاح الدعم بمساندةٍ مِن الصندوق، ألغى الدعم عن مشتقّات النفط لتشهد ارتفاعًا بين 14% و 50%،21 مع وضع خطَّة خمسيّة تبدأ من 2013 لرفع التعرفة الكهربائيّة على خمس مراحل.22 وطُبّقت تلك الخطَّة بشكل جزئيّ تزامن مع رفع سعر الكهرباء ثلاث مرات بين 2013 و 2015، حتى توقّفت مع انخفاض كبير لخسائر الشركة الوطنيّة، نظرًا لتدنّي تكاليف الإنتاج، إثر استقرار أسعار النفط وعودة توريد الغاز. إلا أنَّ ذلك التوّقف بات هشًّا ومهدَّدًا بالمزيد مِن خسائر الشركة الوطنيّة في السنوات الأخيرة حسب التوقعات، ما يدفع بالعودة إلى خطط صندوق النقد للواجهة، وضغوط إضافيّة نحو رفع الدّعم، وهو ما تتطور لاحقًا لإدخال الخصخصة مجددًا في القطاع.
تصرّ تقارير البنك الدوليّ على أنَّ سياسات صندوق النقد المُخطَّط لها في قطاع الطَّاقة ستحقّق وفوراتٍ ماليّة، تتيح المجال للاستثمار في برامج تستهدف الطبقات الفقيرة، وتتجاوزها لتصبح أنشطةً اقتصاديّةً شاملةً تسهم في تحسين المستوى المعيشيّ في الأردن، غير أنَّ الوقائع القريبة والأرقام لا تتوافق مع ادعاءات تصحيح المسار الاقتصاديّ المرتبط برفع الدعم والمروج لها؛ إذ تواترت التراجعات في نسب النمو الاقتصاديّ23 خلال السنوات الماضية،24 وتآكلت الطبقة الوسطى، وارتفعت معدّلات الفقر مع تدني القدرة الشرائيّة،25 ما يرفع سقف التخوّفات مِن تبِعات رفع أسعار الكهرباء مجددًا على الشرائح المتوسطة والصغرى، حال إلغاء الدعم كاملاُ أو بشكل جزئي عن الكهرباء.
الخيار الأقلّ تكلفة أولًا
أثارت أزمة انقطاع الغاز المصريّ تساؤلاً حول ماهية الخطط الحكومية لتفادي الكارثة؟ وفي الإجابة عن ذلك غاب عن الحكومة حتمية مراجعة سياساتها في أمن الطَّاقة لإعادة تصويب المشهد، بل واكتفت بحصر مشاكلها بتفسير مُكرَّر منذ أكثر مِن عشرين عامًا، يتعلق بمحدودية المصادر الأحفوريّة المحلِّيَة، التي دفعت بالأردن لاستيراد أكثر من 90% من احتياجاته من الطَّاقة الأوليّة، يذهب ما يقارب 40% منها لإنتاج الكهرباء،26 ما جعل فاتورة الطَّاقة المحلِّيَة عبئًا باهظ الثمن، تتحكّم بقيمته الأوضاع الإقليميّة والمزاج السياسيّ العالميّ، إنْ كان ذلك بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعيّ أو انخفاضها، أو بالارتهانات السياسيّة التي لعبت دورًا مباشرًا في أزمة الطَّاقة الأردنيّة.
عمد الطرح الحكومي إلى تبسيط أسباب الأزمة، والقفز على تقييم جودة الأداء الحكومي في تنظيم القطاع، والذي يتمحور هدفه في ضمان تشغيل آمن واقتصاديّ أمثل للنظام الكهربائي، وبما يضمن استمراريّة عمله بأقلّ كُلفة ممكنة، في ظلِّ المصادر المتاحة. وعليه؛ فإنَّ مُهمَّة التخطيط والتنظيم لخليط توليديّ، يلبّي الطلب الحالي والمستقبلي للطاقة بما يخدم النمو الاقتصاديّ، مرهونٌة بركيزتين أساسيّتين هما: ضمان أمن الطَّاقة المحلّي، والضبط الأمثل لتكاليف التوليد. ولذلك، تسبب اختلال الموازنة بين هذين العاملين في وقوع أزمات في قطاع الطَّاقة، وهو ما نبّهت إليه استراتيجيّة الطَّاقة الأردنيّة (2007 – 2020)، التي وُضِعت كخارطة طريق للقطاع، لتخفيف حدّة المخاطر في قطاع الطَّاقة الأردنيّ، وذلك بزيادة الاعتماد على المصادر المحلِّيَة وتنويع خليط الغاز وتبنّي سياسات الترشيد. لم يكن انقطاع الغاز المصري أولى أزمات القطاع؛ إذ شهد القطاع حدثًا مماثلاً – وإنْ كان أقلّ حدّة – بانقطاع النفط العراقيّ عام 2003 بعد الغزو الأمريكيّ، والذي كان بشكل مماثل للنموذج المصريّ، مصدرًا زهيد الثمن لكنَّ غير آمن، اعتُمِد عليه بشكل كبير في التوليد، وأدّى لقفزات سعريّة في أسعار الطَّاقة بعد انقطاعه، إلا أنَّه لم يفلح في تغيّر نهج القطاع بأي شكل.
ففي نفس عام انقطاع النفط العراقيّ (2003)، تمَّ توقيع اتفاقيّة الغاز الأردنية المصريّة لتزويد الأردنِّ بالغاز الطبيعيّ 15 عامًا بكميّات مُكثفة لأجل توليد الطَّاقة الكهربائيّة، وغطّت 80% من احتياجاته27 وبسعر مناسب مقارنة بالارتفاع المحموم والمتصاعد في تكاليف الطَّاقة وأسعار النفط العالميّة. انعكس ذلك بشكل إيجابيّ على أسعار الطَّاقة والاقتصاد، غير أنَّ بوادر الأزمة كانت قد بدأت بالظهور عام 2008، عندما انخفض وتقلب إمداد الغاز عن مستوى الطلب، حتى وصل في عام 2010 إلى 60-70% فقط من الكميّات المُتّفق عليها مع الجانب المصري،28 مما أظهر أنَّ الغاز المصري ليس موثوقًا كمصدر طاقة طويل الأمد. ومع ذلك، وعلى الرغم مِن التحذيرات المتكررة، لم تطبق الحكومة استراتيجية الطَّاقة التي تنص بوضوح على ضرورة إيجاد مصادر جديدة للغاز، وظل القطاع يعتمد على الغاز المصري كمصدر رئيسي يغطي معظم احتياجاته التوليدية، تحت شعار: أولوية الخيار الأرخص، حتى حدثت أزمة التفجيرات، وانخفضت نسبة الغاز الطبيعي في خليط الطَّاقة إلى 8% فقط في عام 2014. 29
واضطرت الأردن إلى استيراد النفط ومشتقاته بأسعار قياسيّة كبديل مقترح لتوقف الغاز المصري، مما زاد بشكل هائل تكاليف الطَّاقة من 9.6 سنتًا أمريكيًا لكل كيلووات/ساعة في 2010 إلى 22.5 سنتًا أمريكيًا لكل كيلووات/ساعة في 2014، 30 بزيادة هائلة بنسبة 129%. ولم يتحسن وضع قطاع الطَّاقة الأردنيّ إلا في عام 2015، عندما استأنفت الأردن استيراد الغاز ضمن اتفاقات جديدة مع قطر بشكل أساسيّ،31 وبدأت استخدام باخرة عائمة للغاز الطبيعي المسال في ميناء الشيخ جابر الصباح النفطي في العقبة على البحر الأحمر، والتي اتفقت على استئجارها ضمن اتفاق مع شركة غولار المُتَّحدة.32 وقد رافق تلك التطوّرات انخفاض أسعار النفط عالميّا، مما خفض تكاليف إنتاج الطَّاقة إلى 10.3 سنتًا من الدولار لكل كيلووات/ساعة عام 2016.
