الحراك الاجتماعي والمطالب السياسية المشترَكة عبر الاستخراج والطاقة المتجددة
بالنسبة للمطالبين والمدافعين عن الانتقال العادل، قد يكون أحد المؤشرات الأولى على أن الطاقة المتجددة ربما تُكرّر أوجه لامساواة الماضي الخاصة بالتعدين، هو التشابهات في أنماط الحراك الاجتماعي عبر القطاعيْن. في الجنوب الشرقي المغربي، عبّر كُلٌ من المشاركين والمسؤولين صراحة عن هذه المقارنات في الاحتجاجات المحيطة بأعمال NOORo والمناجم بالمنطقة. يجب أن يتجاوز التحليل الشامل لهذه التشابهات مجرد ملاحظة أنّ سكان الريف كانوا يعانون دائمًا من التهميش وسوف يستمر استلابهم من قبل النُهُج المهيمنة لقطاع الطاقة المتجددة. هذه ملاحظة مهمة، لكنها لا تجيب على سؤال لماذا تتكرّر تواريخ الاستلاب نفسها. فلا هي تسمح بالتعبير عن قدرة وإرادة سكان الريف ولا هي توضح مدى التباس وتداخل علاقتهم بالنمط الاستخراجي أو إنتاج الطاقة.
هناك عدّة سبل يمكن من خلالها لنوعيْ الاستخراج (الطاقة المتجددة والتعدين) أن يعمّقا اللامساواة. يركّز مشروع البحث العَملي في جنوب شرق المغرب الذي بدأ في خريف 2021 على: 1) عملية تطبيع وترسيخ اعتمادية الاقتصاد السياسي الجهوي على تصدير الثروة في ظل حد أدنى من إعادة الاستثمار لصالح الناس. و 2) الخطابات المهيمنة التي تحاجج بضرورة أن “يضحي” السكان المهمَّشون بمواردهم أو بسلامتهم لصالح التنمية الوطنية أو الانتقال نحو الطاقة النظيفة. وفي الوقت نفسه، فإن التحليل الذي ينبع أساسًا من الواقع، لا يفترض أنّ الاستخراج هو المحرك الوحيد – أو حتى الأهم – للسياسة المحلية والجهوية. فنوعي المشروعات مرتبطان بفسيفساء معقدة من المطالب السياسية التي تتجاوز التعدين أو الطاقة. السياسة الريفية، مثل السياسة في أي مكان، متعددة الجوانب والأبعاد، ويُموْضع الناس هذه المشاريع في نطاق مطامح وأولويات مختلفة ومتنافسة في أحيان كثيرة. توثيق هذه المطالب المتنوعة يوضح كيف ولماذا يحتشد سكان المناطق الريفية بالشكل الذي يفعلونه، ولماذا يتعاملون مع أشكال التعبير السياسي الأخرى إلى جانب الاحتشاد والاحتجاج.
إن فهم وجود سياق أعرض لسياسة النمط الاستخراجي يعني فهم السطوة الشديدة أحيانًا للدولة والشركات لكنه لا يعني افتراض وجود نتائج حتمية للنمط الاستخراجي. لا يقتصر الأمر على ممارسة السكان لإرادتهم وقدرتهم على المقاومة والرد، بل إنهم أيضًا يتفاوضون ويستغلون وجود المشاريع الكبيرة في صياغة مشاريعهم السياسية الخاصة بهم أيضًا. هذه المقاربة تقرّ أيضًا بإمكانية وجود الاختلافات الداخلية فيما بين الدولة والشركات، وتتعامل بجدية مع العوالم “الأخلاقية” للأطراف.25 إن قلة من الناس الذين يعيشون في وحول مناطق الاستخراج في المغرب يصفون أطرافًا ومؤسسات “طيبة” أو “شريرة” في نطاق عمليات الاستخراج، ما يعكس التعقد والتنوع في هذه المشاريع. تؤدّي هذه التعقيدات إلى “إرادات وقدرات متعددة ومتنوعة” في أوساط السكان والعمال الذين قد لا تمتزج انتقاداتهم للمشاريع أو أهدافهم حولها بسهولة، إن امتزجت من الأساس، مع تأطير الحركات الاجتماعية.26
إنّ ردّ الفعل الشعبي على النمط الاستخراجي متعدد ومتنوع بدوره، من حركات المقاومة المنظمة إلى التشظي الاجتماعي الذي يؤدي إلى النزاعات العنيفة.[27] وفي جنوب شرق المغرب، أثارت احتجاجات احتلال منجم إميضر خيال الكثير من المغاربة والمراقبين الدوليين، بالنظر إلى ذلك المزيج المتقن والمستند إلى ثقافة المكان في الوقت نفسه، من توظيف المخيال الشعبي والخطابات المعولمة في الوقت نفسه، في عملية المقاومة. وكانت احتجاجات منجم كوبالت بوازار وتلك الخاصة بمنشأة NOORo بدورها ملهمة لنشطاء الحركات الاجتماعية والمراقبين. لكن ليست هذه إلا بعض الأعمال وردود الفعل، وهناك غيرها كان أقل بروزًا وظهورًا لأعين من لا يفهمون جيدًا ممارسات السياسة الريفية في جنوب شرق المغرب.
