سياسة الهيدروجين الأخضر في مصر بين أولوية التصدير والتحول الطاقي المحلي
Regions
تقدم الدراسة قراءة موسعة لمسار الهيدروجين الأخضر في مصر بوصفه ملفًا يقع عند تقاطع التحول الطاقي والعدالة المناخية. تنطلق الدراسة من أن صعود الهيدروجين الأخضر إلى صدارة أجندة الطاقة الوطنية جاء على شكل إستراتيجية صناعية موجهة للتصدير، مدفوعة بتحولات جيوسياسية أوروبية بعد بداية الحرب الروسية–الأوكرانية وبسعي الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر طاقة متجددة ومنخفضة التكلفة والالتزام بمعايير الاعتماد الأخضر. وفي هذا السياق، سارعت مصر إلى إنشاء بيئة جاذبة للاستثمار عبر حزمة تشريعية وتنظيمية كان أبرزها القانون رقم 2 لسنة 2024 الذي يمنح حوافز استثمارية سخية، وتأسيس المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته (NCGH) لتنسيق التخطيط والاعتمادات والمعايير، بما يستهدف جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات النقد الأجنبي في ظل ضغوط الاقتصاد الكلي.
كما تعرض الدراسة خلفية عن هشاشة منظومة الطاقة المصرية كنقطة انطلاق لا غنى عنها لفهم خيارات الهيدروجين. إذ لا يزال الوقود الأحفوري يوفر نحو 95% من إمدادات الطاقة، كما يهيمن الغاز الطبيعي على توليد الكهرباء، في وقت شهد فيه الإنتاج المحلي – خصوصًا من حقل ظُهر – تراجعًا ملموسًا أعاد البلاد من وضع المُصدر الصافي إلى المُستورد ودفع إلى انقطاعات متكررة للكهرباء. وبالتوازي، يقتضي الوفاء بأهداف الإستراتيجية الوطنية للطاقة وإستراتيجية الهيدروجين إضافة قدرات ضخمة من الرياح والشمس تتراوح، بحسب السيناريوهات، بين 46–56 جيجاوات بحلول 2030، و90 جيجاوات في السيناريو الأخضر الطموح، وقد تصل إلى 120–145 جيجاوات بحلول 2040 لتلبية الطلب المحلي والتزامات التصدير معًا، بالإضافة إلى تكاليف تقوية شبكة النقل الكهربائي والتي تُقدر بمليارات الدولارات لدمج عشرات الجيجاوات الإضافية بحلول 2030.
Downloads
في السنوات الخمس الأخيرة، انتقل الهيدروجين الأخضر بسرعة من كونه خيارًا تقنيًا لخفض الانبعاثات الكربونية وتأمين إمدادات الطاقة إلى موقع أكثر مركزية في أجندات الانتقال الطاقي العالمي. جاء هذا الصعود السريع للهيدروجين الأخضر بسبب تغيّر خريطة أسواق الطاقة في أوروبا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لتعويض إمدادات الغاز الروسي وتنويع مصادر الطاقة في الاقتصادات الأوروبية الكبرى. وبدأ زخم الهيدروجين بالظهور في مؤتمر الأطراف الـ 26 (كوب 26) في جلاسكو، إذ أطلقت 32 دولة والاتحاد الأوروبي مبادرة لتسريع نشر الهيدروجين المتجدد وجعله متاحًا عالميًا وبسعر تنافسي بحلول العقد المقبل (UNFCCC, 2021). ووضع الاتحاد الأوروبي خطة «REPowerEU» لإنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد محليًا، واستيراد كمية مماثلة بحلول عام 2030.
كحلٍّ استراتيجي، بادر الاتحاد الأوروبي بتأسيس شراكات واسعة مع دول الجنوب التي تتمتع بموارد طبيعية ومساحات أراضٍ كبيرة تكفي لإنتاج الكهرباء من الشمس والرياح، ويشمل هذا بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وكان لاعتبارات الموقع الجغرافي والتكلفة المنخفضة للإنتاج دورٌ أساسي في صياغة هذه الشراكات، حيث توفّر تلك البلدان أراضي عالية الجودة لمشروعات الطاقة المتجددة، إلى جانب قربها الجغرافي من أوروبا. دفعت هذه الشراكات البلدان المرشحة إلى صياغة استراتيجيات وطنية للهيدروجين وإقرار حوافز تنظيمية وتشريعية تقدم الدعم المالي والضمانات السيادية للمستثمرين من أجل تأمين فرصة الاستحواذ على حصة من السوق الدولية الناشئة لتجارة الهيدروجين ومشتقاته.
في هذا السياق، سارعت مصر إلى تبنّي السياسات الداعمة والمنظمة للهيدروجين الأخضر بصفتها أحد الأطراف المرشحة للإنتاج بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي. فقد شرعت منذ عام 2021 في إعداد استراتيجية وطنية للهيدروجين منخفض الكربون، وأطلقت عددًا من المشروعات التجريبية بالشراكة مع مستثمرين دوليين، قبل أن تعلن رسميًا استراتيجيتها في عام 2024. وتحاول مصر اقتناص حصة من السوق المستقبلية في سعيها إلى تأمين مصادر دخل إضافية من العملة الصعبة على المدى القريب، وللمساهمة في تنويع مصادر الطاقة على المديين المتوسط والبعيد. ويأتي هذا التوجه في ظل ضغوط اقتصادية وطاقية معقدة: تراكم المديونية الخارجية، وعجز الميزان التجاري، وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي – الوقود المهيمن في مزيج الطاقة المصري – وتكرار الانقطاعات.
تستند هذه الورقة إلى مجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية والإحصاءات الدولية والتقديرات القطاعية بهدف توصيف وضع الهيدروجين الأخضر في مصر ضمن مسار الانتقال الطاقي العالمي. وتقدم الورقة قراءة شاملة لملف الهيدروجين الأخضر في مصر، تتبع مسار تحضير الاستراتيجية الوطنية ومراحلها، ورصد المشروعات المعلنة، وتحليل وضع الطاقة المحلي بما فيه من أزمات وفرص، بالإضافة إلى مناقشة التحديات البنيوية المتعلقة بالأراضي وشبكات نقل الكهرباء. كما تتناول الدراسة الاستخدامات المتوقعة للهيدروجين محليًا وفي التصدير، وتستعرض الأطر المؤسسية والقانونية التي تشكلت لدعم هذا القطاع. وفي الختام، نناقش أبعاد الاستدامة والعدالة في نموذج الانتقال الطاقي المصري.
إذن تهدف الدراسة إلى تقديم قراءة وصفية وتحليلية توضّح حيثيات صعود قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر وتفاعله مع التحولات العالمية والإقليمية، مع توفير قاعدة معرفية لفهم أبعاد هذا الملف عند تقاطع الاقتصاد والسياسات والبيئة والتنمية.