أنتج تخبّط الحكومة خوفًا مِن تكرار أزمة 2011، فغيَّرت كثيرًا سياسة القطاع من الاعتماد الكبير على مصدر واحد للطاقة إلى تنويع مصادرها وأشكالها واستخدام المحلِّيَة منها بشكل أكبر. وفي عام 2012، صدر قانون الطَّاقة المُتجدِّدة الدائم بعد تأخره لسنوات، وبدأت الحكومة بطرح مشاريع في ذلك القطاع، مما أدَّى إلى نمو قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة محليًّا. وأردفت الحكومة بالتخطيط لمشاريع ملياريّة في قطاعيّ الطَّاقة النوويّة لتوليد الكهرباء، لكنَّها أجهضت قبل أنْ تنطلق، وفي استثمار الصخر الزيتيّ الذي تبدي الحكومة حاليًا تذمرًا من تكلفته المرتفعة. علاوة على ذلك كله؛ أجرت الحكومة مباحثات للغاز مع مصر أفضت لإعادة ضخ الغاز الطبيعيّ مِن جديد، إلى جانب اتفاقيّة الغاز مع إسرائيل، والتي هدّدت الحكومة الأردنيّة – وقتها – بزيادة أسعار الكهرباء أو قطعها عن المواطنين إذا رُفِضت اتفاقية الغاز مع إسرائيل.33
قد يبدو النهج الجديد للدولة كأنَّه إصلاحي في الواجهة، لكنَّ تقييمه يتطلب طرح أسئلة أساسية: هل تضمن المصادر الجديدة للطاقة استمرارية التوريد وحماية الشعب الأردني مِن خطر التوقفات ونقص الإمدادات؟ ما التأثير الاقتصاديّ الذي عكسته هذه المصادر على فاتورة الطَّاقة والاقتصاد؟ هل تمّ إدارة تلك الموارد بالطريقة الصحيحة من الناحية المالية والفنية؟ هل كان لزامًا علينا الحصول على كل تلك المصادر؟
ما بعد الأزمة
الغاز ... كلمة السرّ
لا يُخفَى أنَّ الغاز الطبيعي هو العامل الأساسي في استراتيجية أمن الطَّاقة في الأردن، نظرًا لاستخدامه بشكل كبير في التوليد المحلّي وما له مِن تأثير كبير على تكاليف الطَّاقة. ولذلك السبب، كانت اتفاقات الغاز وأسعارها ومصادرها هي العنصر الأكثر حساسية في قطاع الطَّاقة.
بعد مرور اثنا عشر عامًا من أزمة الطَّاقة الخانقة التي عانت منها البلاد، من المهمّ تقييم اتفاقيّات الغاز الحاليّة التي تحكم قطاع الطَّاقة الأردنيّ، وخاصة اتفاقيّة الغاز الإسرائيلي، التي لا تزال غير واضحة وغير شفَّافة في بنودها.
كان الغاز الذي تخطط إسرائيل لاستخراجه من حقول تامار وليفياثان خيارًا استراتيجيًا للحكومة الأردنية التي تربطها علاقات رسمية مع إسرائيل، فوقعت اتفاقًا في عام 2015 بقيمة 10 مليارات دولار لاستيراد الغاز الإسرائيلي مِن حقل ليفياثان، على مدى 15 عامًا لإنتاج الكهرباء، بعد صفقة أخرى مع شركة البوتاس العربيَّة الأردنية بقيمة 770 مليون دولار لاستيراد الغاز مِن حقل تامار. ولم تكتفِ الحكومة بتجاهل رأي العام الأردني المعارض للاتفاق فحسب، بل تجاهلت – أيضًا – جميع الاعتبارات المتعلقة بأمن التزود بالطَّاقة، لأنَّ مصدر تلك الطَّاقة عدو استراتيجي تشوب العلاقات معه توترات ونزاعات عميقة.
الاتفاق الذي كان مِن المُفترض أنْ يبقى سريًّا، فرض غرامات جزائية عالية على المشتري (الدولة ممثلة بشركة الكهرباء الوطنية) في حال التقصير، تصل إلى 1.5 مليار دولار. وبغض النظر عن أنَّ الشرط الجزائي على البائع يبلغ 1.2 مليار دولار فقط، فإنَّ الشركاء في الحقل الإسرائيلي لا يتحملون أي عواقب أو مسؤولية عن التقصير، لأنَّ البائع للأردن شركة مسجلة في جزر الكايمان، وهذا يعني أنَّ الجانب الإسرائيلي صمّم مخرجًا مِن "التقصير"، مما يمكنه مِن قطع الكهرباء عن البلاد بدون سابق إنذار. كما شمل الاتفاق نصوصًا تجعل استخراج الغاز من الأردن بلا جدوى، فإذا تمكن الأردن مِن استخراج الغاز الطبيعي مِن حقوله الخاصّة، فلا يملك تخفيض الكمية المتعاقد عليها إلا بنسبة 20% ولا يسري ذلك التخفيض إلا بعد شراء أكثر مِن نصف الكمية المُتعَاقد عليها.
ذكر المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ الأردنيّ المسؤول عن تقييم وضع البلاد، في تقرير عام 2020 أنَّ أمن الطَّاقة في الأردن "لا يزال يتأرجح بين القرارين السياسي والاقتصادي". بالإشارة إلى اتفاقيّة الغاز بشكل خاص، يسرد المجلس إشكاليّاتها من حيث خطورة السرية على التَّفاصيل الهندسيّة والماليّة وتفاصيل التزويد، مشيرًا إلى وجود أطراف في التعاقد غير معلومة تمثّل غلافًا للحكومة الإسرائيليَّة. وأنَّ إدارة خط الغاز تتولاه شركة الفجر المصريّة دون تواجد أردنيّ في تلك المسؤوليّة، مما يجعل تفاصيل الاتفاقيّة وتنفيذها خارج الإرادة الأردنيّة، إضافة إلى تهديد لأمن الطَّاقة على المدى البعيد بإشراك شركاء خارجيين بدون أيّ ضمانات قانونية أو دوليَّة. وفي ذلك الإطار، تنصُّ المادّة (19.4.15) في الاتفاقيّة على أنَّه: "لا يتحمل الشركاء في حقل ليفياثان تحت أيّ ظرف من الظروف أي التزام أو مسؤولية أيًّا كانت تجاه المشتري (أيّ شركة الكهرباء الوطنية) فيما يتعلق بموضوع هذه الاتفاقية".