إن غرس النمط الاستخراجي وأعماله في سياق المطالب الأعرض المحيطة بالأرض والسيطرة على الموارد والتمثيل السياسي للناس، يجلب لأنظارنا عدة أشكال من الممارسات السياسية، لا سيما في المناطق التي لا تعد الحركات الاجتماعية أو المقاومة الصريحة بارزة وظاهرة فيها.28 حتى الإخفاقات – في مشاريع الاستخراج أو الحراك الاجتماعي – يمكن أن “تنتج سياسة”، إذ تمكّن السكان من بناء تحالفات أو خبرات أو تغذية خبراتهم في مشاريعهم السياسية المتنوعة.29 على سبيل المثال، في حين تمّ تفكيك اعتصام إميضر في 2020، فإن الجهود القائمة منذ عشر سنوات تقريبًا على صلة بالمنجم لا يمكن اعتبارها إخفاقًا. كان هذا واحدًا من عدة أشكال للتعبير السياسي غيّرت من السياسية المحلية والجماعية حول المنجم، كما يظهُر من تغيّر الكوادر نحو بروز مسؤولين منتَخَبين أصغر سنًا خلال انتخابات الجماعات في الدورتين الأخيرتين. قد يعمل السكان أيضًا على التغيير عبر نطاقات زمنية وأهداف تختلف عن تلك الخاصة بحركة العدالة المناخية. مثلما يمكن للاستخراج أن يؤدي إلى “عنف بطيء”، فإن الحراك البيئي للفقراء، وغير ذلك من التدخلات السياسية في جعبتهم، يمكن أن يَحدث على امتداد فترات زمنية مطولة.30
كما أن هذا النهج يتفادى الحكم المسبق على كيف يجب أن يتعامل السكان مع النمط الاستخراجي. ربما يختارون عمل توازن بين الانتقاد والرغبة في التنمية وفرص العمل التي قد يجلبها مشروع طويل الأجل والرابطة العاطفية عند الناس بالتعدين وارتباطه بالهوية.31 يشير البحث الأوّلي حول النزاعات على الموارد في المناطق الريفية بالمغرب إلى أنّ التعدين والطاقة المتجددة يعمّقان من اللامساواة، لكن يمكن للناس استخدام هذه الخلافات في تصور وتجربة أشكال جديدة من السياسة أو الحكم المحلي في المناطق الريفية. هذا الخيال الجديد يمكن اعتباره “سياسة شعبية مستجدة/طارئة”، تشمل أشكالًا “لا حراكية” من القدرة السياسية للناس.32 أي أنّ على المدافعين عن الانتقال العادل أن يستمعوا إلى الناس ويفهموا تعدد أهدافهم ويُقرّوا بأشكال العمل المفضلة لديهم، بدلًا من إملاء أطر تحليلية مسبقة عليهم تُحبّذ نُهُج الحركات الاجتماعية المنظمة.
حتى المقاومة قد لا تكون متفقة مع الخطابات البيئية السائدة، إذ أنّ بعض الجماعات تعتمد على ممارسات عرفية/تقليدية أو غير سياسية في الظاهر، في التعبير عن مطالبهم السياسية.33 هذا الاحتشاد الاجتماعي “اللا-حراكي” قد يمثل مجموعة نُهج قريبة من الناس، مفيدة في التعامل مع النمط الاستخراجي وتقرّ في الوقت نفسه بعلاقات الناس المعقدة بالمشاريع الكبيرة، فهناك قلة ترفضها من الأساس، مع انتشار الرغبة في إعادة تخيل ما تفعله هذه المشاريع، وكيف تعمل، ولمن تقدّم فوائدها. يشير تاريخ فريق المشروع في البحث والناشطية بالجنوب الشرقي إلى أنّ خطابات العدالة البيئية لا تستهوي الكثير من سكان المنطقة. وتكمن قوة التحليل الذي يجريه الفريق في تعاطيه مع أشكال القدرة السياسية المتعددة، التي تُعَدُّ مفيدة في جعل “الانتقال العادل” عملية أقل تجريدًا في نظر الناس، بحيث يصبح ملموسًا أكثر، وله “مكان” واضح وراسخ، دون الحاجة لأن يحاكي أو يشابه حركات العدالة البيئية الأخرى لكي يروج لانتقال عادل. وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإطار ليس بديلًا عن الحركات الاجتماعية الرسمية أو هو يرفضها. إنما هو يمثل الإقرار بضرورة التعاطي مع الممارسات السياسية المتنوعة والمختلفة التي تسعى لتحقيق الغاية نفسها.