يتضح من ذلك مدى خطورة الجانب السياسيّ في سياسات الأمن الطَّاقي الأردني وتأثيره على مأمونيّة هذا المصدر. ففي ظلِّ غياب الضمانات التعاقدية والقانونيّة الصريحة ضمن اتفاقية الغاز الأردنية الإسرائيليَّة – إذ تحتوي الاتفاقية على إبهام متعمد يضمن تهرب الشركاء في الحقل الإسرائيلي مِن الشروط الجزائية – بحيث تضمن حق الأردن في تأمين احتياجاته، يصبح ضخ الغاز والتحكم بكميّاته ورقة ضغط مِن الجانب الإسرائيلي وتهديدًا حقيقيًا لأمن الطَّاقة والاقتصاد الأردني، ومدخلاً للتدخل الأجنبي في الشأن الأردني. وتأتي توصيات المجلس أولاً بمحاولة إلغاء أو إعادة التعاقد، وفي حال فشل ذلك بأنْ لا تزيد الكميّات المسحوبة من الغاز الإسرائيلي عن 15% مِن الكميّات المستهلكة والمستوردة، حتى يكون في المقدور احتواء صدمة انقطاع الإمدادات. والسؤال هنا: هل ذلك ممكن مع وجود شرط جزائيّ لفسخ الاتفاقيّة بقيمة 1.5 مليار دولار تدفع دفعة واحدة، وأنَّ الكميّات المتّفق عليها تفرضُ حدًّا أدنى مِن السحب أو غرامات مقابل ذلك؟38
وعلى الرغم مِن أنَّ كبار المسؤولين مثل وزراء الطَّاقة والمالية حاولوا تقليل المكانة الاستراتيجية للغاز الإسرائيلي، بالقول إنَّ حصة الغاز المستورد من إسرائيل لن تتجاوز 20% مِن خليط الطَّاقة،39 إلا أنَّ تلك النسبة مرشحة للارتفاع في السنوات القادمة، مع انتهاء مجموعة تعاقدات الغاز مستقبلا مع مصر ومع الباخرة العائمة. ومع مراجعة أرقام استراتيجيّة الطَّاقة 2020-2030، التي تُبيّنُ هدف الوزارة بخفض نسبة الغاز المستهلك في التوليد الكهربائي من 82% في 2020 إلى 53% في 2030 ، فإنَّ ذلك في معناه التقديري أنَّ نحو نصف الغاز المستخدم في التوليد سيكون إسرائيليًا، ما يُشكل مساهمة عالية في خليط الطَّاقة وانعكاس كبير في التكلفة. لذلك فإنَّ سعر الغاز الإسرائيلي ومأمونيّته سيبقى العامل الأكثر حساسيّة في مصادر القطاع، وسيزداد تأثير ذلك مع مُضي الزمن.
الصخر الزيتي ..الذهب الأسود ضاع سدى
في عام 2012 ضمن تطلّعات التحوّل إلى المصادر المحلِّيَة ، سعت الدولة لاستغلال مواردها من الصخر الزيتي، بعد أنْ ظلّت مقترحات مشاريعه حبيسة الدراسات والمشاورات التي تناقلها 14 وزيرًا للطاقة، لارتفاع تكاليفه وعدم جدواه الاقتصاديّة مقارنة بالخيارات الأخرى. وتقدر الدراسات أنَّ الاحتياطات الكبيرة التي يمتلكها الأردنّ من الصخر الزيتيّ ما بين 40 إلى 70 مليار طن، ما يجعل الأردن السادسة عالميًا في مخزون الصخر الزيتي، وبطاقة هائلة تقدّر بـ 600-900 ميجاوات في عدَّة مواقع تملكُ إمكانيّة الدخول في مشاريع للصخر الزيتي،40 وهو ما يعادل بصورة تقريبيّة نصف استهلاك الأردن مِن الطَّاقة الكهربائيّة. وفي عام 2017، دخلت الحكومة في مباحثات جدّية ودراسات مستفيضة، وانتهت بتوقيعها عقدًا للمشروع مع الشركة الوطنية الإستونية للطاقة (إينيفيت)، لإنشاء محطة توليد كهرباء من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي في منطقة العطارات جنوب شرق العاصمة عمان، وبطاقة إجمالية مقدارها 470 ميجاوات، أيّ ما يعادل تقريباً 15% مِن حاجة الأردن الكهربائية، تدخل حيّز العمل عام 2020. وبموجب اتفاقية تمويلية وقعها ائتلاف إستوني ماليزي صيني بقيمة 3 مليار دولار، ليكون بذلك مشروع العطارات أكبر مشاريع الطَّاقة في الأردن.41
في عام 2019، ومع اقتراب إتمام المشروع ودخوله العمل، قررت الحكومة اللجوء إلى التحكيم الدوليّ ضدّ شركة العطارات على أرضيّة "الغبن الفاحش" في سعر شراء الطَّاقة الكهربائية من المشروع، وتقرير حق الشركة الممثلة للحكومة في فسخ العقد ما لم يتم إزالة ذلك الغبن الفاحش.42 جاء ذلك بعد توصيات تلقتها الحكومة الأردنيّة مِن البنك الدولي، بإعادة النظر في تكلفة وجدوى مشروع العطارات الاقتصادية في ضوء غياب إنتاجيته. وقد ربط تقرير صندوق النقد الدولي43 ارتفاع خسائر الشركة الوطنية المتوقعة بشكل هائل في السنوات المقبلة مع دخول المشروع في الخدمة. وحسب ما ذكره الوزير السابق للشؤون الاقتصادية جعفر حسّان في كتاب الاقتصاد السياسيّ الأردني، فإنَّ المشروع سيضاعف خسارة الشركة الوطنية لتصل في العام 2024 وحده إلى أكثر من 560 مليون دولار، وستبلُغ – حسب التقديرات – مجموع الخسائر في الفترة ما بين 2020-2024 إلى ملياري دولار،44 باعتبار إبقاء التعرفة دون تعديل، وبافتراض أنَّ أسعار خام برنت 55 دولارًا للبرميل. وأظهرت التقارير الحكوميّة أنَّ التوفير المترتب على تأخير دخول مشروع العطارات بسبب جائحة كورونا عام 2020 كان 82.6 مليون دولار.
بحسب ادعاء الحكومة الأردنيّة، فإنَّ الغبن في اتفاقيّة العطارات تمثل في وجود التغرير في الكلفة الحقيقية للمشروع،45 ما يجعل التعرفة المتفق عليها باهظة جدًا، الأمر الذي دفع الدولة للتحكيم في محاولة لخفض سعر البيع. وتُشير البيانات الحكوميّة إلى أنَّ متوسط تعرفة شراء الكهرباء من العطارات تبلغ حوالي 14 سنتًا للكيلووات/ساعة (منتجًا في أرضه)، بالإضافة إلى تكلفة نقله على شبكة النقل والتَّوزيع ليصل إلى المستهلك بـ 18 سنتًا،46 وبالمقارنة مع جميع مصادر الطَّاقة المُستخدمة في الأردن، فإنَّ تكلفة الكيلو وات المنتج مِن الصخر الزيتي هي الأغلى، وتزيد عن متوسط تكلفة إنتاج الكيلو وات بـ 41%، ما يُعدُّ نسبة عالية ومكلّفة جدّا.
الظروف الاقتصاديّة والوضع السياسيّ المهدّدان لأمن الطَّاقة، واللذان أحاطا بالمشهد في سنوات التعاقد على مشروع العطارات – كنقص الإمدادات للمصادر الأوليّة وارتفاع تكاليف النفط عالميّا – كانا المبررَين اللذَيْن قدّمتهما الحكومة الأردنيّة لتوقيع تلك الاتفاقيّة بتكاليفها الضخمة. غير أنَّ الحكومة لم تذكر في تصريحاتها أنَّ شركة العطارات قد واجهت تعثّرا في إتمام الاتفاق التمويلي اللازم مع الجهات المموّلة أواخر عام 2016، 47 أي في العام الذي شهد انخفاضًا كبيرًا في أسعار النفط والطَّاقة الأوليّة عالميًّا، وعودة الاستقرار في وضع الطَّاقة محليّا بشكل كبير وانخفاض تكاليف الإنتاج، بينما أصرّتْ الحكومة الموقِّعة على المُضيّ قُدمًا في المشروع بالتمديد للشركة شهرين لإنهاء القفل المالي، بدلاً مِن إلغاء التعاقدات بتكاليفها الهائلة، لتضيع بذلك فرصة حقيقيّة تتلافى الدخول في أعباء ماليّة جديدة.
يُعدُّ عدم نضوج تقنية مشاريع الصخر الزيتي وحاجتها لمزيد من التطوير عالميًا، أحد أهم أسباب ارتفاع تكلفة تلك المشاريع المحدودة، وانخفاض قدرتها على المنافسة نسبيّا إذا ما قورنت بالمصادر التقليديّة أو المشاريع النوويّة والمُتجدِّدة. ومع تزايد الضغط نحو التوجّه العالميّ لخفض انبعاثات الكربون، لا تُعد تلك المشاريع الحلَّ الأمثل لارتفاع نسب انبعاثاتها قياسًا بحرق الغاز الطبيعي أو المحطّات المُتجدِّدة. ونشير هنا لارتفاع كميّات المياه المستهلكة في عمليات الحرق للصخر الزيتي في بلد يعاني من أزمة مائية كبيرة، حيث تبلغ حصة الفرد فيه أقل من 100 متر مُكعَّب سنويًا. وبالتالي فإنَّ عيوب مشاريع الصخر الزيتي المذكورة تُظهر أخطاء الأردن الاستراتيجيّة في ذلك الملف، بدخوله مبكرًا في استثمار باهظ التكاليف والمرشّح انخفاضه مع تقدّم التقنية المشغّلة، وتعميق مشاكل شحِّ المياه في واحدة مِن أفقر بلدان العالم مائيًا. علاوة على ارتفاع نسب التلوّث المحلِّيَة، التي باتت تتحوّل لشأن اقتصاديّ عبر تكاليف غير مباشرة للطاقة، إذ تقدّر تكلفة التلوّث في المجال الصحّي ما يقارب 127 مليون دولار سنويًّا وبنسبة إنفاق لا تقلّ عن 6% من مجمل الإنفاقات الصحيّة،48 إضافة لتكاليف الصيانة وتجديد المعدّات التي يُسهم التلوّث في إتلافها، وهو ما يرشّح للزيادة مع ارتفاع ملحوظ في نسب الملوّثات في الأردن.
الطَّاقة المُتجدِّدة
تشكّل الطَّاقة المُتجدِّدة 30% من مزيج الطَّاقة الأردنيّ حاليًا،49 وهي الحصة الثانية في المزيج بعد الغاز، والأكبر مِن المصادر المحلِّيَة. لذلك تلعب الطَّاقة المُتجدِّدة دورًا حاسمًا في تحديد تكاليف القطاع والتأثير على تنظيمّه وخُططِه. شهد قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة محليًّا ازدهارًا كبيرًا في سنواته التأسيسيّة بعد إقرار قانون الطَّاقة المُتجدِّدة الدائم 2012، وحتى عام 2018، ليحظى النموذج الأردنيّ في الطَّاقة النظيفة بترويج واسع، نهض بوعود الاعتماد الذاتي في التوليد وتوفيره بأسعار منافسة، إلا أنَّ ذلك سرعان ما بدأ بالتبدّد ليصبح أمل الطَّاقة المُتجدِّدة "كابوسًا" للجهات الحكومية المديرة له بعد ظهور جملة مِن المشكلات المتفاقمة سببها سوء التخطيط للقطاع الجديد، ويكون عبئا على بعض المنتجين والعاملين في القطاع الذي بات تراجعه يهدّدهم. الأمر الذي أفضى إلى حديثٍ عن قرب إغلاق شركات الطَّاقة المُتجدِّدة المحلِّيَة نتيجة للقرارات الحكومية التي أضرَّت بالقطاع.
يتميز الأردن في مجال الطَّاقة المُتجدِّدة بإمكانات كبيرة لإنتاج الطَّاقة الشمسيَّة، نظرًا لما تتمَّتع به مِن امتيازات جغرافية متعلّقة بتوفّر مساحات شاسعة من أراضٍ خالية في مناطق الجنوب والشرق، يمكنها استثمارها كمزارع شمسيّة واسعة بقدرات توليدية عالية، إضافة لموقعها الجغرافي على الحزام الشمسي، ما يوفّر شدّة إشعاع شمسيّ مثاليّة وساعات سطوع طويلة يوميًّا وعلى مدار السنة.50 وبالتوازي مع انخفاض التكاليف، أصبحت المشاريع الشمسيَّة في الأردن تُلبي حاجتها لمصدر طاقة آمن، ومتوفر ودائم، إضافة لانخفاض تكلفة التشغيل والاستخدام.
لم تكن الطَّاقة المُتجدِّدة جزءًا كبيرًا من مزيج الطَّاقة في الأردن قبل 2011، وإنَّما ظلّت خجولة لارتفاع تكلفتها مقارنة بالطَّاقة المولَّدة مِن الغاز المصريّ. وعقب أزمة انقطاع الغاز، أولت الحكومة اهتمامًا أكبر لتنويع مصادر الطَّاقة، وصدر قانون الطَّاقة المُتجدِّدة وترشيد الطَّاقة الدائم سنة 2012، وبموجب القانون صدرت حُزمة مِن اللوائح والتعليمات والأنظمة والإرشادات لتنظيم قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة بالتوازي مع نموّ المشاريع، ليتشكّل قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة ضمن فئتين مِن المشاريع، هما: مشاريع العروض المباشرة والعطاءات التنافسيّة التي تبيع الطَّاقة للحكومة بموجب عقود محدّدة، ومشاريع التوليد الذاتي الخاصّة بالمستهلكين النهائيين (مواطنين أو مؤسسات)، والتي جاءت على شكل مشاريع العبور أو صافي القياس (انظر أدناه).
مشاريع العروض المباشرة
عملت الحكومة الأردنية ضمن تخطيطها لإدخال الطَّاقة المُتجدِّدة وترشيد الطَّاقة بعد عام 2012 على جذب المستثمرين والمطورين (داخليًّا وخارجيًّا) لمشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة، وتمَّت دعوتهم للتقديم المباشر بمقترحات فنية ومالية لمحطات الطَّاقة المُتجدِّدة، وبعيدًا عن تعقيدات وإجراءات العطاءات التنافسية الطويلة، وذلك مقابل 16 سنتًا من الدولار للكيلو وات قدمتها الحكومة متوسط سعر لشراء الطَّاقة مِن محطات الطَّاقة الشمسيَّة، و10 سنتات من محطات الرياح، و15% علاوة للمشاريع التي تستخدم مكونات محلَّية.51 وقد أُطلِق على تلك المشاريع "المرحلة الأولى مِن العروض المباشرة"، التي انتهت بتنفيذ محطات بقدرة 204ميجاوات من الطَّاقة الشمسيَّة، و423 ميجاوات مِن طاقة الرياح، جاء معظمها في الجنوب الأردني. وفي خضم التنافسية والإقبال على استثمارات الطَّاقة المُتجدِّدة، تحولت الحكومة إلى نموذج العطاءات التنافسية في المرحلة الثانية والثالثة من العروض، وإرساء المشاريع على المقترحات الأقل سعرًا والمقدّرة بـ 6.5 سنتًا للكيلووات/ساعة في المرحلة الثانية، و2.5 سنتًا للكيلووات/ساعة في المرحلة الثالثة (التي توقفت). وفي جميع المراحل وقَّعت الحكومةُ عقودَ شراء الطَّاقة مع المستثمرين لفترات تتراوح بين 20-25 سنة، وفيها تلتزم الدولة بشراء كامل الطَّاقة المولَّدة بالسّعر المتفق عليه.
تسبَّب السعرُ المرتفع للجولة الأولى مِن العروض (السعر الأعلى بين المشاريع التوليدية الحالية في الأردن)، في حالة مِن الجدل محليًّا حول جدوى تبني الطَّاقة المُتجدِّدة، ووصل الأمر إلى اتهام الطَّاقة المُتجدِّدة والادعاء بمسؤوليتها عن ارتفاع أسعار الطَّاقة للمستهلكين، وهو ادِّعاء غير صحيح، فنّدته الأرقام الرسميّة، إذ تُشكل المشاريع الشمسيَّة في المرحلة الأولى حوالي 2.5% فقط مِن إجمالي الطَّاقة الموّلَدة،52 لذا فأثرها محدودٌ على كلف النظام الكهربائي. وإذا ما قورنت تكلفة الطَّاقة المُتجدِّدة مع تكلفة الطَّاقة من المصادر الأخرى، فإنَّ معدل تكلفة الكيلو وات من الطَّاقة المُتجدِّدة يبقى مقاربًا لمعدل تكلفة الطَّاقة المولدة من الغاز (أرخص خيار متوفر محليًا). وبالمقارنة – أيضًا – مع المعدل النهائي لتكلفة إنتاج الكيلو وات، فالفارق يراوح الـ 0.7 سنتًا فقط، وبالتالي فلا يمكن اللوم على الطَّاقة المُتجدِّدة في رفع أسعار الكهرباء في الأردن.
واجهت الحكومة الأردنية موجة انتقادات وشبهات متصاعدَّة بشأن مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة، ما دفع وزارة الطَّاقة والثروة المعدنية الأردنيّة إلى إقرار تعديلات "إجراءات تصحيحية"، لخفض كلف النظام الكهربائي، تَمثَّل منها إعادة التفاوض حول الأسعار مع شركات الطَّاقة المُتجدِّدة التي تغطّي 29 مشروعًا، بهدف تحقيق مبدأ العدالة بين الشركات المستثمرة والحكومة.53 يأتي ذلك ضمن توصيات تطالب بمراجعة نموذج اتفاقيات شراء الطَّاقة التي تتبناها الدولة، والتي تعمل بمبدأ شراء كامل الطَّاقة المنتجة بسعر ثابت طيلة مدة المشروع التي قد تراوح الـ 20 عامًا، رغم انخفاض التكاليف عالميًّا، والتحول إلى نموذج آخر يخفض سعر الشراء من محطات الطَّاقة بعد استرداد المستثمرين تكلفة المشاريع. قد يبدو ذلك حلّاً مناسبًا لمشاكل عقود الطَّاقة، إلّا أنَّ الجهات التمويلية لن تقبل بالمخاطر الاستثمارية بها في حال وجود عقود متغيّرة الأسعار، وهو ما يفسّر ارتفاع أسعار مشاريع المرحلة الأولى من العروض، وهو ما اعتبرته الحكومة شكلاً مِن أشكال الدعم والتطمين للمستثمرين. ولكنَّ كما هو الحال في قضية العطارات، فالتصريحات المتضخّمة حول إعادة التفاوض مع الشركات الخاصّة لا يغير حقيقة أنَّ المستثمرين يحظون بحماية أكبر في تلك التعاقدات، ولا يُغير مِن حقيقة افتقاد الحكومات إلى المساءلة الحقيقية عن سوء تخطيطها للقطاع الذي انتهى بهكذا تعاقدات مُجحفة مِن الأساس، إنْ وجدت.
ومن حيث انتُقِد مشروع الصخر الزيتي، يمكن نقد إدخال المشاريع التوليدية للطاقة المُتجدِّدة مبكرا وبأسعار مرتفعة وبحجم كبير، رغم التوقعات العالمية ومنحنيات الأسعار التي تنبئ بانخفاض مستمر في التكاليف، وهو ما جعل متوسط تكلفة الطَّاقة المُتجدِّدة مرتفعا نسبيا إذا ما قورنت بأسعار المرحلة الثالثة المُوقَفة، والتي وصل سعر الكيلو وات خلالها لأقل مِن 85% من أسعار المرحلة الأولى، والمتوقع أنْ تنخفض في المرحلة الرابعة – أيضًا – لتجاوز الـ 91% باعتبار أنَّ التقديرات السعرية لها لن تتجاوز سنتين مِن الدولار فقط لكل كيلووات/ساعة.
ومِن ناحية أخرى، عندما نقارن أسعار المرحلتين الثالثة والرابعة المقدرة مع تكلفة الطَّاقة في الأردن عام 2021 كما في الشكل أدناه، نجد أنَّ هناك اختلافًا كبيرًا يزيد عن 9 سنتات للكيلووات/ساعة. وإذا ما قورنت تلك الأسعار مع تكلفة مصادر الطَّاقة المستخدمة محليًا (مثل الغاز الطبيعي والصخر الزيتي) نجد أنَّ مصادر الطَّاقة النظيفة أرخص بكثير حاليًا، ما يعني أنَّ الأردن قد خسر فرصة ذهبية لخفيض أسعار الطَّاقة، وكذلك لتسريع انتقاله الطَّاقي بسبب تراجعه عن الاستثمار في مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة. لذلك يمكن القول إنَّ المشكلة ليست في إدخال الطَّاقة المُتجدِّدة ضمن خليط الطَّاقة، بل كانت في سوء إدارة وتخطيط القطاع.
يبرز سؤال هنا: لماذا توقفت الحكومة الأردنية عن دعم مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة التوليدية (مفاوضات المرحلة الثالثة) منخفضة التكلفة؟ تبدو الإجابة من خلال ثلاثة أسباب رئيسية:
- وقعت الحكومة عقودًا كبيرة مع شركات الغاز الإسرائيلي والصخر الزيتي والمحطات الأحفورية، وبالتالي أصبحت في غير حاجة إلى مشاريع جديدة من الطَّاقة المُتجدِّدة.
- تعجز شبكة الطَّاقة المُتجدِّدة (شبكة نقل الكهرباء) عن استقبال كمية كبيرة من الطَّاقة المُتجدِّدة بسبب وجود قيود فنّية، إلى جانب وجود خطر من انقطاع التيار (حالات إطفاء شامل) متى حدثت مشاكل في النظام أو مصادر الطَّاقة الشمسيَّة أو الرياح، الأمر الذي يستدعي ضرورة توجيه الاستثمار في البنى التحتية لتوسيع الشبكات وتقوية الاستيعاب الضعيف والبطيء لسوء الأوضاع المالية وخسائر قطاع الطَّاقة الحكومي.
- استغلت بعض القطاعات الخاصّة (الصناعات التعدينية، الاتصالات، البنوك) أنظمة الطَّاقة المُتجدِّدة، وأقامت مشاريع خاصة لتوليد الطَّاقة المُتجدِّدة دون تنسيق مع الحكومة، واستحوذت على حصَّة كبيرة، كان مِن الممكن لمشاريع المرحلة الثالثة والرابعة استغلالها. تلك المشاريع هي ما يتعارف عليه محليّا بمشاريع صافي القياس أو العبور.
صافي القياس والعبور
في عام 2012، أتاحت الحكومة الإمكانية للمستهلكين في بناء مشاريعهم الخاصّة لتوليد الطَّاقة المُتجدِّدة بغرض الاستهلاك الذاتي، ومتى توافر لديهم فائض مُنتج مِن طاقة زائدة، يمكنهم تبادلها مع الدولة، خلال أوقات لا يمكن للمصادر المُتجدِّدة تغطية احتياجاتهم فيها، وعُرف ذلك في تعليمات الربط الحكومي بنظامين: صافي القياس والعبور. ويكمن اختلاف النظامين في مكان تركيب النظام، حيث يتمُّ تركيب صافي القياس بالقرب مِن أماكن الاستهلاك، بينما يكون العبور في مواقع بعيدة عن مكان الاستهلاك، على أنْ يتَّصل به عبر شبكات التوزيع أو شبكة النقل الكهربائي. وفي كلا النظامين، تكون الفوترة المعمول بها هي الفارق بين كمية الفائض والمستجَرّ (ما أخذ من الدولة وما أعطاها من طاقة) وهو ما يسمى بالمقاصة، وهو نظام طبّقته الدولة يشجع على استخدام الطَّاقة المُتجدِّدة، وبإمكانه جعل فاتورة المشترك صفرية (الاستهلاك صفر).
لم ينتبه المسؤولون عن القطاع للأثر الاقتصادي لنظام المقاصّة، الذي تبيّن لاحقًا أنَّه مبادلة غير منصفة، فتكلفة الكيلو وات المنتَج من أنظمة صافي القياس والعبور حوالي 5.5 سنتات، بينما يبلغ متوسط تكلفة الكيلو وات المُستجَرّ من الدولة 11 سنتًا، بغض النظر عن أنَّ توليد الطَّاقة ليلاً أكثر كلفة (وهو التوقيت الذي يتم فيه معظم استجرار الطَّاقة). لذلك فإنَّ الدولة تخسر الفرق بين التكلفتين، وتتحمّلها نهاية المطاف، وهو ما يُعد أولى الأخطاء التنظيميّة لتلك المشاريع.
حقّقت مشاريع الطَّاقة الخاصّة نموًّا هائلاً في السنوات الأخيرة، ووصلت إلى 972 ميجا وات، أي ما يُعادل 39% من إجمالي استطاعات الطَّاقة المُتجدِّدة المركّبة في الأردن حتى عام 2021. 54 إلا أنَّ معظم تلك المشاريع تعود حصة كبيرة لمستهلكين كبار من أفراد ومؤسسات، وجدوا في نظام المقاصة فرصة لتخفيض فواتيرهم والهروب مِن التعرفة المرتفعة المفروضة عليهم، وضمان الحصول على دعم من الدولة بدلاً من دعمها الفئات الأكثر عوزًا للدعم. انعكاس التنامي في مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة الخاصّة يظهر بشكل جليّ في انخفاض كميّات الطَّاقة المباعة لكبار المشتركين55 (القطاع الصناعي الكبير56 بشكل أدق)، لتصبح أقل بـ 68% في عام 2020 مقارنة بما كانت عليه عام 2014، 57 أي قبل دخول الطَّاقة المُتجدِّدة للأردن. الأثر الأكثر خطورة كان هبوط إيرادات الدولة (القطاع الصناعي) مِن هذه المبيعات بشكل كبير، فرغم أنَّ هناك تراجعًا في استهلاك القطاع الصناعي للطاقة لأسباب اقتصاديّة (كإقفال بعض مصانع الأسمنت)، يعزى التراجع الأكبر لأسباب تتعلق بالتوليد الذاتي (بعد ترخيص محطات ذاتية بالغاز أو الفحم) ومشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة بشكل أخص، فمبيعات الطَّاقة لكبار المشتركين عام 2015 كانت تقدر بـ 222 مليون دولار،58 انخفضت بشكل دراماتيكي في ثلاث سنوات فقط لتصبح 66 مليون دولار، والمحصلة خسارة الأردن دعمًا كبيرًا من كبار المستهلكين، إلى جانب استخدام جائر للشبكة الكهربائيّة يعجّل بتهالكها دون دفع تكاليف عادلة لقاء ذلك الاستخدام.
لم يكن انخفاض الإيرادات حصرًا على كبار المشتركين، إذ انتفعت شركات الاتصالات والبنوك والفنادق والمستشفيات الخاصّة وكبار المستهلكين المنزليين مِن مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة للتوليد الذاتي. كلّ هؤلاء كانوا يقدمون الدعم للدولة كأصحاب استهلاكات مرتفعة للطاقة، لذلك فالقول إنَّ خسارات الدولة المتراكمة مِن انفتاح غير مدروس ومنحاز للشركات (ذو توجه نيوليبيرالي) لقطاع الطَّاقة المُتجدِّدة والتي تقدّر بمئات الملايين مِن الدولارات، ليس مبالغة قطعًا.
بما أنَّ مؤسسات وشركات القطاع الخاص الضخمة – التي تحقّق أرباحًا هائلة تجاوزت مئات الملايين من الدولارات في السنوات الأخيرة – تسيطر على نصيب كبير في حصة الطَّاقة المُتجدِّدة، فإنَّ ذلك يُثير تساؤلا مستحقّا: مَنْ المستفيدون والقادرون – حقًّا – على الوصول إلى مصادر الطَّاقة المُتجدِّدة في الأردن؟ ومَنْ يُحدد ويتحكم في مصلحة واتجاه عملية الانتقال الطَّاقي نحو مصادر متجدّدة؟
بسبب قدرة القطاع الخاص والأفراد ذوي الدخل العالي على تمويل مشاريع التوليد الذاتيّة، فإنَّ مخطّطي قطاع الطَّاقة لم ينظروا إلى مسألة التوزيع العادل والمفيد لحصص الطَّاقة المُتجدِّدة، وتوجيه نسب معتبرة منها للقطاعات الحيويّة والمتضررة اقتصاديّا، كقطاعات الزراعة والصناعات المتوسطة والصغيرة، أو استغلالها بشكل فعّال في خفض فاتورة الطَّاقة حكوميًا، وذلك بتبديل الدعم المالي أو السعريّ للفئات الأقل دخلاً، بتركيب الأنظمة الشمسيَّة في مناطقهم تحميهم مِنْ أيّ زيادات في التعرفة، أو نشرها في المباني الحكوميّة ومرافقها التي تأتي كأكبر المستهلكين والمهدرين للطاقة. في ذلك السياق أحدثت الدولة صندوق الطَّاقة المُتجدِّدة وترشيد الاستهلاك عام 2012، لإنشاء نوافذ وآليّات تمويليّة متنوعة وتقديم المساعدة التقنيّة لمختلف الفئات، هدفها تعزيز الوصول للطاقة المُتجدِّدة وحلول ترشيد استهلاك الطَّاقة، وعليه كانت التوقعات عالية في تقديم دعم واسع لفئات المستهلكين الصغار والمتوسطين والقطاعات الإنتاجيّة، لكنَّ نتائج الصندوق كانت متواضعة إذا ما قورنت بحجم استثمارات القطاع الخاص واستحواذاته على حصص الطَّاقة المُتجدِّدة، أو بمقارنتها مع حجم دعم الطَّاقة الكهربائيّة. فحسب الموقع الإلكتروني للصندوق، فإنَّ الوفورات الماليّة المتحصّلة مِن مشاريع الصندوق لجميع القطاعات بلغت 9.44 مليون دولار، بينما دعم الكهرباء الذي تتكلّفه الدولة سنويّا يقدّر بـ564 مليون دولار.59
لا يعني عدالة الوصول لمصادر الطَّاقة المُتجدِّدة حرمان القطاع الخاص مِن حقِّه في خفض تكاليفه، ولا يعني تجاهل مسألة حدّة التنافسيّة العالمية في سوق الصناعات والخدمات، التي تتطلب مِن الدول تحفيز سياسات وأدوات تُحفز القطاعات الإنتاجية، إذ لم تكمن مشكلة مشاريع التوليد الذاتية في خفض فاتورة الطَّاقة للمنتجين والمستهلكين، بل في توزيع عادل ومستهدف لحصص الطَّاقة المُتجدِّدة على كافة القطاعات، الصناعية والتجارية والزراعية والمائيّة ومِن فئات المنزليين، وتراعي وضع تعرفة مناسبة تعبر عن قيمة استخدام المشاريع المُتجدِّدة للنظام الكهربائي، كتعرفة الاستطاعة وتعرفة التخزين وتعرفة الاعتماديّة، وجميعها تعرفات تُسهم تدفُّقاتها المالية في تحسين الاستثمار في الشبكات الكهربائيّة ورفع كفاءتها، وبالتالي نفاذ أفضل وأرخص للمواطن الأردني. علاوة على ذلك، يجب وضع نظام فوترة جديد يلغي العمل بصافي القياس، ويعبر عن القيمة الحقيقية للطاقة المُستجَرّة من الشبكة بدلاً مِن تبادلية غير عادلة تخسر فيها الدولة عشرات ملايين الدولارات، وبشكل يضمن استفادة جميع الأطراف، وهو ما يسمّى بنظام صافي الفاتورة. وأخيرا، لا يمكن تجاهل مسألة الحفاظ على تقديم الدعم من كبار المستهلكين للفئات الأكثر فقرًا وبمستويات مُرضية للجميع، وبأشكال متنوعة يمكن أنْ تكون نقديّة مباشرة أو مستدامة مِن خلال نظام يلزم على مشاريع التوليد الذاتيّة زيادة حجم أنظمتهم أكثر من حاجتهم، ليصبح الدَّعم المقدّم هو كمية مِن الطَّاقة المُتجدِّدة المورّدة للشبكة.
تراجع قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة
وحدّاَ لنزف الإيرادات وتزايد الضغط على الشبكة، لم تجد الدولة حلّاً إلّا في إصدار قرار عام 2019 يوقف مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة التي تتجاوز الـ 1 ميجا وات. فُسِّرَ ذلك بأنّه إيقاف مؤقت لدراسة استيعابية الشبكة.60 بالمقابل كانت عرقلة إصدار موافقات على مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة في شركات توزيع الكهرباء أو مِن قبل شركة الكهرباء الوطنية واضحةً مِن خلال تمديد مدة إصدار تلك الموافقات أو عدم الموافقة على كامل حجم المشاريع أو تحديد نقاط ربط بعيدة على الشبكة ترفع من التكاليف، رغم الطلب الكثيف من المستهلكين على تراخيص الأنظمة الشمسيَّة الخاصّة.
تتبُّع حجم استثمارات الطَّاقة المُتجدِّدة في الأردن يُظهِر حجم النموّ في القطاع ومدى تأثره بالقرارات الحكومية، إذ أدَّى الانفتاح على ترخيص المشاريع الذاتية وإقرار العروض المباشرة خلال الفترة 2012 – 2018 إلى إدخال حجم استثمار هائل بقيمة 3.09 مليار دولار منذ دخول الطَّاقة المُتجدِّدة حتى نهاية عام 2020 بلغ ذروته عام 2016 بقيمة 955 مليون دولار،61 وبقدّر حجم الاستثمار الأجنبي منه حوالي 75%. 62 ويمكن القول إنَّ الفترة الواقعة بين 2015 و2018 كانت قمَّة ذلك النمو بإقرار المرحلة الثانية من العروض المباشرة والأثر الأكبر كان بفتح باب الترخيص لمشاريع صافي القياس والعبور بشكل واسع، ما أحدث طفرة كبيرة في القطاع، ولَّدت انطباعًا بأنَّ ذلك السوق الناشئ وجهة استثماريّة مثرية ومبشرة. تلاشى ذلك سريعًا بتراجع الحكومة عن ترخيص مشاريع التوليد الذاتية التي تزيد عن 1 ميجاوات في العام 2019 وإيقاف المرحلة الثالثة من العروض وقرار إيقاف مشاريع العبور يومي الجمعة والسبت خلال فترة كورونا لتنخفض الاستثمارات بشكل حاد وقفت عند 16.8 مليون دولار فقط عام 2020، ما شكّل تهديدًا حقيقيًّا لقطاع الطَّاقة المُتجدِّدة والعاملين فيه محليّا.
مع تولي الحكومة الجديدة برئاسة بشر الخصاونة المسؤولية في الأردن في أكتوبر 2020، شهد قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة عودة التنامي في مشروعاته – وإنْ كان بشكل أبطأ مِن السابق – وانتعاشًا لسوق الطَّاقة المُتجدِّدة محليّا سنة 2021، إذ رأينا ارتفاعًا جديدًا في قيمة الاستثمارات في الطَّاقة المُتجدِّدة وصل لـ307 مليون دولار، ومعه قرار الحكومة باستئناف تراخيص مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة أكبر من 1ميجاوات ضمن عدَّة ضوابط وبشكل مقنن عام 2022، 63 ضمن سياق عام يعيد الترويج للنهضة الخضراء محليًّا. إلا أنَّ الوجه الآخر لذلك النمو الجديد أنَّه لم يكن مُصاحَبًا بأيّة تعديلات جذريّة في نظام الفوترة والتعرفات أو إصلاح في السياسات الضابطة، إذ اقتصرت على فرض دينارين (أي ما يعادل 2.8 دولار) لكل كيلو وات طاقة متجددة في القطاع المنزلي فقط، بينما غضَّت الطرف عن القطاعات الأخرى الأولى بتعديل الرسوم والتعرفات عليها من بنوك ومشافٍ خاصة ومصانع كبرى وشركات اتصالات، ما يعني أنَّنا قد نشهد توسّعًا جديدًا في مشكلات الطَّاقة المُتجدِّدة، خاصة في نقص إيرادات الحكومة من قطاع الطَّاقة.
مستقبل قطاع الطاقة في في الأردن
قدّم الترويج الإعلاميّ الواسع تصوّرا مغلوطًا حول قدرة الأردن الكبيرة على التحوّل السريع إلى التوليد من الطاقات المُتجدِّدة واستبدالها بالطَّاقة التقليدية، دون مناقشة العقبات الفعليّة أمام النظام الكهربائي، كإشكالية عجز الشبكة الكهربائيّة عن استيعاب مزيد من الطَّاقة المولدّة، والتي جاءت كنتيجة التنامي الكبير في مصادر الطَّاقة في فترة وجيزة، ولم يصاحبه نمو في تعزيزات الشبكة الكهربائيّة والبنى التحتيّة.
يجب أنْ تكون الحلول والمقترحات لأزمة الطَّاقة في الأردن أكثر واقعية وقابلة للتنفيذ، حتى يُمكِن للقوى الشعبية والمدنية والنقابيّة الضغط باتجاه تطبيقها، وتشكيل سياسات وطنية جديدة ومتوازنة تضع السِّيادة الطَّاقية أولى أولوياتها. فرغم التعاقدات المجحفة التي تورطت فيها الحكومات الأردنية ولن تستطيع الإفلات مِن تبعاتها لشروطها الجزائية العالية، يمكن البدء ببناء تدريجي لقدرات القطاع بعيدًا عن أيّ تبعيّة اقتصاديّة وسياسيّة، بحيث يمكن له النمو والتوسّع محليًّا، بما يقلل الحاجة إلى المشاريع الضخمة الممولة من القطاع الخاص والاستثمار الخارجيّ مِن جهة، ويقلِّل تكاليف إنتاج الطَّاقة مِن جهة أخرى. سوف ينعكس ذلك إيجابيًّا على الوضع المالي للشركة الوطنيّة وتقلُّ حاجتها للصناديق الدوليَّة، وذلك لن يكون إلّا بالتوجه بقوّة نحو تبنّي مصادر الطَّاقة المُتجدِّدة، ووضعها في إطارها الصحيح، لتكون منفعة عامّة بدلاً مِن سلعة تجاريّة.
مِن أجل بناء قدرات في الطَّاقة المُتجدِّدة، نحتاج إلى استراتيجية وطنية تحدِّد الحصص الجديدة مِن خليط الطَّاقة، كخطوة أولى في ذلك المسار، يليه استغلال هذه القدرات في أنظمة التوليد الذاتية اللامركزيّة (أيّ بقدرات صغيرة محدودة)، وتمكين الأفراد والمؤسسات الصغيرة مِن استخدامها بعدالة بين القطاعات المختلفة، لتوفير احتياجاتهم مِن الطَّاقة بشكل مباشر، ولخفض الحاجة للطلب على الشبكات الكهربائيّة. سيدفع ذلك نحو تحسينٌ للأوضاع المعيشيّة على مستوى الأفراد بتخفيض فاتورة الطَّاقة، وتقليل التكاليف على الدولة بالحدّ مِن الحاجة للاستثمار في التوليد المركزي الكبير، أو البنى التحتية التعزيزية الكبيرة للشبكات، وكذلك تخفيض قيمة الدعم المقدّم للفئات المستفيدة مِن تلك الأنظمة. لذا تُعدّ الأنظمة اللامركزية أحد أهمّ الوسائل التنمويّة التي يمكن نشرها وتعزيزها على المستوى الوطنيّ بفاعلية، وسبيلاً لتقليل نفوذ الشركات الكبرى في القطاع. ولإنجاح تلك الأنظمة يجب تفعيل دور الصناديق والمؤسسات التمويلية العامّة في الدولة والتعاون بينها، لخلق أدوات ونوافذ تمويل منخفضة التَّكاليف وسهلة الوصول، مثل بنك تنمية المدن والقرى ومؤسسة الإقراض الزراعي ومشروع كهربة الريف وصندوق تشجيع الطَّاقة المُتجدِّدة، لتصبح تلك المؤسسات الممول الأوسع لأنظمة الطَّاقة المُتجدِّدة الموجهة للمشاريع التنموية والأفراد، وتشارك مع القطاع الهندسي والتجاري والخبرات المحلِّيَة في إنشاء تلك الأنظمة.
ينبغي تبنِّي استراتيجيّة شاملة لحلِّ أزمة الفائض في قدرات توليد الطَّاقة، الذي يرفع تكاليف إنتاجها ويعوق تطوير قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة، وذلك بتحفيز الطلب على الكهرباء مِن خلال ربط القطاعات والوزارات الوطنيّة لتحويل أنشطتها إلى كهربائية مثل قطاع النقل الذي يستهلك حوالي 49% مِن الطَّاقة الأوليّة المستوردة للأردنّ،64 وإضافة مشاريع جديدة كتحلية مياه البحر، للاستفادة مِن الاستطاعات التوليدية بالطَّاقة القصوى وفتح المجال لمشاريع جديدة في الطَّاقة المُتجدِّدة، الأمر الذي يعمل على خفض فاتورة الطَّاقة للدولة، وتعزيز استغلال المصادر المحلِّيَة، وتنشيط جميع القطاعات اقتصاديًّا وتقليل تكاليفها.
في ذلك الشأن، يتوجبّ التنبيه إلى خطورة الاتفاقيّة الأخيرة بين الأردن وإسرائيل بدعم إماراتيّ65، والساعية لإقامة خطٍّ مشترك لتبادل 200 مليون متر مُكعَّب سنويًّا من المياه الإسرائيليَّة، مقابل الكهرباء المنتجة من محطَّة للطاقة الشمسيَّة بقدرة 200ميجاوات تصدّرها الأردن، والتي ستجعل الأردن تحت وطأة ارتهانات خطيرة، بالاعتماد على إسرائيل في قطاع المياه والطاقات المُتجدِّدة، بعد أنْ تسلَّلت إسرائيل داخل قطاع الطَّاقة الأردنيّ باتفاقيّة الغاز الإسرائيلي، وعلى هذا الأساس يجب الضغط لوقف الاتفاقيّة، والسعي لتحقيق تكامليّة محلَّية بين قطاعي الطَّاقة والمياه، باستخدام تكنولوجيا الطَّاقة المُتجدِّدة الحديثة لتحلية المياه، وإعادة هيكلة شبكات المياه بما يسمح بخفض الفاقد مِن الطَّاقة والمياه، وهو ما سيعزّز دور الطَّاقة النظيفة في الأردن وتوفير احتياجاته مِن المياه مستقبلاً.
وأخيرا، يأتي تحقيق التكامل الطَّاقوي بين الدول العربيَّة والإقليمية كأبرز الأهداف التي تسهم في معالجة مشكلات الطَّاقة في المنطقة، ليس حصرًا في الأردن، بلْ على مستوى الإقليم كاملاً. محليّا، يجب تعزيز التعاون في مشاريع الربط الكهربائي الحاليّة مع مصر وفلسطين والعراق، وإنشاء شبكات ربط جديدة ومتوسّعة تربط الدول العربيَّة إقليميًا، الأمر الذي يعزز استقرار الأنظمة الكهربائية، ويقلّل المشاكل الفنيّة ويمكن الشبكات من استيعاب للطاقة المُتجدِّدة. ومِن جهة أخرى يحقّق منفعة اقتصاديّة كبيرة باستغلال جميع الاستطاعات المتعاقد عليها في التوليد، لإنتاج أكبر قدر من الطَّاقة وتصديرها إلى دول الجوار التي يعاني بعضها نقصًا حادًّا في إمدادات الطَّاقة – كما هو حال لبنان – وبما يحقق المصلحة المشتركة.